تشهد الفترة الماضية تعالي الأصوات المتتقدة لحكومة دمشق من قبل أولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرتها، والمفارقة أنها طالت بشار الأسد وزوجته أسماء وأعضاء مجلس الشعب، في ظل أوضاع اقتصادية متردية وتحميل تلك الحكومة مسؤولية الإخفاق في التعامل مع الحرائق التي طالت عدة مناطق.
ويشكل تصاعد حدة الأصوات المعارضة في مناطق الساحل السوري مصدر قلق كبير لبشار الأسد، لا سيما بين العلويين الذين شكلوا الحاضنة الرئيسية له وأهم ركائز حكمه، وبالتالي فهو يبذل الآن مساع كبيرة لاحتواء تلك الأصوات الغاضبة، لا سيما أن بعضها خرجت من أبناء عائلات علوية كبيرة ونافذة.
أبرز الانتقادات
معهد دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة كان صاحب أحدث تقرير حول هذه الإشكالية التي باتت تواجه بشار الأسد، والذي أكد أن الآونة الأخيرة شهدت ظهور اتجاه ملحوظ لدى كثير من الكتاب والصحفيين في مناطق سيطرة حكومة دمشق باتجاههم إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن إحباطهم العميق من سياساتها الاقتصادية والطبيعة المركزية الديكتاتورية للحكم، فضلاً عن زوجته أسماء الأسد، وما يرتبط من فساد ونفوذ بمجلسها الاقتصادي السري.
وقد دلل التقرير الأمريكي على هذا التوجه بما كتبه البعض مثل الكاتبة لمى عباس المعروفة بتأييدها لحكومة دمشق، كذلك الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل والدكتور عمار يوسف الاقتصادي الموالي لبشار والصحفي كنعان يوسف، حيث تركزت الانتقادات حول الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانهيار الليرة وديكتاتورية بشار الأسد وكذلك الدور المشبوه لزوجته أسماء وكثير من اتهامات الفساد التي تلاحق المجلس الاقتصادي السري الذي تشرف عليه.
يقول الدكتور عبدالمسيح الشامي الخبير والمحلل السياسي السوري، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن من يقيمون في مناطق سيطرة الحكومة يرون أنهم قدموا كثيراً خلال السنوات الماضية لدعم تلك الحكومة، لكنهم لم يجنوا أي شيء وتسوء أوضاعهم المعيشية، بل ووجدوا أن بشار الأسد أدار ظهره لهم وبقيت عطاياه ومكافئاته للنخب الفاسدة الموالية له، بينما هؤلاء لا يجدون الحد الأدنى للحياة الكريمة.
وأضاف “الشامي” أن السبب الثاني لهذا الغضب المتصاعد أن بعض الموالين لحكومة دمشق بدأوا يشعرون أنهم تورطوا في معركة لا ناقة لهم بها ولا جمل، وأدخلوا في صراع طائفي الطابع لم يكن يريدونه، لافتاً إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن قسم ممن يعارضون في هذه المناطق تم دسهم من قبل الحكومة كنوع من التفريغ لشحنات الغضب، ولإظهار فكرة أن هناك من يرفض تلك الحكومة، إلى جانب ذلك أن الحكومة تطلق تلك المجموعات لكي يكتشف بشار الأسد من الذين يقفون ضده.
ويرى الدكتور عبدالمسيح الشامي كذلك أن حالة الامتعاض في مناطق سيطرة الحكومة – حتى لو كانت بعضها مصطنعة – تعبر عن حالة التململ هناك، وهي كذلك نتيجة طبيعية للأوضاع الصعبة، بل يمكن القول إن الوضع في هذه المناطق يتجه لأن يكون خارج السيطرة.
أوضاع اقتصادية صعبة
وتعاني مناطق سيطرة حكومة دمشق أوضاعاً اقتصادية صعبة لا تقتصر أسبابها فقط على تداعيات سنوات الحرب، بل فاقمها مؤخراً الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير الماضي، لدرجة أن العملة السورية فقدت نحو 99% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي في السوق السوداء، بل إن بعض المناطق تفضل التعامل بالدولار بدلاً من الليرة، بحسب تصريحات سابقة لرامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، يقول يونس الكريم المحلل الاقتصادي السوري، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه من الطبيعي أن يكون هناك تذمر من حاضنة تلك الحكومة في الساحل السوري، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، فمعظم هؤلاء يعملون كموظفين أو في الأجهزة الأمنية وقليل منهم يعملون كتجار، وقد باتوا غير قادرين على تأمين حتى المأكل والمشرب نتيجة التغير الذي طرأ على الليرة وفقدانهم القدرة الشرائية.
ولفت إلى أن هؤلاء في فترة من الفترات حصلوا على أموال كبيرة وتسهيلات من الحكومة، سواء كانت أموال قانونية من خلال توظيفهم ومنحهم امتيازات من قبل حكومة بشار الأسد لكسب ودهم، أو كانت من خلال طرق غير مشروعة مثل الانضمام للميليشيات المسلحة، لكن نتيجة التغيرات الاقتصادية باتوا كما قلت غير قادرين على تأمين المأكل والمشرب.
مستقبل حكومة دمشق
ويبدو أن الانتقادات المتزايدة في تلك المناطق قد دفعت بشار الأسد إلى السفر في 3 أغسطس إلى اللاذقية، موقع حرائق الغابات، لتهدئة الغضب المتصاعد ضد حكومته ورسائل الاحتجاج التي بدأت تنتشر عبر مواقع التواصل، وذكّر من تم تجهيزهم للقائه من المواطنين بأن “هذا ليس الوقت المناسب للتذمر، حتى لو كان هناك سبب مشروع، نحن في حالة حرب، وفي زمن الحرب يجب على المرء أن يقاتل لا أن يبكي”.
كما سافرت أسماء زوجة الأسد إلى طرطوس، حيث زارت مصنعاً للملابس، وفي جلسة مسجلة، أخبرت عمال المصانع أنه على الرغم من أنه قد تكون هناك معاناة واسعة النطاق، فإن الحل الوحيد الذي وصفته بـ”الوطني” هو مزيد من التفاني والعمل الجاد.
وحول تأثير ذلك على مستقبل تلك الحكومة، يقول علي العاصي نائب رئيس جزب سوريا المستقبل، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن حكومة دمشق كانت تخشى بشدة انتقادات وسائل الإعلام وتخشى تأثيرها وتداعياتها وهذا أكثر ما يخيفها ويرعبها، فما بالك أن تخرج شريحة من حاضنة هذه الحكومة ومن المقربين لها للمطالبة بتحسين الظروف الاقتصادية، بل وانتقدوا هرم السلطة.
ويرى “العاصي” أن الأصوات المعارضة في مناطق سيطرة حكومة أمر موضع ترحيب، لأنه أخيراً انتبهوا لحالة هذا النظام الطاغي والمجرم، مشيراً كذلك إلى أن هناك بيان لا يزال غير مؤكد لعسكريين أيضاً في تلك المناطق انتقدوا الوضع القائم، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الوضع سيشكل صعوبة كبيرة على “الأسد”.