كشفت وسائل إعلام روسية خلال الأيام الماضية عن زيارة قام بها السفير الروسي لدى إسرائيل أناتولي فيكتوروف إلى المنطقة الشمالية، حيث التقى الشيخ موفق طريف رئيس المجلس الديني الأعلى للدروز، وتبادلا وجهات النظر حول الوضع في سوريا، وهو ما حمل إشارة إلى وساطة تقوم بها موسكو لتهدئة الأوضاع المشتعلة في السويداء ضد بشار الأسد تزامناً مع دخول الاحتجاجات شهرها الثاني.
ومن المعروف طبيعة العلاقات القوية تاريخياً بين الطائفة الدرزية وروسيا، حتى أن البعض يرى أن هذه الطائفة تتمتع بحماية موسكو لدرجة أن حكومة بشار الأسد لم تفكر في استخدام العنف ضدها لهذا السبب، عكس ما فعلت من قبل ضد معارضيها وسلوكياتها التي أدخلت البلاد في حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس وخلفت ملايين من الوفيات والمصابين والمشردين والنازحين.
تفاصيل اللقاء
وذكرت السفارة الروسية لدى إسرائيل، في بيان عبر موقعها الرسمي، أن الجانبين تبادلا وجهات النظر حول الوضع في سوريا في سياق ضمان أمن ورفاهية ممثلي الطائفة الدرزية ذات الثقل، وقد تم التأكيد على الالتزام بالحكم الذاتي والاستقلال والوحدة والسلامة الإقليمية لسوريا، علماً أن محتجين دعوا إلى فكرة اللامركزية في إدارة البلاد خلال احتجاجات السويداء.
وأضافت السفارة أيضاً أنه قد تم التأكيد كذلك على الحاجة إلى المساعدة الدولية في إعادة إعمار هذا البلد بعد انتهاء الصراع، فضلاً عن رفع العقوبات الأحادية غير المشروعة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتي تعيق هذه العملية، مشيرة إلى أن اللقاء حضره الملحق العسكري في السفارة الروسية لدى إسرائيل فلاديمير جيراسيمينكو، والقنصل العام لروسيا في حيفا ألكسندر بوداييف والقنصل العام الفخري لروسيا في المنطقة الشمالية من إسرائيل أمين صفية.
وقد كان ملاحظاً خلال الاحتجاجات التي بدأت في السويداء منذ 16 أغسطس المنصرم الحضور الطاغي للأعلام التي تعبر عن الهوية الدرزية والمكونة من الأخضر والأحمر والأزرق والأصفر والأبيض، والتي يحمل كل لون منها معنى ودلالة، وقد حملوها إلى جانب ما يعرف بـ”علم الاستقلال” أو “علم الثورة السورية، والذي كان مستخدماً خلال الفترة التي أعقبت استقلال دمشق عن الانتداب الفرنسي.
بدوره، يقول الدكتور عباس حبيش نائب رئيس المركز الثقافي الروسي العربي بمدينة سان بطرسبورج الروسية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن زيارة السفير الروسي إلى الزعيم الروحي للدروز في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تأتي في إطار الوساطة مع الدروز، لأن موسكو تتعامل مع الوضع في سوريا ككل ولا تتعامل معه من منظور طائفي أو مناطقي أو مذهبي، وبالتالي فهي تتحرك في كل الاتجاهات من أجل التهدئة في كافة المناطق السورية.
وأوضح “حبيش” أن الموقف الروسي تجاه الأوضاع في السويداء يقوم على أن أية احتجاجات من أجل الحقوق المشروعة هي موضع ترحيب ولا يمكن منعها، لكن أن يتم التلاعب بها وتسويقها لتأخذ أبعاداً سياسية معينة فإن هذا هو المرفوض، مشيراً إلى أن البعض يحاول رسم صورة عن احتجاجات السويداء بأنها ربيع سوري جديد وهو نفس الحديث الذي كان يدور من قبل عام 2011.
وشدد على أن موسكو لا يمكن أن تدعم ما يسمى بالحكم الذاتي للدورز، وهي لم تقبل من قبل ببعض الأحاديث التي تطلق تصورات مثل فيدرالية سورية أو كونفيدرالية سورية، متهماً بعض الدروز بالعمل لحساب المصالح الإسرائيلية بما في ذلك البعض ممن يعيشون داخل إسرائيل، وهم من يروجون لمسألة اقتطاع جزء من الأراضي السورية والحديث عن إمكانية أن يصبح لهم حكماً ذاتياً هناك.
