دير الزور، مدينة سورية مُنقسمة بين شرق الفرات وغربها، وقد كانت على صفيح ساخن طيلة أسبوع، بعد ضخ إعلامي هائل، شاركت فيه سلطة دمشق وحلفائها في إيران وروسيا من جهة، والمعارضة السورية وحليفها التركي من جهة ثانية، بغية ضرب الاستقرار في مناطق قوات سوريا الديمقراطية.
لكن الجلي، بأن كل جهود هؤلاء، بدأت تذهب أدراج الريح، مع إدراك أهالي دير الزور بأن ما خُطط لمدينتهم، لا علاقة له مع أي مطالب مُحقة، تجد قوات سوريا الديمقراطية، نفسها ملزمة أخلاقياً بالاستماع والاستجابة لها، وهو بالضبط ما حصل، عندما توجهت لاعتقال القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري، المدعو أحمد الخبيل أبو خولة، رغم إدراكها حساسية ذلك، نتيجة شبكة العلاقات المنفعية التي نسجها ذلك الشخص، خلال ست سنوات من عمر تواجده على رأس القوة العسكرية المكلفة بحماية المنطقة.
حيث جعل أبو خولة من الإطاحة به، أمراً بالغ التعقيد، مهما بلغت تجاوزاته وانتهاكاته وشكاوى العشائر العربية ضده، قبل أن تفاجئه “قسد” بنسف مخططاته، التي بدأت تظهر للعلن وتتكشف عنها المعلومات تباعاً.
5 قرى من أصل 120
بالصدد، قال فرهاد الشامي، مديري المركز الإعلامي لـ قوات سوريا الديمقراطية، خلال لقاء متلفز على شاشة قناة العربية الحدث، الأحد، تابعته منصة تارجيت، إن “دير الزور تتشكل من 120 قرية واقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والمشاكل التي حدثت، محصورة في خمس قرى، مجاورة للضفة الغربية من نهر الفرات، حيث حاول مسلحون تابعون للنظام تأجيج الفتنة فيها، وقد ظهرت مشاهد مصورة لهم، تكشف كيف كانوا يتسللون إلى تلك القرى الخمسة”.
وتابع: “هناك ثلاث عشائر عربية كبيرة في منطقة دير الزور، هي عشيرة البكارة والشعيطات والعكيدات، وعشائر البكارة والشعيطات خارج هذا الصراع، فيم أعداد الخارجين عن القانون قليلة جداً، إذ لم نحاول استخدام الحزم معهم، باعتبار أنهم كانوا يحاولون جرّ قوات سوريا الديمقراطية، إلى الاشتباك في المناطق الآهلة بالمدنيين، خاصة في البصيرة وذيبان وباقي المناطق، رغم أن معارك قوات سوريا الديمقراطية شاهدة على حزمها وقدرتها على حسم أي معركة بأقل الخسائر، وسجن الصناعة كان دليلاً على ذلك، عندما تم القضاء على تمرد أكثر من 5000 داعشي العام الماضي”.
“لذا، تلك المجموعات الصغيرة التي قدمت من مناطق النظام، حاولت جرّ الاشتباكات إلى مناطق المدنيين، وهو ما يؤخر عمليات التمشيط في تلك القرى الصغيرة”، شدد الشامي، وتابع: “تمكننا صباح اليوم، من تمشيط قرية البصيرة والشحيل، وحالياً بقيت قرية واحدة يتمركز فيها المسلحون هي قرية الذيبان، وأعتقد أن المسألة تتجه نحو الحسم، وهو قرار قوات سوريا الديمقراطية بشكل ثابت”.
موقف التحالف الدولي
وبخصوص إن كانت قد حظيت قوات سوريا الديمقراطية، بدعم من خارج الحدود السورية، تحديداً من قوات التحالف الدولي، أوضح الشامي: “قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية، شركاء في الحرب ضد داعش، وهم يؤكدون بشكل مستمر على ألا يؤثر أي حدث على تلك العملية، باعتبار أنه لا يمكن التقليل من خطر داعش على المنطقة والعالم، فشمال شرق سوريا، هي التي قضت على داعش وأنهت خطرها التكفيري على العالم”.
منوهاً: “لذا فإن قوات التحالف الدولي مطلعة بشكل يومي على العمليات التي تجري، والبيان الأخير للتحالف وكذلك السفارة الأمريكية في دمشق، يؤكد دور العناصر الخبيثة، حيث لدينا وقائع وفيديوهات غير التي نشرت على الإعلام، تثبت كيف أن بعض العناصر التي تم عزلها من مجلس دير الزور العسكري بقيادة أبو خولة، كانوا يتواصلون مع النظام (السوري) لإحداث هذه الفتنة”.
وحيال سعي النظام والمُعارضة السورية، لتصوير العملية الأمنية لـ قسد، على أنها مُواجهة بين العرب والكُرد، لفت الشامي إلى أن “المقاتلين العرب أساس قوات سوريا الديمقراطية”، مُشيراً: “لا ننكر مسألة تورط داعش في الأحداث الأخيرة، فداعش نفذت منذ بداية العام ولحد هذه اللحظة، أكثر من 60 هجوماً ضد قوات سوريا الديمقراطية، والمجلس المدني في دير الزور، لكنها اختفت في هذه الفترة، وهذا محل سؤال، لنوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى العناصر الدخيلة من قبل النظام السوري، التي توغلت، وهناك مشاهد ووثائق على ذلك، وقد دمرنا زورقين لهؤلاء على ضفة نهر الفرات، عندما كانوا يدخلون الأسلحة إلى هذه المناطق”.
وأكمل: “إضافة إلى بعض المستفيدين من تجارة المُخدرات، التابعين لأبو خولة، الذي عُزل من قبل قوات سوريا الديمقراطية، لارتكابه جرائم، وذلك بعد جمع الأدلة والإثباتات، وتقديمها إلى النيابة العامة في شمال وشرق سوريا”.
النواقص في دير الزور
ولم ينكر مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، وجود نواقص في دير الزور، قد تجعل الأهالي يشتكون من قلة الخدمات، لكنه أرجعها إلى تهديد داعش للموظفين المحليين، وعدم استتباب الأمن في المنطقة، بظل القيادة السابقة لـ أبو خولة، فقال الشامي: “هناك بعض النواقص في منطقه دير الزور، تتعلق بشكل مباشر بالوضع الأمني، فـ داعش يقوم باستهداف المؤسسات الخدمية، واستهداف الموظفين المدنيين الذين يقدمون الخدمات، ويهددونهم بضرورة ترك وظائفهم، إضافة إلى تورط عناصر ابو خولة في مسألة الاعتداء على المدنيين، بما كان يسيء إلى قوات سوريا الديمقراطية”.
واستطرد: “نحن نتفهم هذه النواقص الخدمية التي تحدث في دير الزور، وهذه العملية الأمنية، هي اساساَ بهدف ضبط الأمن والاستقرار، ومساعدة الناس على بدء حياة أفضل، وهو ما نركز عليه، كون مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، معروفة على المستوى السوري والإقليمي، بضبط الأمن، والحالة المعيشية الأفضل، وبوحدة القرار والاستقرار فيها”.
مُختتماً بالقول: “لذا فإن دير الزور بحاجة إلى المزيد من الدعم، ليس المحلي فقط، بل أيضاً الدعم الدولي، وهنا نوجه نقداً إلى المؤسسات الدولية، خاصة الإغاثية، لتقاعسها وتجاهلها هذه المنطقة التي عانت لسنوات من ظلم تنظيم داعش”.
لتكون أحداث القرى الخمسة في دير الزور، مفصلاً تاريخياً جديداً في حياة دير الزور والمناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية، وللسلطة في دمشق والمعارضة السورية على حدٍ سواء، بأن إمكانية خلق فتنة عرقية على أساس الفكر الشوفيني المستند للمدرسة البعثية، أضحت من الماضي، إذ لا يمكن لمن عاش تجربة التعايش والسلام، أن يعود لعقلية النفي والإنكار والقتل، خاصة أن نتيجة كلتا الحالتين واضحة للعيان، وقد أخذت شعوب المنطقة كفايتها من الدروس والعبر الدموية.