بعد أن كان مهد الحراك الشعبي ضد حكومة دمشق عام ألفين وأحد عشر، يعود الجنوب السوري مجدداً ليتصدر واجهة الأحداث في سوريا، مع انطلاق احتجاجات شعبية عارمة في كل من درعا والسويداء وريفهما للمطالبة برحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد وتنديداً بتدهور الأوضاع المعيشية والانفلات الأمني وعجز دمشق عن إيجاد حلول.
شبكة “السويداء 24” أفادت أن المئات تجمعوا لليوم الثالث على التوالي في ساحة “الكرامة” وسط مدينة السويداء حاملين شعارات ومرددين هتافات تطالب برحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالتزامن مع خروج تظاهرات مماثلة في مدينة شهبا بريف المحافظة حيث وصل المتظاهرون إلى مبنى شعبة الحزب في المدينة وطردوا الموظفين، مرددين شعارات تطالب بإسقاط الحكومة.
وأكدت شبكة “السويداء24″، أن أكثر من 35 قرية وبلدة بينها “مجادل وسالة والرحا والقريا وحران” شهدت خروج تظاهرات حاشدة تطالب برحيل الأسد وإسقاط الحكومة، وانضمت إلى الإضراب العام والعصيان المدني الذي تم الدعوة إليه مع انطلاق الاحتجاجات يوم الأحد، في حين شهدت قرية قيصما بالريف الشرقي للمحافظة إضراب عام وإغلاق مبنى البلدية والطرق الرئيسية.
الرئاسة الروحية للدروز تؤيد الاحتجاجات
وتأتي هذه التطورات بعد أن أصدرت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز يوم الإثنين بياناً أكدت فيه دعمها للمتظاهرين وأعربت عن رفضها لسياسات الحكومة تجاه المحافظة وغيرها من المحافظات، والتي دفعت أبناء المحافظة إلى الهجرة إلى الخارج، في حين أرسلت حركة رجال الكرامة وفداً إلى الرئاسة الروحية للطائفة وأعلنت دعمها لمطالب المتظاهرين المحقة ولبيان الرئاسة الروحية، مشيرةً إلى أن حكومة دمشق تتبع سياسة ممنهجة لنشر الفوضى والفساد في الجنوب السوري.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتفض فيها محافظة السويداء ضد حكومة دمشق، لكن اللافت في هذا الحراك هو تحول مطالب المحتجين من تحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية وإطلاق سراح المعتقلين ووقف تجارة المخدرات، إلى مطالب سياسية على رأسها تطبيق الإدارة الذاتية والحكم اللامركزي، ورحيل رئيس النظام وتطبيق القرارات الأممية بشأن سوريا وعلى رأسها القرار 2254، ما يرجح إمكانية استمراراها واتساع نطاقها إلى مناطق جديدة.
حراك وطني وليس فئوي
رئيس فرع السويداء بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان والعضو المؤسس للمبادرة الوطنية بجبل العرب سليمان الكفيري قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن الحراك جاء بعد معاناة طويلة عانى منها الشعب السوري من فقر وجوع وفقدان المواد الأساسية وهدر للكرامة وفقدان للحرية، لذلك جاء هذا الاعتصام نتيجة هذا الاحتقان، وشيء طبيعي أن يرفع المتظاهرون شعارات متنوعة ومختلفة التوجهات منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو وطني بامتياز، مشيراً إلى أن الحراك بالسويداء لا يعني أهل المحافظة فقط بل يعني المواطن في سوريا فهو لا يستند إلى مرجعية طائفية أو فئوية أو حزبية أو دينية وبعيد عن كل هذه الإيديولوجيات وهو حراك عفوي جاء نتيجة الاحتقان ويحمل مطالب محقة”.
ويضيف الكفيري، “أن المتظاهرين يطالبون بالحرية ونبذ الفساد وتوفير المواد الأساسية والأدوية وغيرها، مؤكداً أن الفساد استشرى وطال الجميع واكتوى به من يقال عنهم معارضة ومن يقال عنهم موالاة، معرباً عن ترحيبه بهذا الحراك والوقوف ضد فساد الحكومة بالذات التي قال إنها لا تنظر إلى مصالح الشعب بل إلى الكراسي التي تجلس عليها”.
تحمل أبعاداً سياسية
من جانبه، يقول رئيس حزب سوريا أولاً سلمان شبيب في تصريحات لتارجيت: “إنه رغم أن السبب المباشر لاندلاع هذه الموجة من الاحتجاجات وخاصة في السويداء هو الوضع المعيشي الصعب والمعاناة التي يعيشها الشعب في ظل هذا التردي بالوضع الاقتصادي الذي وصل إلى درجات مخيفة تعبر عنها تقارير المنظمات الدولية والواقع المعاش والأصوات التي ارتفعت عبر وسائل التعبير المختلفة، لكن لا يجب ولا يمكن إغفال البعد السياسي الذي هو أساس مشاكلنا كلها بما فيها الأزمة الاقتصادية والخدماتية الخانقة التي تعصف بالأكثرية الساحقة من الشعب السوري، مشيراً إلى أن “مشكلة سوريا سياسية وأنتجت أزمات متعددة ولا يمكن حل أي واحدة منها إلا من خلال الحل السياسي الذي ماطلت السلطة فيه، وما نشهده حالياً هو نتيجة من نتائج الرهان على الزمن والمتغيرات التي ينتهجها النظام وبالتالي كان من الطبيعي أن يرفع المحتجون شعارات سياسية وهذا يدل على وعيهم وإدراكهم أن الوضع الاقتصادي هو نتيجة نهج سياسي هيمن على البلاد لعشرات السنين، وأن المسار الحالي سيقود البلاد حتماً إلى الفوضى والانهيار ولا بد من وقفه”.
ويضيف شبيب: “إنه مهم جداً شعار اللامركزية الذي رفعه المحتجون وهم بذلك يعبرون عن رأي أكثرية القوى السياسية والمجتمعية التي أعلنت أن الحكم المركزي فشل في إدارة البلاد ولا بد من اعتماد صيغة من صيغ اللامركزية يتم التوافق الوطني عليها”.
درعا تنظم للحراك
وفي محافظة درعا المجاورة، خرج المئات في مظاهرات شعبية حاشدة في كل من درعا البلد وطفس وداعل والصنمين ونوى، للمطالبة برحيل بشار الأسد وللتنديد بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وحالة الانفلات الأمني التي تشهدها مناطق سيطرة حكومة دمشق وخاصة الجنوب السوري الذي أصبح مسرحاً لعمليات الاغتيال وتجارة المخدرات وتهريبها.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أطلقت قوات حكومة دمشق النار على المتظاهرين قرب دوار المخفر في مدينة نوى غربي درعا، أعقب ذلك مواجهات بينها وبين شبان من المدنية، قبل أن تقدم على قصف المدينة بعشرات القذائف المدفعية، وذلك بعد خروج مظاهرات ليلية في كل من جاسم وداعل والصنمين وتسيل والشجرة وسحم الجولان، ردد المتظاهرون خلالها شعارات تطالب بإسقاط الحكومة ورحيل بشار الأسد والإفراج عن المعتقلين.
اتساع نطاق الاحتجاجات
كما امتد الحراك الشعبي إلى الساحل السوري وريف دمشق، حيث وثق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خروج تظاهرة شعبية في مدينة جبلة تنديداً بتدهور الأوضاع المعيشية، بالتزامن مع خروج مظاهرات مماثلة في كل من كناكر ويبرود بريف دمشق، في حين انتشرت منشورات لـ”حركة 10 آب” في مدينة الضمير بريف دمشق الشرقي، تدعو للانتفاضة ضد حكومة دمشق.
وبحسب رئيس حزب سوريا أولاً سلمان شبيب، “فإن احتمالات توسع الاحتجاجات وشمولها مناطق جديدة قائمة بل هذا هو المرجح إذا لم تقدم السلطة على محاورة المحتجين والاستماع إلى مطالبهم والقيام بمعالجة الأوضاع بطريق “الصدمات الإيجابية” سياسياً واقتصادياً لأن العلاج بالمسكنات لم يعد يجدي بعد تطور الأمور، لكن المهم أن يبقى الحراك على وجهه الحضاري وأن يبتعد عن العنف والتخريب وعن أي شعارات فئوية أو طائفية أو مناطقية وأن يحافظ على الخطاب والشعارات الوطنية ولا ينزلق إلى التطرف والفوضى، معرباً عن أمله أن يبقى تعامل السلطة مع الحراك بعيداً عن العنف وأن يكون الحوار هو اللغة الوحيدة المستخدمة بالتعامل، ولافتاً في الوقت نفسه إلى أن سوريا تمر بمرحلة مفصلية ستحدد اتجاه تطورها ومستقبلها وهذا ما يبقي كل الاحتمالات مفتوحة”
وتكتسب هذه المظاهرات الشعبية في الجنوب السوري زخماً كبيراً، من حيث اتساع نطاقها بشكل سريع واشتمالها على إضراب عام وعصيان مدني لاسيما بمحافظة السويداء، إلى جانب المطالبة بتطبيق القرارات الأممية بشأن سوريا للتوصل إلى حل سياسي نهائي للأزمة بعيداً عن الأجندات الخارجية، كما أنها تؤكد مجدداً بحسب محللين فشل مسار التطبيع العربي والإقليمي بإعادة تعويم رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأن الكلمة الفصل تبقى للسوريين الذين يقررون مستقبل بلادهم السياسي.