مُستشار سابق للخارجية الأمريكية: فكرة إغلاق واشنطن للحدود العراقية- السورية غير منطقية

تتناقل منذ مطلع يونيو الماضي، التقارير الإعلامية، انباءً حول تعزيزات عسكرية أمريكية من جهة، وإيرانية من الأخرى، وهي تصل إلى ضفتي نهر الفرات، شرقي سوريا، في محافظة دير الزور، وهو ما فسره مُراقبون باحتمالية وجود عمل عسكري أمريكي، لإغلاق الحدود السورية العراقية، وقطع اليد الإيرانية الممتدة من طهران عبر بغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت.

بالصدد، نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من السلطة في دمشق، في منتصف أغسطس الجاري، بأن القوات الأمريكية الموجودة في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق، تنوي غلق الشريط الحدودي مع سوريا، وأشار وقتها مصدر أمني لوكالة “المعلومة” العراقية، إلى “معلومات مسربة من مصادر أمنية في قاعدة عين الأسد الجوية، كشفت نية القوات الأمريكية إغلاق الشريط الحدودي مع سوريا غربي الأنبار، لدواع غير واضحة، بالتزامن مع وصول تعزيزات حربية للقوات الأمريكية المتمركزة داخل العمق السوري”.

فيما نفى “التحالف الدولي”، في السابع عشر من أغسطس، الأنباء عن استعدادهم لعمليات عسكرية في سوريا، وقال رداً على سؤال حول ما إذا كانت قوات التحالف تستعد لعملية عسكرية ضد الميليشيات الإيرانية شرقي سوريا، إن “التحالف لا يستعد لعمليات عسكرية لعزل أي شخص باستثناء داعش”، مُضيفاً أنه “مازلنا نركز على داعش وعدم الاستقرار الذي يمكن أن يسببه مقاتلوه، إذا استعادوا أو زادوا أعدادهم لخلق تهديد أكبر”.

وهو ما ذهب إليه السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، العميد بالقوات الجوية الأمريكية بات رايدر، بذات التاريخ، عندما قال بان حماية الحدود السورية- العراقية ليس من ضمن مهام القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، مُبيناً إن الوجود الأمريكي في سوريا، يتعلق بمهمة هزيمة تنظيم داعش.

الرهائن الأمريكيون في إيران

وحول جملة المعطيات تلك، عقّب “حازم الغبرا” المستشار السابق في الخارجية الأمريكية، في تصريح خاص لـ منصة تارجيت، وتحديداً حول ما أوردته صحيفة “الوطن” السورية، فقال بأن “إعلام النظام السوري يستحيل تصديقه”، وشدّد: “كذب النظام السوري حتى لو صدق، هذه التصريحات والادعاءات السورية بشأن تحركات كبرى وتغيرات أمنية في المنطقة، هدفها بسيط جداً، وهو إلهاء الشعب السوري عن الوضع الاقتصادي المتأزم يوماً بعد يوم في الداخل السوري ومناطق النظام تحديداً”، وأن أي معلومات حول الجاهزية والتموضع الأمريكي في المنطقة، من الإعلام السوري ليست مبنية على أي نوع من الصحة، وهي تكهنات في أفضل حالة.

وتزامن الحديث عن التعزيزات الأمريكية مع صفقة إفراج طهران عن المواطنين الأميركيين، مقابل أصول إيرانية محتجزة أفرجت عنها واشنطن، لتتضارب التحليلات بين من قال بأن واشنطن حققت أهدافها من الحشد العسكري، عبر إخافة طهران وإرغامها على الإفراج عن 5 من مواطنيها، وآخرين اعتبروا بأن الحشد العسكري الأمريكي لم يقم بمهمته بعد.

وحول ذلك، قال الغبرا: “هناك امتعاض شديد في الشارع الأمريكي من هذه الصفقة، لم يكن هناك يوماً نوع من الاتفاق في واشنطن، حول كيف نُعامل ايران في موضوع الرهائن تحديداً”.

وأكمل: “إيران تخطف مواطنين من دول أخرى وتبادلهم بأموالها، وهذا موضوع خطف جرمي بتعريف القانون، للأسف كان هناك موافقة من إدارة بايدن، لمُبادلة مجموعة من الرهائن بالإفراج عن أموال، بشروط وضعتها الإدارة الأمريكية، لكن هذه الشروط لن تتحقق في نهاية المطاف، إيران ستستعمل هذه الأموال بشكل أو بآخر لدعم أجهزتها، ودعم للإرهاب”.

