لا تزال مسألة التقريب بين حكومة دمشق وتركيا واحدة من أبرز الملفات التي تعمل عليها إيران إلى جانب روسيا، وهو ما يؤكده تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قبل أيام يقول فيه إن طهران تحاول تهيئة الظروف لحل المشكلات القائمة بين دمشق وأنقرة، معرباً عن أمل بلاده في أن تثمر تلك الجهود عن تحسين العلاقات بين الدولتين.
وقد فرض تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية تساؤلات عدة حول ما يمكن أن تقوم به طهران من أجل إعادة العلاقات بين بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكذلك المكاسب التي ستعود عليها من ذلك التقارب، لا سيما أن التصريح يأتي في وقت تكثف الولايات المتحدة الأمريكية حشد قوات لها على الحدود بين العراق وسوريا ما قد يعني قطع شريان رئيسي مساعد للتدخلات الإيرانية الممتدة إلى بغداد وبيروت عبر سوريا.
أبعاد اقتصادية وسياسية
يقول كميل البوشوكة وهو ناشط ومحلل سياسي من الأحواز في إيران إنه في البداية يجب أن نضع في الاعتبار أن إيران حتى لو كانت حليفاً قوياً لدمشق، فإنها لا تريد أن تكون هناك دولة سورية قوية، موضحًا، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنها تريد أن ينتصر بشار الأسد على الفصائل المعارضة له، لكن نصراً بطيئاً يجعل سوريا دولة ضعيفة خاضعة للقرار الإيراني بل وتتحول إلى دولة ميليشيات موالية للإيرانيين.
وأضاف “البوشوكة” أن إيران تريد التقارب بين أردوغان وبشار من أجل مصالحها ليس أكثر، فتركيا تسيطر على مناطق الشمال السوري القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وإيران تريد أن يكون هناك تقاسم للسيطرة على الأراضي السورية بالتنسيق مع أنقرة، ولكن ليس في إطار حرب كما حدث في السنوات السابقة وإنما في إطار من الهدوء وكما ذكرت التنسيق المشترك.
ويشير المحلل السياسي الأحوازي إلى نقطة أخرى وهي أن إيران تقرأ التطورات في الإقليم وفي سوريا خلال الفترة الأخيرة، وترى أن الحرب ساهمت في سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية داخل سوريا، وطهران لن تستطيع تقديم الدعم الاقتصادي لبشار الأسد لأنها تعاني كذلك، وترى أيضاً أن الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة حكومة دمشق والحرب تدفعان الأخيرة للتقارب مع الدول العربية، على أمل الحصول على مساعدات.
وأضاف أنه بالتالي تخشىى إيران من التقارب بين بشار الأسد وبعض الدول العربية، لأنه على سبيل المثال السعودية حين تفكر في ضخ أموال للاستثمار داخل مناطق سيطرة حكومة دمشق قد تقرن الاستثمارات بضرورة تقليص النفوذ الإيراني أو إخراج الميليشيات الإيرانية، وهذا يشكل خصماً لنفوذ طهران، وربما تخشى الأخيرة كذلك استجابة بشار في ظل حاجته للدعم الاقتصادي، ونحن نرى الاحتجاجات التي خرجت في جنوب غرب البلاد ضده نتيجة سوء الأوضاع المعيشية.
وفي ختام تصريحاته، يقول “البوشوكة” إن مصلحة إيران حالياً خلق الهدوء في سوريا وتطبيع العلاقات بينها وبين تركيا على نحو لا يجعل بشار الأسد يتجه أكثر للدول العربية وقد يساهم ذلك في تحقيق مكاسب اقتصادية أو مخرج اقتصادي له، إلى جانب تنسيق مناطق السيطرة والنفوذ بين أنقرة وطهران.
تكتيكات جديدة
وقد شهدت الأيام الماضية زيارة هي الأولى لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى إيران والتي تأتي بعد زيارته الأولى كذلك لروسيا، ومعروف حجم التنسيق بين طهران وموسكو وأنقرة بشأن الأوضاع في سوريا، وثمة ملامح لصفقة يتم التفاوض حولها بشأن سوريا في ظل ما يرشح عن تلك اللقاءات من تسريبات.
وترتبط اللقاءات التركية الإيرانية بتكتيكات جديدة للعلاقات في منطقة الشرق الأوسط، فإيران التي كانت في قطيعة دبلوماسية مع السعودية عدوة بشار الأسد أبرمت اتفاقاً لتطبيع العلاقات وفتح السفارات مع الرياض، والأخيرة دعمت بقوة عودة حكومة دمشق إلى جامعة الدول العربية، كما أنها في طور فتح صفحة جديدة من العلاقات مع أنقرة التي بدورها تحرص على تقوية تلك العلاقات لإنعاش اقتصادها المتعثر على أمل الاستفادة من الاستثمارات الخليجية.
في هذا السياق، يقول هاني سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات إن ايران تخطط للانتقال من مرحلة تصفير مشاكلها وإدارة علاقاتها الخارجية إلى لعب دور إقليمي ودولي خلال الفترة الأخيرة، كنوع من الاستغلال للظرف الإقليمي والدولي والتغيرات في شكل العلاقات والتحالفات المرتبطة بالصين وروسيا.
