الخزانة الأمريكية تعاقب ميليشيات تركيا لتهجيرهم سكان عفرين.. ما القصة؟

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، اليوم الخميس، عبر موقعها الرسمي فرض عقوبات على ميليشيات موالية لتركيا بتهمة التهجير القسري للسكان الأصليين في مدينة عفرين شمال سوريا وقمعهم، موضحة أن تلك الميليشيات كانت تقاتل تحت راية ما يسمى الجيش الوطني السوري المدعوم من قبل نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وتسيطر المجموعات الموالية لتركيا على “عفرين” ذات الأغلبية السكانية الكردية منذ عام 2018 عندما بدأ جيش الاحتلال التركي عمليات عسكرية طالت المدينة، ومنذ ذلك الحين ويواجه النظام التركي اتهامات متواصلة وكذلك الميليشيات الموالية له بارتكاب انتهاكات ترقى إلى وصفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

كتيبة سليمان شاه

وخصّ بيان الخزانة الأمريكية كتيبة سليمان شاه وفرقة حمزة، واتهمتهما بالتورط في مفاقمة المعاناة في مناطق شمال سوريا والتي خلفتها سنوات من الحرب الأهلية، كما اتهمتها بالتورط في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد من وصفتهم بالفئات المستضعفة من السكان عبر المضايقات والخطف وانتهاكات أخرى؛ لإجبارهم على إخلاء منازلهم أو دفع فديات كبيرة مقابل إعادة ممتلكاتهم وأفراد عائلاتهم.

وفرضت “واشنطن” عقوبات على محمد حسين الجاسم قائد كتيبة سليمان شاه المعروف باسم أبو عمشة، مؤكدة أن عناصر تلك الكتيبة يتصرفون بأوامره ليهجروا السكان الأصليين قسراً والاستيلاء على ممتلكاتهم، كما أن نشاط الخطف الذي يمارسه يدر عليه عشرات الملايين من الدولارات سنوياً على الأرجح.

كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية شركة السفير لتجارة السيارات ومقرها مدينة إسطنبول في تركيا ضمن عقوباتها، موضحة أن هذه الشركة يملكها أبو عمشة، إذ توفر تلك الشركة منفذاً مهماً لاستثمار الأموال التي يحصل عليها من أعماله الإجرامية في شمال سوريا، كما أن لهذه الشركة عديد من الوكلاء في أكثر من موقع جنوب تركيا وكل توكيل يديره أحد قادة كتيبة سليمان شاه.

في هذا السياق، يقول محمد فتحي الشريف مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن كتيبة سليمان شاه تعد بما تملك من عتاد وعناصر واحدة من أكبر الفصائل التي تقاتل ضمن ما يسمى بالجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، كما أنها تعرف بـ”العمشات” نسبة إلى قائدها محمد الجاسم الذي يشتهر بلقب “أبو عمشة”.

ويضيف “الشريف” أن هناك معلومات متداولة تشير إلى أن غالبية عناصر الكتيبة من التركمان وقد أخذت تسميتها نسبة إلى سليمان شاه جد عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، والتي يريد الرئيس التركي إحياء أفكارها ويحلم باستعادة أمجادها التوسعية، والكتيبة تشارك أردوغان في تلك الطموحات، بدليل أن قائدها “أبوعمشة” كان على رأس إحدى مجموعات المرتزقة الذين جلبهم أردوغان للقتال في ليبيا.

 

“أبو عمشة” كانت له علاقات جيدة كذلك مع تنظيم جبهة النصرة المنبثق عن تنظيم القاعدة الإرهابي، لدرجة أنه في عام 2021 أعرب عن عدم ممانعته في التفاهم مع التنظيم، إذا كان ذلك في صالح بسط كل تلك الجماعات نفوذها على الشمال السوري، وبطبيعة الحال بسط النفوذ التركي على كافة تلك المناطق.

محمد فتحي الشريف

وفي ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت”، يرى مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات أن خطوة وزارة الخزانة الأمريكية جاءت متأخرة، لأنه معروف حجم الجرائم التي تورطت فيها عناصر كتيبة سليمان شاه وكذلك فرقة حمزة بحق أبناء عفرين، وتهجيرهم لسكانها الأصليين وغالبيتهم من الكرد، وهي أعمال تصنف ضمن جرائم الحروب.

كما شملت عقوبات الخزانة الأمريكية كذلك وليد حسين الجاسم وهو الشقيق الأصغر لقائد كتيبة سليمان شاه، بسبب اتهامات بأنه كان ينسق عمليات الخطف والسرقة والفدية كقائد بارز في الكتيبة، والذي سبق له أن ترأس الكتيبة عندما غادر شقيقه أبوعمشه للقتال في ليبيا، وقد ورد أنه قتل أحد السجناء عام 2020 لعدم قدرته على دفع الفدية.

فرقة حمزة

أما عن فرقة حمزة التي شملتها العقوبات، فقد اتهمتها وزارة الخزانة الأمريكية باختطاف وسرقة ممتلكات والقيام بأعمال تعذيب، وإدارة مرافق احتجاز حيث يتم احتجاز الضحايا للحصول على فدية، والذين عادة ما يتم الاعتداء عليهم جنسياً وهي تهم سبق أن تم رصدها في كثير من التقارير الدولية بحق تلك الميليشيات، حيث شملت العقوبات قائدها سيف بولاد “أبو بكر”.

و”بولاد” هو ملازم سابق في قوات النظام السوري قبل انشقاقه وانضمامه بعد اندلاع أحداث الثورة السورية إلى “الجيش السوري الحر”، الذي أصبح لاحقاً يطلق عليه اسم “الجيش الوطني السوري”، وقد أعلن تشكيل تلك الفرقة من داخل الأراضي التركية، وهو بدوره شارك قوات الاحتلال التركي في عملياتها ضمن ما يسمى “درع الفرات” و”غضن الزيتون”، كما أنه أرسل عناصر من فرقته للقتال في ليبيا غلى جانب الميليشيات التابعة لحكومة طرابلس المدعومة من أنقرة.

بدوره، يرى علي المرعبي رئيس تحرير مجلة كل العرب التي تصدر في باريس أن العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية يمكن تفهمها على أنها جرس إنذار أمريكي للنظام التركي، لأن هذه الجماعات التي تم عقابها معروفة صلاتها بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحركة الإخوان المسلمين.

 

العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية يمكن تفهمها على أنها جرس إنذار أمريكي للنظام التركي، لأن هذه الجماعات التي تم عقابها معروفة صلاتها بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحركة الإخوان المسلمين.

علي المرعبي

 

ويوضح “المرعبي”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن العقوبات بالأساس تشكل مضايقة كبيرة للرئيس التركي، وهذا بسبب مساع من الولايات المتحدة لمنع أي تقارب أو تنسيق بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً التنسيق بشأن اتفاق تصدير الحبوب الذي علقت موسكو المشاركة فيها قبل أسابيع.

وهناك مزاعم أن شركة السيارات التابعة لمحمد الجاسم “أبوعمشة” في تركيا هي في الحقيقة بالشراكة مع أحمد إحسان الحايس زعيم فصيل أحرار الشرقية المنضوي ضمن ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، والأخير سبق وتم معاقبته من قبل “واشنطن”.

وتعني تلك العقوبات فرض الحظر على جميع الممتلكات والمصالح التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص وتلك الكيانات في الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة أشخاص أمريكيين وإبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بها، كما تشمل حظر أي كيانات مملوكة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة 50 في المائة أو أكثر من قبل شخص أو أكثر من الأشخاص المحظورين الذين ورد ذكرهم في بيان الخزانة الأمريكية.

كما تحظرُ لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بالولايات المتحدة جميع المعاملات التي يقوم به أمريكيون مع تلك الكيانات أو عبر أراضي الولايات المتحدة، علماً أن واشنطن سبقت وفرضت عقوبات على ما يعرف بالجيش الوطني السوري.

قد يعجبك ايضا