وأكدّ المستشار السابق للخارجية الأمريكية، على أنه ليس هناك اتفاق بين الطرفين، بالقول: “إيدلوجياً لا يمكن للخطين أن يلتقيا، ولا يمكن أن يكون هناك اتفاق، لأننا نعتبر النظام الايراني راعياً للإرهاب وعلينا إلغائه، وطبعاُ ايران منذ اليوم الأول للثورة الإيرانية، تتحدث عن إلغاء الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن المستحيل الوصول إلى أي اتفاق طويل الأمد مع النظام الايراني بوضعه الحالي”.

مهمة الولايات المتحدة واضحة في سوريا

واستطرد: “موضوع الرهائن منفصل بشكل كامل عن أي تحرك عسكري للولايات المتحدة في المنطقة، لدينا 900 جندي نظامي أمريكي في شمال شرق سوريا على الحدود مع العراق، في منطقة متأزمة تنتشر فيها المليشيات الإيرانية، القوات الروسية، القوات السورية، وطبعاً والأسوأ من ذلك، أن هناك مجموعات تنتمي بشكل أو بآخر لداعش أو الارهاب الديني”.

لافتاً: “بالإضافة إلى 900 جندي، هناك المئات من المُتعاقدين من حملة الجنسية الأمريكية، ومهمة الولايات المتحدة في تلك المنطقة واضحة، وهي التأكد من عدم ظهور الارهاب مُجدداً وعدم خلق بيئة أمنية، اقتصادية واجتماعية مناسبة لعودة الإرهاب في المنطقة، وجزء كبير من ذلك يتم عبر دعم الشريك الكُردي، حيث لدى المنظمات العسكرية والسياسية الكُردية، الآلاف من الموقوفين الذين كانوا ينتمون الى داعش، في مُخيمات”.

مُشيراً: “هناك هدف واضح لتلك القوات الأمريكية، لكن هذه المهمة تحتاج الى قوات وعتاد، وهذا ما رأيناه في المرحلة الماضية، ففي كل فترة، تقوم القوات الأمريكية والقيادات العسكرية بإعادة التفكير بما يلزم القوات العاملة، خصوصاً في مناطق الحرب، من عتاد، إن كان ذخيرة أم طائرات، حيث تُرسل إلى وجهتها المطلوبة، ومنذ فترة طويلة هناك طلب للمزيد من الدعم من الإدارة المركزية لهذه القوات، التي هي قوة صغيرة كعدد أفراد، يعتمدون جداً على التكنولوجيا والطيران للقيام بمهمتهم”.

إغلاق الحدود السورية العراقية

وتابع: “تواجه تلك القوات خلال الأشهر الماضية، أخطاراً على الأرض، كهجمات الهاون، وطبعاً من سنوات، كان هناك هجوم كبير من مرتزقة فاغنر، وهناك المزيد من حركة مواد تأتي عبر العراق، فالحكومة العراقية الآن، أكثر تقبلاً وصداقةً مع إيران، وهناك حركة أسلحة لسوريا، وعبرها لحزب الله ومجموعات أخرى، وهناك ضرورة لمراقبة هذه التحركات بأفضل شكل ممكن، وبالتالي هناك حاجة للمزيد من العتاد خصوصاً في مجال الطيران”.

مُستدركاً: “لكن فكرة أن الولايات المتحدة ستستطيع أو حتى ستجرب إغلاق حدود بحجم الحدود بين العراق وسوريا، غير منطقية، ولا أن تستعمل هذه القوات لتخويف إيران، إذ لدينا أساطيل مُقابل الشواطئ الإيرانية، ولا نحتاج إلى بضع طائرات وبعض الذخيرة في سوريا لتخويف إيران”.

ولفت: “يجب أن نكون واضحين جداً، لا يوجد عمليات أمريكية ضد ايران في سوريا، قوات الولايات المتحدة لديها مهمة، ولا تستطيع الخروج عنها، لأن هذه المهمة محددة من الحكومة الأمريكية ومن الإدارة الأمريكية، وبموافقة الجميع في واشنطن، وهي حماية الشريك الكُردي، ومنع عودة ظهور الإرهاب في منطقة شمال وشرق سوريا، والمناطق التي تُسيطر عليها القوات الأمريكية”.

لكنه أشار، إذا هاجمت مجموعات تابعة لإيران وفصائلها، القوات الأمريكية، فلتك القوات حق الدفاع عن النفس والرد، قائلاً: “هذا ما نراه، أما أن تكون هناك عمليات أمريكية ضد مصالح إيرانية، بدون أن يكون لها اشتباك مع القوات الأمريكية، فهذا لم يحصل ولن يحصل، لأن ذلك خارج مهمة هذه القوات، وكل تحرك امريكي ضد المليشيات الإيرانية في سوريا كان ردة فعل، ودفاع عن النفس”.

ونوّه: “إذا اقتربت القوات الإيرانية من القوات الأمريكية، ومن القوات القواعد الأمريكية، هناك ردة فعل أمريكية فورية، وهذا فقط ما يحدث، ولم يكن هناك يوماً قراراً بمُهاجمة إيران في سوريا”.

المشروع الايراني إرهابي

ووفقاً للمستشار السابق للخارجية الأمريكية، فإن “المشكلة الأمريكية مع ايران، ليست حجم المشروع الإيراني ولا حجم النفوذ الإيراني”، مُشيراً: “لم يكن لدينا يوماً مشكلة بدولة يزيد نفوذها ولديها مشروع، مُشكلتنا في نوع المشروع الذي يدعم الارهاب ويدعم مجموعات مُخلة بالأمن، تستعمل مُسيرات وصواريخ عابرة للدول، كما رأينا مع الحوثي وحزب الله”.

مُستكملاً: “مشكلتنا في المشروع الايراني بأنه مشروع إرهابي، لو كانت إيران تأتي بأدوية، بطعام، بدعم اقتصادي أو تقني مدني، لم يكن ليكون لدينا مُشكلة مع مشروعها، لكن منذ يوم لاندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية، كان مشروعها تخريبي في المنطقة، مشروع يعتمد على السلاح، على إخضاع المدنيين، الاغتيالات، القتل، فالمشكلة إيديولوجية مع إيران، وبالتالي لا يمكن حتى التفكير بأن الولايات المتحدة موافقة على بعض الإرهاب الايراني وليس كله”.

وتأسف الغبرا لأن الناس تعتقد بأن الولايات المتحدة، لها اتفاق نوعاً ما مع ايران، بسبب التوسع الايراني في السنوات الماضية، إن كان في لبنان أو سوريا أو اليمن والعراق، مؤكداً: “هذا لم يكن خيار امريكي، للأسف كان خياراً شعبياً في المنطقة، التي عهدنا شعوبها تُراهن على الحصان الخاطئ، منذ أيام الحكم العثماني وحتى الآن”.

مُوضحاً: “الحكومات تُفضل إيران على الولايات المتحدة، وهنا لا نتحدث عن الحكومات المُتصارعة مع إيران، بل الحكومات في لبنان، سوريا، العراق واليمن، طبعاً بغض النظر عن العامل الديني”، لافتاً: “إيران تقدم دعماً غير مشروط للنظام السوري، حيث يستطيع التنكيل بالشعب وقتل الناس، دون أن يؤثر ذلك على الدعم المادي والعسكري الإيراني، وهذا غير مُمكن مع الولايات المتحدة”.

مُبيناً: “كان هناك عوامل لم تستطع الولايات المتحدة تغييرها، أدت إلى تضخم الوجود الإيراني، وليس دائماً عندما تُحارب السرطان تقضي عليه، هذا ما يحصل هناك، توسّع وانتشار إيراني في المنطقة، وللأسف كلما وجدنا ايران في مكان، نرى المزيد من الدمار والموت والتنكيل والتعذيب”.

وختم بالإشارة إلى أنه “إذا لم يكن هناك قرار واضح بطرد إيران من قبل شعوب المنطقة، من الصعب أن تأتي الولايات المتحدة وحدها وتفرض على ايران، أن تفعل شيئاً لا تريده، خاصة أن ايران لم تحصل على هذه الميزات وهذا الانتشار في المنطقة مجاناً، بل دفعت الكثير من أجله مادياً وجسدياً من جنودها وضباطها”.

وأياً كانت أسباب التحشدات العسكرية الأمريكية، إن في سوريا أو العراق، فإن قطع الخط الواصل من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، بات مصلحة مشتركة لأغلب السوريين والعراقيين واللبنانيين، باستثناء المستفيدين المباشرين من ذلك التدخل، مادياً أو عقائدياً.

فالوجود والتدخل الإيراني، حاله حال التدخل التركي في سوريا، لم يجلب لها إلا الويلات والخراب، وهو ما يُحتم بالضرورة خروجهما (أي طهران وأنقرة)، كشرط أساسي ومؤكد قبل التمكن من إطلاق قطار الحل في سوريا.

وحتى ذلك الحين، ستبقى سوريا على ما هي عليه، في ظل تغذية كل من الطرفين، للمليشيات الطائفية التي تعمل لديه، تحت ذرائع “الثورة” المسروقة، أو “الحرب الكونية” المُدعاة.

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا