من غير الجلي بعد، المستقبل الذي ينتظر محافظة إدلب السورية الخاضعة حالياً لتنظيم مُصنف على لوائح الإرهاب العالمية، وهي “جبهة النصرة” التي عدلت اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”.
فمختلف أطراف الصراع في سوريا، يرنون إلى السيطرة النهائية على المحافظة، حيث يرغب الروس ومن خلفهم حكومة دمشق بالسيطرة عليها، فيما تسعى أنقرة عبر المجاميع المسلحة التابعة لها، لإبقاء الحال على ما هو عليه فيها، كونها بذلك منطقة نفوذ لها، يمكنها أن تغير فيها شكل الإدارة لاحقا، إن استتبت لها السيطرة برضى موسكو ودمشق.
لكن لاعباً آخر في سوريا، لم يقل كلمته بعد، ربما يخطط لشيء ما، يقلب الطاولة على الجميع في المحافظة، ويتمثل في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، الذي لا يبعد عن إدلب كثيراً، فيتواجد في مختلف مناطق “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
أهم القضايا
يقوم المسؤولون في التحالف والدول المُشكلة له، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، بزيارات دورية إلى مناطق “الإدارة الذاتية”، ويعقدون هناك اجتماعات مع مختلف القوى السورية، سواء السياسية منها أو العسكرية، من ضمنها قوى شكلها أبناء محافظة إدلب، أحدها قوات الشمال الديمقراطي، التي ينحدر أغلب مُقاتليها من مُحافظة إدلب، وكان لتنظيم “جبهة النصرة” دور رئيس في تهجيرهم من أرضهم، خلال السنوات الأولى للحرب السورية.
بالصدد، التقى خلال الأسبوع الماضي، وزير الدفاع الأميركي السابق كريستوفر ميلر، مع قائد قوات الشمال الديمقراطي أبو عمر الادلبي، الذي قال في منشور على صفحته بمنصة “فيسبوك”، إنه ناقش الكثير مـن القضايا والتطورات التي تخص الشأن السوري والمنطقة بشكل عام، ومن ضمنها “إدلـب التي ترزح تحت وطأة التطرف والإرهاب”، ذاكراً إنها نالت مسـاحة واسعة، حيث أكد الادلبي للسيد “ميللر” ضرورة “العمل لتحريرهـا”.
وفي سياق ذلك، تحدث أبو عمر الادلبي لـ “منصة تارجيت” حول مضامين اللقاء، وما استشفه من المسؤول الأمريكي السابق، فقال: “دائماً سوريا وقضاياها محاور نقاش ومتابعة لأي اجتماع أو لقاء يجري بيني وبين المسؤولين الذين يزورون مناطق شمال وشرق سوريا، لذلك تكون الأحداث والتطورات الراهنة هي المحور الأساسي للنقاش والمباحثات التي تجري حولها هذه اللقاءات”.
مُردفاً: “طبعاً زيارة السيد “كريستوفر ميللر”، وكونه وزير دفاع سابق، من البديهي أن تكون الحرب على الإرهاب في المنطقة وسوريا، والشراكة بين التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، والأزمة السورية وتداعياتها، من أبعاد سياسية وعسكرية في الشرق الأوسط والعالم، محاور لقائنا معه، والولايات المتحدة لها الدور الأكبر في القضايا العالمية، وبالنسبة لسوريا، فهي ذات الثقل السياسي والعسكري الأهم والأكبر تأثيراً”.
كاشفاً: “الأولوية لدينا، أن يكون الحديث عن دعم قوات سوريا الديمقراطية، من طرف الولايات المتحدة التي تشكل المحور الرئيسي والأساسي للتحالف الدولي للحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، وكذلك دعم مناطق شمال وشرق سوريا، على صعيد المجتمعات الناشئة فيها، التي تتعافى من التطرف والإرهاب، وتقوم بتطبيق الديمقراطية، ونشر ثقافة الوعي لمواجهة التطرف والجهل الذي عمل تنظيم داعش الإرهابي على تكريسه، قبل أن تقوم قواتنا، قوات سوريا الديمقراطية بالقضاء على ذلك التنظيم الظلامي والمتطرف”.
إمكانية التوجه لإدلب
وبخصوص رأي السيد ميللر، بالوضع في إدلب ومناطق غرب الفرات، الخاضعة لمجموعة من الفصائل المسلحة الدائرة في الفلك التركي، تحت مسميات عدة، ذكر قائد قوات الشمال الديمقراطي لـ تارجيت: “إدلب مُحتلة من تنظيم القاعدة العالمي، والذي تمثله جبهة النصرة الإرهابية (هيئة تحرير الشام)، وبقية التنظيمات العابرة للحدود، التي تدعمها وتحميها دولة الاحتلال التركي، عبر أجهزة استخباراتها واحتلالها العسكري لمناطق شمال وغرب سوريا”.
مُضيفاً: “لذلك كان حديثي مُطولاً عنها، وعن مُعاناة شعبنا تحت هيمنة جبهة النصرة الإرهابية، والاحتلال التركي وعملائه، فإدلب بلدي ومسقط رأسي والأغلى على قلبي وروحي، وتحريرها والعودة إليها، هدفنا جميعنا نحن أبناؤها المتواجدون حالياً في شمال وشرق سوريا، إنه ليس حلماً أو أمنيات، بل مشروع نعمل له جميعاً ونجهز له، عبر اكتساب المزيد من المهارات والخبرات، واكتساب القدرات والتدريبات الجديدة، ورفع السوية والجاهزية، على كافة الأصعدة العسكرية والمدنية والتنظيمية”.
مُتابعاً: “طبعاً التطورات في المشهد السوري، ستخلق واقعاً مُغايراً وتفرز مُعطيات جديدة، ولا بد من أن تتهيأ الظروف المناسبة لتحريرها والعودة إليها، في قادم الأيام، لذلك لا ندخر جهداً أبداً، والهدف الأسمى والأغلى لدينا نحن أبناء إدلب، هو تحريرها وإعادة بنائها ونشر الديمقراطية فيها”.
الاسترشاد بخبرة المسؤولين السابقين
وحيال تطابق وجهات النظر حول أهمية الشراكة بين قـوات سـوريا الـديمقراطية والـتحـالف الـدولي، وإن كان ذلك يعكس موقفاً أمريكياً رسمياً أم شعبياً فقط، كون السيد ميللر لا يتمتع حالياً بمنصب فعلي، لفت أبو عمر الادلبي لـ تارجيت الى أن: “دعم قوات سوريا الديمقراطية، أصبح ضمن توجه وأولويات المجتمع الدولي والتحالف الدولي، منذ أن استطاعت قواتنا تجنيب وحماية العالم، من كارثة مُحققة، لو لم يتم القضاء على عاصمة تنظيم داعش، وتدمير دولته الظلامية الإرهابية”.
ونوّه: “لذلك، صدرت في الآونة الأخيرة، العديد من التصريحات والبيانات، في الكثير من المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت على الصعيد الدولي والإقليمي، أكدت على أهمية ودور قواتنا، من خلال شراكتها مع التحالف الدولي للحرب على الإرهاب”.
واستدرك: “فعلياً قوات سوريا الديمقراطية، وعبر تضحيات وجهود أبطالها من نساء ورجال، أوقفت تمدد تنظيم داعش الإرهابي، ومنعت التطرف والإرهاب الذي كان سينشره في أرجاء العالم، ويكرس الرعب والإجرام داخل المجتمعات الآمنة والمستقرة، هذه حقائق لا ينكرها أحد، رغم الحرب الإعلامية التي تشنها علينا ثلاثي دول محور آستانا، روسيا وإيران وتركيا، ومن خلفهم النظام السوري”.
“بينما في الطرف المقابل، فإن المؤسسات والمنظمات الدولية، وأغلب دول العالم، تدعم وتشارك ضمن التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، والذي تشكل قوات سوريا الديمقراطية إحدى أهم ركائزه، والقوة الفاعلة على الأرض لترسيخ الأمن والسلام، من خلال ملاحقة خلايا ومجموعات داعش الإرهابي، أولاً بأول” قال أبو عمر، مُستكملاً: “لذلك، الدعم لقواتنا ليس أمريكيا فحسب، بل هو عالمي وإقليمي”.
وبالنسبة للسيد “ميللر” وزير الدفاع الأمريكي السابق، أوضح الادلبي بأنه “من المعلوم بأن الولايات المتحدة تجري فيها انتخابات ديمقراطية كل أربعة سنوات، والمسؤولون السابقون قد يعودون إلى مهام ومناصب جديدة، ولأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، هناك عرف مُتبع في دوائر صنع القرار الأمريكي، حيث يتم الاستئناس والاسترشاد بخبرة المسؤولين السابقين، كلاً من موقع خبرته ومسؤولياته، حيث يقوم الوزراء والمسؤولون السابقون، بتقديم مُذكرات وإحاطات وآراء، إلى دوائر صنع القرار، يكون لها دور هام في صناعة وطريقة اتخاذ القرارات”.
مُختتماً: :لذلك نحن نولي اهتماماً لزيارات المسؤولين كافة، ونعمل على إيصال أهداف شعبنا وتطلعاتهم إليهم، عبر الحوارات البناءة التي تجري معهم”.
ولطالما أعاقت القوى الغربية تقدم روسيا وقوات حكومة دمشق، صوب مُحافظة إدلب، وسعت إلى منع حصول هجمات واسعة تؤدي إلى نزوح عام في المحافظة، وهو ما أعاده كثير من المراقبين إلى عدم رغبة القوى الغربية بتوجه موجات جديدة من اللاجئين صوب القارة الأوروبية، لكن قد يكون وراء الأكمة ما وراءها، فمَن يمكنه أن ينفي بأن ذلك قد يكون لرغبة التحالف بالتوجه إليها مستقبلاً.