وأضاف، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن الدور الإيراني قد يكون أيضًا يعمل على استغلال إدارة الملف السوري والذي بدأ يشهد نوعًا من الحراك في ظل عودة حكومة دمشق للجامعة العربية بالتوازي مع فتح مسار مباحثات بين بشار وتركيا بهدف التوافق حول عدد من المحددات وإدارة العلاقات وفتح صفحة جديدة.
ويشير “سليمان” إلى أن هناك مساحات اتصال مع الجانب التركي تنطلق منها إيران كمسألة الكرد أو بعض العلاقات الاقتصادية، كما تحاول طهران تطويع الحراك الذي حدث في الملف السوري إلى مزيد من الانفتاح لا سيما في ظل استعادة تركيا نوعًا ما علاقاتها مع الرياض وبعض الدول العربية وأن المنطقة يبدو كما لو أنها بصدد صفحة جديدة أبرز ملامحها كان اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران.
وقال الخبير في الشأن الإيراني إن طهران تحاول في الوقت الحالي استغلال أنها طرف في الأزمة السورية لأن تلعب دورًا إقليميًا متمثلًا في الوساطة بين أنقرة وحكومة دمشق، وهي في ذلك تسعى لكسب تأييد واضح خلفها في مواجهة الولايات المتحدة، والتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين بشار الأسد وأردواغان من شأنه أن ينشيء نوع من الاستقرار يمنح طهران كثيرًا من المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية.
ويتفق المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي مع ما ذكره هاني سليمان في بعض النقاط، إذ يقول إن إيران تعتقد أنه يمكنها التنسيق مع تركيا وروسيا، بحيث يكون النفوذ في سوريا خالصًا للثلاثة على حساب النفوذ الأمريكي، مضيفًا، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن طهران وأنقرة قد تتفقان خلف دعم بشار الأسد مقابل الضغط على الكرد في شمال شرق سوريا العدو المشترك لتركيا وإيران.
وقال إنه ليس من المستبعد أن نرى تحالفًا إيرانيًا تركيًا مع حكومة دمشق خلف ما يطلق عليه العشائر العربية للتحرك ضد الكرد العدو المشترك للأتراك والإيرانيين، وقد يتم الترويج لهذه المسألة مقابل بعض المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يحصل عليها بشار الأسد من اتركيا تساعده على تجاوز أزمة الاحتجاجات التي تشهدها مناطق سيطرته خلال الأسابيع الماضية، علمًا أن تركيا وإيران تتفقان على أن سوريا يجب أن تبقى دولة ضعيفة للأبد بل وتريدان ذلك لكل الدول العربية.
وأعرب “العبيدي” عن اعتقاده بأن أمريكا لن تقف صامتة إزاء تلك التحركات، لا سيما المحاولات الواضحة للقضاء على نفوذها في سوريا، وهي أمر أيضًا تتلاعب به أنقرة مع موسكو وطهران في ظل العداء بين الأخيرتين وواشنطن، لكن الأمريكيين لا بد أنه سيكون لهم تحركات خلال الفترة المقبلة الهدف منها خنق تحركات إيران وعلاقتها بالميليشيات التي تخدم أجندتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الحشد العسكري الأمريكي
على الصعيد العراقي، ذكر جبار عودة القيادي في الإطار التنسيقي بالعراق أن القوات الأمريكية تعزز مواقعها بشكل مفاجيء منذ أسبوعين في 6 مناطق سورية تبعد عن حدود العراق مسافة تتراوح بين 20 إلى 50 كلم، معتبرًا أن الأمر مثير للريبة وكثير من علامات الاستفهام.
أيضًا، صرح عبدالله الجغيفي القيادي في تحالف الأنبار الموحد بالعراق أن قوات أمريكية تحركت من مواقع ارتكازها في منفذ التنف القريب من قضاء الرطبة غرب محافظة الأنبار باتجاه مناطق قريبة من منفذ القائم الحدودي مع سوريا، مؤكدًا أنه من غير معروف المهام والدواعي التي دفعت تلك القوات إلى التحرك.
في هذا السياق، يقول الدكتور مهدي عفيفي القيادي العربي بالحزب الديمقراطي الأمريكي إن الولايات المتحدة الأمريكية غير راضية عن أية محاولات لدمج نظام بشار الأسد، وهذا الموقف ينطبق على مسألة التقريب بين حكومة دمشق والدول العربية، وكذلك العلاقات بين بشار وتركيا.
وأوضح “عفيفي”، في تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية السورية، أن الحشد الذي تقوم به الولايات المتحدة على الحدود العراقية – السورية يهدف بالأساس إلى منع أية تحركات لإيران وحماية المصالح الأمريكية في شمال شرق سوريا، وفي نفس الوقت وقف أية محاولات للتعدي على الكرد في هذه المنطقة، في إشارة منه إلى أن الحشد العسكري الأمريكي له علاقة بالتحركات الإيرانية.
وكانت إيران جزءً من مسار أستانة الذي انطلق عام 2017 بتنسيق روسي إيراني تركي يهدف إلى التوصل إلى تسوية للأزمة السورية تخدم مصالحهم، لكن نتائج تلك اللقاءات لم تسفر عن أي شيء ملموس على الأرض، ثم اقترن بمسار أستانة خلال الأشهر الماضية مسار آخر يناقش تطبيع العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق.