أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مقابلة مطولة مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية وقد كان ملاحظاً بدرجة كبيرة أنه عندما يتحدث عن علاقات المملكة بالقوى الكبرى كالصين وروسيا وبالقطع الولايات المتحدة يتحدث بقدر من الندية لا سيما عندما قال نصاً إن “المملكة كبيرة للغاية”، وكذلك عندما تحدث عن أن بلاده ستحصل على سلاح نووي إذا حصلت إيران عليه، وأيضاً رؤيته للحرب الروسية – الأوكرانية.
وقد أتت تصريحات “بن سلمان” في ظل حديث كثير من وسائل الإعلام سواء داخل السعودية وخارجها عن قدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة أو “ندية”، وهو حديث مثار منذ اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا وظهور التحليلات التي تقول إن الرياض تتجه نحو موسكو وبكين، لكن السؤال هنا هل بالفعل السعودية في حالة من الاستقلالية والندية مع واشنطن، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد بروباغندا خلفها ولي العهد السعودي الذي كما يقال هو الحاكم الفعلي للمملكة؟.
عودة الاهتمام الأمريكي بالعالم العربي
ولم تكن العلاقات السعودية – الأمريكية على ما يرام خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي تعامل مع المملكة كما لو كانت “بقرة حلوب” يستنزف أموالها بداعي حمايتها فضلاً عن التغاضي عن أي مزاعم أمريكية بشأن ملف حقوق الإنسان السعودي، ويبدو أنه قد حدث التوافق بينهما طالما أن الأمر يمكن حله بالمال، لكن على عكس الرئيس السابق، فإن الرئيس الحالي جو بايدن سبق ووصف السعودية بالدولة المنبوذة وطبعت العلاقات حالة من الفتور، حتى زار الرياض ويبدو أن الأمور قد تغيرت أيضاً.
في هذا السياق، يقول نعمان أبوعيسى القيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الرئيس بايدن قد غير سياسته من ناحية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والآن يحاول بناء علاقة قوية بين الطرفين، مضيفاً أن الحرب الروسية على أوكرانيا غيرت كثيراً من التوازن بين الدول الكبرى في العالم وخاصة في الشرق الأوسط.
وأضاف أنه “من أهم التغيرات الإيجابية هي اهتمام أمريكا المتجدد بالعالم العربي، ولهذه التغيرات عددٌ من الأسباب أبرزها الموقع الجغرافي المتوسط الذي أصبح أكثر فاعلية وأهمية بسبب تواصل الشعوب في كل العالم وقطع المسافات عبره، في وقت تريد أمريكا تفعيل طريق البهارات القديم من الهند عبر الشرق الأوسط وإلى الغرب لمنافسة طريق الحرير.
وقال “أبوعيسى” إن السبب الثاني هو اعتماد الغرب أكثر على النفط والغاز الطبيعي في الدول العربية بعد قطع أنابيب الطاقة من روسيا إلى الغرب، والسبب الثالث هو نجاح الدول المنتجة للطاقة في الحصول على أسعار قياسية تسمح لها بالاستثمار بشكل أكبر ونمو اقتصادي كبير، فأمريكا تريد أن تشارك في العالم العربي الجديد وستحاول إشراك إسرائيل اقتصادياً مع العالم العربي رغم العقبات الكبيرة أمام هذه الدعوة.
اتفاق التطبيع مع إسرائيل
ويبدو أن لإسرائيل دوراً أو بعداً في إعادة صياغة ملامح العلاقات بين الرياض وواشنطن، في ظل مساع حثيثة من الأخيرة على إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين، وقد كشف الأمير محمد بن سلمان، في مقابلته مع “فوكس نيوز” أيضاً، أن المملكة تقترب من التطبيع مع تل أبيب، لكنه قال إن بلاده تبحث عن نتائج جيدة ترفع معاناة الفلسطينيين، نافياً ما أثير خلال الأيام الماضية من حديث حول تعليق المفاوضات الخاصة بالعلاقات مع إسرائيل.
في هذا السياق، يقول الدكتور عاطف عبدالجواد الإعلامي والمحلل السياسي الأمريكي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه لا يمكن القول تحت أي ظرف من الظروف إن المملكة العربية السعودية ند للولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الحقيقة تتضح بجلاء عند مقارنة القوة الاقتصادية والعسكرية للبلدين، فالاقتصاد الأمريكي أكبر 20 مرة من حجم الاقتصاد السعودي.
وأضاف “عبدالجواد” أنه من حيث القوة العسكرية فإن الولايات المتحدة تتمتع بأن لديها 11 حاملة طائرات بينما لا تملك السعودية أية حاملات طائرات، بل إن الصين المنافس الأكبر لواشنطن لديها 3 حاملات طائرات فقط، ولكن “الرياض” بدأت تدرك بعض الثغرات ومواطن الضعف في الوضع الأمريكي، وبدأت بذكاء تعيد صياغة سياستها مستغلة تلك الثغرات.
وأوضح الإعلامي والمحلل السياسي الأمريكي أن من بين هذه الثغرات رغبة واشنطن في التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، والأولى بدورها تستخدم تلك الرغبة في إملاء شروطها على الإدارة الأمريكية، قائلاً إن من بين هذه الشروط حلاً عادلاً للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يقوم على حل الدولتين، وهو الأمر الذي تؤيده وتدعو إليه الحكومة الأمريكية.
