اعتدى منتصف أغسطس الجاري، قائد مليشيا “الدفاع الوطني” ويدعى “عبد القادر حمو”، ومجموعة كانت ترافقه، على شيخ قبيلة الجبور “عبد العزيز المسلط”، وذلك في المربع الأمني بالحسكة، عقب خلاف على مشكلة مرورية.
و”الدفاع الوطني”، مليشيا جرى تأسيسها من قبل حكومة دمشق، عقب توسع أعمال الحراك الشعبي المنتفض عليه، منذ العام 2011، حيث تعتبر من ضمن ما تسمى بـ”القوات الرديفة للجيش السوري”، لكنها تحظى بكم هائل من الانتقادات التي يطلقها مُعارضو السلطة، لدورها في قمع الحركة الاحتجاجية.
فيما تُعدّ قبيلة الجبور من العشائر الكبيرة في محافظة الحسكة، ويعتبر “عبد العزيز المسلط” شيخها التاريخي منذ الاستقلال عن فرنسا وإلى الآن.
المهلة الأولى لـ”الدفاع اللاوطني”
ورغم احتجاج رجال القبيلة، وتحذيرهم من إمكانية اقتحام المربع الأمني في الحسكة، ما قد يريق دماءً كثيرة، لم تتعامل السلطة بالجدية المطلوبة مع الحدث، واكتفت بإطلاق التصريحات الإعلامية، التي تعهدت فيها بحل الإشكال، لكنه أمر لا يزال بعيد المنال، مع تمسك “حمو” الذي ينحدر من عشيرة “الشرابيين” في الحسكة، بمنصبه ورفضه التنازل عنه.
وقد منحت قبيلة الجبور في الرابع عشر من أغسطس الجاري، مليشيا “الدفاع الوطني” مهلة 24 ساعة، لحل نفسها ومُغادرة المربع الأمني في مدينة الحسكة، وحذرت وقتها أنه في حال انتهاء المهلة وعدم مغادرة “الدفاع الوطني” المنطقة، سيكون هناك “رد فعل قاسٍ” من أبناء القبيلة.
وحول ذلك، قال أكرم حاجو المحشوش، مستشار مجلس قبيلة الجبور، في تصريح خاص لمنصة تارجيت: “المهلة فرضتها علينا العشائر والواقع، لكيلا يكون هناك سفك لدماء المدنيين، وقد قبلنا بالمهلة الأولى”.
وتابع: “بعد انتهاء المهلة، تدخلت الدولة ووجهاء العشائر، لكي يكون هناك (طولة بال) من قبلنا، كي لا تسيل الدماء، وحتى انتهاء المهلة، كان هناك من الدولة والمسؤولين والقيادة العسكرية تحركات على الأرض، لكن المهلة انتهت فطلبوا مهلة أخرى”.
قرار المحافظ حبر على ورق
وفي السادس عشر من أغسطس، كان قد قال المحشوش، بأن “الحكومة السورية هي من فرضت علينا إعلان الحرب، لأن المحافظ استغنى عن قبيلة مقابل شخص”، وعقبها، دخل وفد لوجهاء قبيلة الجبور وقبائل عربية إلى مبنى مُحافظة الحسكة داخل المربع الأمني، بغية التأكد من إخراج “عبد القادر حمو” مُتزعم ميليشيا “الدفاع الوطني” في المدينة.
آنذاك، قال المحشوش إن “كلام المحافظ عن القانون والالتزام به غير صحيح”، مُوضحاً أنه حتى ذلك التوقيت، لم تستطع “الحكومة السورية داخل الحسكة، من إلقاء القبض على شخص يسيء للمدينة بالأكمل”، وأشار بعد فشل “الحكومة السورية” بتلبية مطالبهم، إلى أن كل الاحتمالات واردة مع مليشيا “الدفاع الوطني” وقائدها الذي كان لا يزال طليقاً.
وبخصوص ذلك، تحدث أكرم المحشوش إلى تارجيت فقال: “على ضوء التحركات والمهلة الثانية، أُصدر قرار بإزالة المدعو عبد القادر حمو، رئيس الدفاع اللاوطني، ولتنفيذ القرار طلبوا مهلة، وقد وعد المحافظ بذلك، لكن لم يُستجب له، وبقي قراره حبراً على ورق”.
وأكمل المحشوش: “يتكلم المحافظ عن القانون والالتزام به، لكن يجب أن يكون القانون مُطبقاً على الجميع، والحقيقة أن الدولة لا تستطيع تطبيقه على شخص واحد، هو من ضمن مؤسسات الدولة”، وشرح سبب استنتاجه ذاك بالقول: “بعد أن عينت الدولة بديلاً عن عبد القادر حمو، لم يستطع البديل الذهب إلى الدوام على أساس تعيينه، وتم تهديده وطرده من قبل مليشيا عبد القادر وأعوانه”.
واستتبع: “يُطالب السيد المحافظ بالتعاون مع الشخص البديل، لكن البديل لم يستطع الدوام، أمام المُتمرد على الدولة، زعيم مليشيا الدفاع اللاوطني”، مُؤكداً: “نحن مستنفرون، نقبل بالهدوء الذي له حدود، لكن بعدها سنكون على وعدنا”.
الوفد الروسي والعمل العسكري
فيما بعد، التقى وفد روسي، بتاريخ الثامن عشر من أغسطس، مع عدد من وجهاء وشيوخ قبيلة الجبور في مدينة الحسكة، وذُكر حينها أن وساطة لـ“قسد” مع الوفد الروسي أتت بهم، بهدف إنهاء المشكلة.
وحيال ذلك، أوضح أكرم المحشوش لـ تارجيت: “التقينا كقبيلة وكوجهاء وشيوخ قبيلة الجبور، والمكونات الأخرى المُتمثلة بالعرب والكُرد والمسيحيين والإيزيديين، مع الوفد الروسي الذي أتى بضغط من قوات سوريا الديمقراطية، حيث اقنعوا الوفد الروسي بالمجيء”.
وأشار: “رغم قلة ثقتنا بالوفد الروسي، طلبوا مهلة، ليبدأوا معها العمل فوراً، إذ قالوا بأنه لا علم لهم بما يجري، وقد سمعوا كل الآراء ومن كل العشائر والمكونات، عن أفعال الدفاع اللاوطني بالحسكة، من هيمنة وإتاوات وبيع للمخدرات، وأيضاً أخذ أموال الناس من آليات ومنازل”.
وأردف: ” وُضع الوفد الروسي بالتفاصيل الدقيقة، وقد وعدوا بأنهم من لحظة نهاية الاجتماع، سيكون لهم دور، وأكدوا بأن العمل إن لم يكن سلمياً فسيكون عسكرياً”.
لـ”قسد” الدور المهم
وبالنسبة لتعاطي كل من “حكومة دمشق” و”قوات سوريا الديمقراطية” مع الحادثة، أوضح مستشار مجلس قبيلة الجبور بأن “الدولة السورية ضعيفة، ولم تستطع تنفيذ قراراتها، أو لم تُطَع وتم التمرد عليها”، ونوّه: “نحن كمواطنين أصبنا بالإحباط من الدولة السورية، التي تتكلم عن القانون ولا تستطيع تنفيذه، فكيف تتكلم عن تحرير سوريا، وهي لم تستطع تحريك شخص واحد هو متزعم الدفاع اللاوطني”.
أما بالنسبة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، فـ”موقفها جيد” حسب المحشوش، الذي كشف: “بالبداية كانت على الحياد، على أساس أنه أمر عشائري مُجتمعي، لكن عندما تواصلت مع الروس، فرضت عليهم الحضور، باعتبار أن أغلب العشائر هي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية من حيث المساحة، فيما التزمت قوات سوريا الديمقراطية أخلاقياً بكافة التزاماتها”.
وختم بالإشارة إلى أنه عندما تنتهي محاولة “الدولة السورية”، والمُحاولة الروسية لحل المُعضلة، فإنه “سيكون لقوات سوريا الديمقراطية الدور المهم، وأيضاً هم كعشائر”.
لتكون الأيام القادمة فاصلة فيما قد تذهب إليه قبيلة الجبور، مع عجز “حكومة دمشق” عن نقل متزعم متسلط على رقاب الأهالي، رغم أن مساحة تسلطه محصورة بمربع أمني لا أكثر.