معركة الثأر تبدأ مبكرًا.. هل يهزم إمام أوغلو أردوغان مجددًا في إسطنبول؟

يبدو أننا سنكون أمام انتخابات بلدية مثيرة ستشهدها تركيا في عام 2024، وقد بدأت الاستعدادات مبكراً لها، حيث يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لورقته المفضلة بالاعتماد على حزب هدى بار الكردي الموالي له في مواجهة حزب الشعوب الديمقراطي على أمل تفتيت كتلة التصويت الكردية التي تعد أكثر ما يؤرقه خلال السنوات الماضية.

وليت حسبة أردوغان في هذه الانتخابات مرتبطة بكتلة التصويت الكردية، بل إن الرئيس التركي سيخوض حزبه – العدالة والتنمية – هذا السباق الانتخابي ويخشى تكرار سيناريو الهزيمة في إسطنبول وأنقرة، لا سيما أن أكرم إمام أوغلو القيادي بحزب الشعب الجمهوري المعارض يبدو بشكل كبير أنه عازم على خوض السباق نحو رئاسة بلدية إسطنبول مجدداً وهو الذي قد أوجع النظام التركي بفوزه بها المرة السابقة بعد 25 عاماً من هيمنة الإسلاميين عليها.

سباق الانتخابات البلدية

تأتي الانتخابات البلدية المزمع إجرائها في مارس 2024 في أعقاب انتخابات رئاسية مثيرة جرت في مايو الماضي وقد أجبر فيها الرئيس التركي – بعكس تطلعات وتوقعات أنصاره – على الذهاب إلى جولة ثانية بعد اصطدامه بتحالف معارض مدعوم بكتلة التصويت الكردية، صحيح أنه لم يهزم فيها لكنه كان أقرب ما يكون للهزيمة وقد كسب الجولة الثانية بشق الأنفس مستندا بصفة رئيسية على جذب القوميين.

كما تأتي الانتخابات المقبلة وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية هي الأصعب على تركيا على مدار السنوات الماضية، فتقول دراسات مستقلة – بعيداً عن أرقام الدولة – إن معدل التضخم وصل في البلاد إلى 106% خلال يوليو المنصرم، كما تواصل الليرة التركية تراجعها بأرقام قياسية أمام الدولار الأمريكي، ما دفع أردوغان إلى التخلي عن كثير من سياساته المالية لا سيما ما يتعلق بتخفيض سعر الفائدة، والأكثر أهمية عرض كثير من أصول الدولة للبيع خصوصاً للمستثمرين الخليجيين.

كما تأتي هذه الانتخابات والرئيس التركي لديه حنين شديد لاستعادة الفوز بإسطنبول التي صنعت تاريخه والذي هو بنفسه يرى أن من يخسرها يخسر حكم تركيا – وقد كان بالفعل قاب قوسين أو أدنى من الخسارة في مايو – إذ يتوقع أن تكون هناك منافسة شرسة مع أكرم إمام أوغلو الرجل الذي يتمتع بشعبية كبيرة، رغم التضيقات الكثيرة التي تمارسها ضده سلطات النظام التركي لعرقلة خططه، من أجل استعادة إسطنبول.

ويتوقع أن يتحصن أردوغان كذلك في هذه الانتخابات بالقوميين الذين كانوا الورقة الرابحة لديه في مواجهة كتلة التصويت الكردية التي كانت سبباً رئيسياً في ذهابه لجولة الإعادة بانتخابات مايو، كما أنها الكتلة التي كانت سبباً كذلك من قبل في خسارته إسطنبول خلال الانتخابات البلدية الماضية، وبالتالي يتوقع أن يكون الكرد مع موجة جديدة من القمع في إطار الترهيب للصوت الكردي وتقليل تأثيره.

ترشح أكرم إمام أوغلو

ويتجه أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول إلى الترشح مجدداً في الانتخابات البلدية المقبلة – حتى وإن لم يعلن ذلك رسمياً – ليشكل بذلك عقبة رئيسية أمام أردوغان، لا سيما وأنه يتمتع بشعبية كبيرة سواء داخل حزبه الشعب الجمهوري أو بين المكون الكردي وغيرهم من الأصوات، رغم التضييقات الكبيرة التي مارسها النظام التركي ضده لإفشاله في إدارة إسطنبول.

وقد تحدث إمام أوغلو قبل أيام في مؤتمر صحفي عن أهمية بلدية إسطنبول واستخدم جملة مرادفة لما سبق ورددها أردوغان بأن من يفوز بإسطنبول يحكم تركيا، مشيراً إلى أنه سيتم إطلاق حملة ستستمر لأكثر من 7 أشهر من أجل تحقيق هدف الفوز بانتخابات إسطنبول، وهي الانتخابات التي سيتعامل معها الرئيس التركي كمعركة ثأرية لأن خسارة حزبه المرة السابقة تعني خسارة في عقر داره.

في هذا السياق، يقول عمر رأفت الكاتب الصحفي المتخصص في الملف التركي، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن الأمر ربما لن يكون سهلاً على أكرم إمام أوغلو للفوز بمدينة إسطنبول مرة أخرى، لا سيما بعد فوز أردوغان بالانتخابات الأخيرة، وبعد أن وصفت الانتخابات المحلية القادمة بأنها ستكون منافسة مباشرة بينه وبين الرئيس التركي.

وأضاف رأفت أن تلك الانتخابات لها أهمية بالغة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مؤكداً أن أهم مدينة في هذا الاستحقاق الانتخابي ستكون إسطنبول، وبالتالي سيكون لدى إمام أوغلو للفوز بها مهمة صعبة؛ لأن حزب العدالة والتنمية سيخوض معركة شرسة بإشراف مباشر من أردوغان لعدم الخسارة مرة ثانية في إسطنبول.

ويشير عمر رأفت إلى أن هناك إشكالية أخرى تتعلق بقيادة أكرم إمام أوغلو مبادرة لتغيير القيادة في حزب الشعب الجمهوري الذي يقبع على رأسه كمال كليجدار أوغلو الذي خسر الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية والذي لولا الدعم الكردي لما وصل لها، في إشارة منه إلى الجدل بشأن إمكانية حصول إمام أوغلو على دعم حزب الشعب واحتمالية خوضه سباق بلدية إسطنبول مستقلاً.

عودة إلى ورقة هدى بار

وفي إطار استعداده لتلك الانتخابات، يعود أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى الاعتماد على ورقة هدى بار وهو حزب كردي محافظ حليف للرئيس التركي ومتهم في كثير من الأعمال الإرهابية من قبل، لكن الأسابيع الماضية تشهد عملية تمكين واسعة لهذا الحزب لا سيما في المصالح الخدمية بالمناطق الكردية.

يقول مصطفى صلاح الباحث في الشأن التركي، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن أردوغان يستخدم ورقة هدى بار لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول محاولة تفتيت كتلة التصويت الكردية وتشتيت الناخب الكردي لضرب الأصوات الداعمة لحزب الشعوب الديمقراطي والتي لعبت دوراً محورياً خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وربما هذا سيناريو صعب لأن كلتة الأخير قوية لكن أردوغان يريد الاستفادة بأي قدر ممكن من الأصوات الكردية.

وأضاف صلاح أن الأمر الثاني أن الرئيس التركي يريد إظهار تحالفاته الانتخابية على أنها تحالفات عابرة للقوميات، أي أنه يريد أن يظهر صورته بأنه الرجل الذي لديه تحالف انتخابي يضم الصوت الكردي كذلك، وأنه لا مشكلة لديه مع الكرد، رغم أنه في الوقت ذاته يلعب على وتر الخطاب القومي بطريقة بالغة الخطوة خلقت حالة كبيرة من الانقسام والاستقطاب في المجتمع التركي.

ويرى الباحث في الشأن التركي كذلك أن حزب هدى بار أو حزب الله التركي لا يمكن اعتباره حزباً كردياً حتى لوكان قادته وقاعدته من الكرد، لأنه بالأساس يقوم على أفكار تيار الإسلام السياسي المحافظ وليست أفكار تعبر عن الهوية الكردية، وبالتالي المسألة الكردية لا تعني له كثيراً وإنما أولوياته تحالفه مع حزب العدالة والتنمية، ولهذا يفتقد الحزب إلى القاعدة الشعبية المطلوبة بين الكرد في تركيا مقارنة بحزب الشعوب الديمقراطي.

وكان إمام أوغلو قد فاز ببلدية إسطنبول بفضل الدعم الكردي له إلى جانب بعض الأحزاب الأخرى المعارضة، وهو نفسه السبب الذي جعل حزب العدالة والتنمية يخسر العاصمة أنقرة لصالح أيضاً حزب الشعب الجمهوري في ظل التحالف الضمني أحياناً والمعلن أحياناً أخرى بينه وبين حزب الشعوب الديمقراطي، ما يجعل أردوغان يفكر كثيراً في تحجيم دور الأصوات الكردية.

استمرار معاقبة حزب الشعوب الديمقراطي

وفي إطار التضييق ضد حزب الشعوب الديمقراطي واصلت السلطات التركية تعيين رؤساء بلديات والإطاحة برؤساء البلديات المنتخبين من الحزب المناصر لقضايا الأقليات، إذ أنه في أغسطس 2019 – أي بعد حوالي 3 أشهر من نتائج الانتخابات – عينت السلطات 3 رؤساء بلديات كردية بدلًا من الفائزين عن حزب الشعوب، وقد واصلت تلك القرارات التعسفية، وصولاً الآن إلى تعيين رؤساء لـ 48 بلدية من أصل 65 فاز بهم الحزب.

وتقول بكيزة سينميلي أوغلو الرئيسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطي في أنقرة إن قرارات الحكومة بتعيين رؤساء بلديات ليحلوا محل المنتخبين في البلديات ذات الغالبية الكردية يعبر عن أزمة حكم عميقة لدى حزب العدالة والتنمية، وتعبر عن سياسة الوصاية التي أوجدها عدم حل المسألة الكردية، واتباع سياسة الحرب التي هي أساس كل المشكلات التي تعاني منها تركيا.

قد يعجبك ايضا