والشرط السعودي الثاني هو حصول المملكة على مساعدة لبناء مفاعل نووي للأغراض السلمية، والشرط الثالث أن تدخل السعودية وأمريكا في معاهدة أمنية تتمتع فيها الرياض بالحماية الأمريكية التي تتمتع بها اليابان وكوربا الجنوبية من قبل أمريكا لدول من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قالت يوم الثلاثاء الماضي إن إدارة بايدن تدرس صياغة اتفاق أمني مع الرياض على غرار معاهدات الدفاع مع طوكيو وسيئول، وهو الاتفاق الذي إن تم بموجبه ستكون واشنطن ملزمة بتقديم الدعم العسكري حال تعرض الأراضي السعودية لأي اعتداء، فيما ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية أن ولي العهد السعودي يعتبر أن هذا الاتفاق هو العنصر الأكثر أهمية في أي مفاوضات تتعلق باتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
النفط وروسيا والصين
ويقول كثير من المراقبين أن الظرف الدولي وما تبع الحرب الروسية – الأوكرانية قد خدم السياسات السعودية ومنحها قدراً كبيراً من المناورة لا سيما في إطار علاقتها مع إدارة بايدن، وإمكانية اتجاه الرياض نحو روسيا والصين غريمتي أمريكا، فضلاً عن الاحتياجات الكبيرة للدول الغربية إلى النفط السعودي لا سيما بعد القيود التي فرضتها موسكو على إمدادات الطاقة إلى تلك الدول.
يقول الإعلامي الأمريكي الدكتور عاطف عبدالجود مرة أخرى، في حديثه لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه رغم أن السعودية تدرك أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم وليس أكبر مصدر، فإن الرياض تدرك أيضاً أن التحكم في أسعار النفط عن طريق تخفيض الإنتاج يضغط على واشنطن وحلفائها بزيادة السعر العالمي للوقود الأحفوري، هذا إلى جانب أن السعودية ترغب في صفقات أسلحة أمريكية وتعاون عسكري أوسع، لأن المملكة تدرك التفوق النوعي للسلاح الأمريكي الذي تعتمد عليه منذ الثمانينيات.
وذكر أن من بين الثغرات الأمريكية التي تستخدمها الرياض المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين والتي توظفها المملكة في مسألة التلويح بالبديل الصيني، وهي تقترب من بكين في التعامل بعدة مجالات مالية وتجارية، مضيفاً أن السعودية تستغل كذلك مبدئاً بارزاً في العلاقات الدولية يدعو إلى التعاون مع الدول رغم وجود خلافات كلما أمكن في بعض المجالات حتى مع بقاء الخلافات في أخرى، وهذا الأمر تطبقه واشنطن نفسها، فهي على استعداد للتعاون مع السعودية رغم سجل الأخيرة في مجال حقوق الإنسان.
وجهة النظر السعودية
من جهته، يقول سلمان الأنصاري الباحث السعودي في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الولايات المتحدة دولة صديقة، ولديها ميزة جيدة أن لديها مرونة كافية لتصحيح أخطائها، فالرياض خلال السنوات الماضية وضعت واشنطن أمام اختبار حقيقي لكي تعدل مسارها وتعيد تقييم علاقاتها الاستراتيجية، والرياض نجحت في تعزيز مفهوم السيادة الاستراتيجية العربية، حسب تعبيره.
وحول ما قصده بمسألة وضع واشنطن أمام اختبار حقيقي، يقول الباحث السعودي إن التحركات السعودية مع القوى العظمى أوضحت أن الرياض ليست مرهونة بالتعامل الحصري مع أي جهة أياً كانت، بل إن المصالح السعودية هي البوصلة والاتجاه، كما أن المملكة هي الركن الأساسي لاستقرار الاقتصاد العالمي والأمن الإقليمي.
انتقادات ديمقراطية للسعودية
لكن رغم التقارب الكبير من قبل إدارة بايدن – المنحدر من الحزب الديمقراطي – تجاه المملكة لا سيما في ظل حاجته إلى إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، إلا أن هناك انتقادات في الأوساط الديمقراطية ذاتها للثمن الذي يمكن أن تقدمه واشنطن للرياض مقابل هذا الاتفاق بحسب السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي الذي يرى أنه من الجيد إبرام مثل هذا الاتفاق في الشرق الأوسط لكن أبدى عدم ارتياحه تجاه ما سيحصل عليه السعوديون.
وتحدث عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، خلال مقابلة حديثة مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن قائمة انتهاكات لحقوق الإنسان والتي ارتبطت بالسعودية وتحديداً مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ومقتل مئات المهاجرين اليمنيين خلال عبورهم الحدود مع المملكة، كما أنه تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان تم شن الحرب على اليمن، والتي لا تزال واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.
ويربط كثير من المراقبين الاتفاق الأمني بين السعودية وأمريكا بالمخاوف المتواصلة من قبل المملكة تجاه إيران وكذلك التنظيمات الموالية للأخيرة في المنطقة لا سيما جماعة الحوثيين “أنصار الله” في اليمن، وذلك رغم اتفاق تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران والذي أبرم برعاية صينية، الأمر الذي قد وصف كذلك بأنه عبر عن توجهات سعودية للتقارب مع بكين والابتعاد عن واشنطن، لكن ولي العهد السعودي قال في مقابلته مع “فوكس نيوز” إن الإيرانيين هم من اختاروا الصين لتلعب دور الوسيط.