وبسؤاله حول أن مسألة الحكم الذاتي قد ذكرت في اللقاء بين السفير الروسي والزعيم الروحي للدوز، أكد “حبيش” أنه من الطبيعي أن يتم مناقشة كافة الأمور في مثل هذه اللقاءات، لكن موسكو في كل الأحوال لا تقبل بالتصور الذي يتم الترويج له من قبل بعض الدروز الذين يتم دفع أموال خارجية لهم لدعم مثل هذه المخططات، حسب تعبيره.
وقد لعب التدخل العسكري الروسي إلى جانب إيران دوراً محورياً في قلب الأوضاع على الأرض لصالح حكومة بشار الأسد التي كانت قاب قوسين أو أدنى من السقوط عام 2015، وبفضل دعمها العسكري استمر النظام حتى الآن، وتحولت بوصلة عدد من الدول العربية نحو تطبيع العلاقات معه وعودته إلى جامعة الدول العربية بداعي أن المقاطعة له طوال السنوات الماضية لم تساعد في أي تقدم على مسار الحل السياسي للأزمة.
قراءة روسية خاطئة
من جهته، يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الدروز أصناف عديدة وليس كلهم نفس المواقف، ولكن بصفة عامة العلاقة بينهم وبين روسيا مستمرة ومتطورة، ويمكن فهم زيارة السفير الروسي أناتولي فيكتوروف لزعيم المجلس الأعلى للدروز في إطار هذا السياق.
أما بشأن ما يثار عن وساطة روسية، يقول “الرقب” إن روسيا تعتبر سوريا أهم حليف لها في منطقة الشرق الأوسط، وتبذل كل ما بوسعها من أجل دعم حكومة بشار الأسد، وتهدئة الأوضاع داخل سوريا بما في ذلك ترتيب أوضاع الدروز، مشيراً إلى أن الدروز ليسوا جميعاً كتلة واحدة فمنهم من أيدوا حكومة دمشق ومنهم من عارضوها.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أن موسكو لها نوع من الدلال تجاه الدروز سواء في سوريا أو في هضبة الجولان المحتلة أو لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، والشيخ طريف الذي التقاه السفير الروسي يعد المرجعية الرئيسية للدروز جميعاً أو على الأقل هو صاحب القرار على أغلبية الدروز، لكنه أكد أن تصوير ما يجري في السويداء على أنه تحرك فئوي من أجل حكم ذاتي للدروز يعد قراءة خاطئة للاحتجاجات التي نتجت عن الأوضاع المعيشية الصعبة.
وقد خرجت الاحتجاجات في السويداء كامتداد لاحتجاجات في مناطق أخرى بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تفاقمت مع إقدام حكومة دمشق على رفع كافة أوجه الدعم عن الوقود، وامتدت مطالب المحتجين إلى الإطاحة ببشار الأسد وإسقاط حكمه، والعمل على وصول نظام ديمقراطي يقود البلاد، وحرقوا لبشار الأسد دمى في عدة مناطق، ما أعاد إلى الأذهان بدايات الاضطرابات السورية عام 2011.
محاولة لاختراق الحراك الشعبي
في المقابل، يرى الكاتب السياسي السوري فراس يونس، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن إرسال وفود وبعثات دبلوماسية روسية لمقابلة وجهاء السويداء والزعامات الروحية للدروز، ما هو إلا أمر يأتي في إطار المحاولات لاستيعاب الاتفجار الشعبي الذي يهدد حكومة دمشق، وكذلك محاولات لتفكيك هذه الحراك الشعبي، والذي وضع بشار الأسد في وضع محرج لأنه كان يصور نفسه دائماً على أنه حامي الأقليات، لكن ما حدث أن السويداء انفجرت في وجهه بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية.
وأضاف “يونس” أن الوساطة الروسية تتحرك دون أن يقوم بشار الأسد بأي خطوة واحدة نحو الحل السياسي أو أن يتخذ أية إجراءات من شأنها الحد من سطوة أمراء الحرب، وقد أثبتت الاحتجاجات عجزه عن الانفتاح على شعبه والاستماع إلى المطالب المشروعة واتخاذ الخطوات اللازمة لرفع المعاناة عنهم اقتصادياً.