عندما دُحر تنظيم داعش الإرهابي من الخريطة الجغرافية السورية في الثالث والعشرين من مارس العام 2019، على يد “قوات سوريا الديمقراطية”، الشريك السوري للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، في بمدينة الباغوز، أقصى جنوب الضفة الشرقية لنهر الفرات، تصور الكثير من المتابعين، بأن التنظيم سيختفي أثره.
لكن الأخير، ورغم مرور أكثر من أربع سنوات على دحره، لا يزال مُستمراً في تنفيذ عمليات “إرهابية” انتقامية، تطال مُختلف أطراف الصراع في سوريا، وتحديداً المناطق الخاضعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وقوات حكومة دمشق، فيما يستثني التنظيم من هجماته، القوات التركية وفصائل المُعارضة التابعة لها في شمال غرب البلاد.
هجمات متواصلة
فخلال شهر أغسطس الجاري، نفذ التنظيم مجموعة هجمات، طال الكثير منها قوات حكومة دمشق، التي توترت علاقتها مع أنقرة، في هذه الفترة تحديداً، مع إصرار دمشق على مطلبها بخروج الجيش التركي من الأراضي السورية، كشرط للتطبيع بين الطرفين.
ووفق كثير من المراقبين، يمتلك تنظيم داعش الإرهابي، صلات مع الاستخبارات التركية، التي سهلت عبور عشرات آلاف الجهاديين منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا، إلى الداخل السوري، وهو ما يضع احتمالات استخدام أنقرة للتنظيم، في سبيل الضغط على دمشق، للقبول بالمصالحة وفق شروطها.
بالسياق، قتل في الأول من أغسطس الجاري، سبعة أشخاص، غالبيتهم عناصر من قوات حكومة دمشق، في هجوم شنه تنظيم داعش واستهدف قافلة تضم صهاريج نفط في وسط سوريا، أثناء مرورها في ريف حماة الشرقي، الذي يشكل امتداداً للبادية السورية المترامية الأطراف، حيث انكفأ إليها مقاتلو التنظيم منذ خسارته كل مناطق سيطرته.
من جانبه، لم يستبعد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في حديث لموقع لـ”العربية نت” بتاريخ الثالث من أغسطس، وجود عمليات تنسيق بين تنظيم داعش وعناصر أخرى متواجدة في المكان (البادية السورية)، وأضاف أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك تنسيق بين داعش وجهات أخرى للقيام بأعمال تخريبية واستهداف شاحنات النفط لصالح جهة ما، بمعنى أن طرفاً ما يدفع بالتنظيم لتكثيف هجماته.
النصرة تُشارك داعش في هجماته
ورغم أن عبد الرحمن لم يشر إلى طرف بعينه، لكن أنقرة قد تكون مُرشحاً قوياً لشغل ذلك الطرف الذي يدفع للتنظيم لتكثيف هجماته، كونها تمتلك في الوقت الراهن، المصلحة الكبرى في الضغط على سلطات دمشق، للقبول بشروطها للتطبيع.
بالأخص أن الهجمات على قوات حكومة دمشق لم تقتصر حينها على داعش، بل وصلت إلى النصرة، إذ قُتل ستة عناصر من قوات النظام السوري، بتاريخ السادس من أغسطس، في هجمات على مواقعهم في شمال غرب البلاد، وذكر وقتها، المرصد السوري أن هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها، نفذت ثلاث هجمات أوقعت “ست قتلى للنظام بينهم ضابطان، (إضافة إلى) إصابة عنصرين آخرين”.
وفي السابع من أغسطس، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن تنظيم داعش تمكن من السيطرة على بلدة معدان عتيق، في ريف الرقة ثم انسحب عقب ساعات، بعد ان قُتل عشرة عناصر من قوات النظام، في هجوم طال حواجز عسكرية تابعة لقوات النظام في ريف الرقة الشرقي، حيث أضرم مقاتلو التنظيم النيران في آليات عسكرية وبيوت مسبقة الصنع قبل أن ينسحبوا من المنطقة.
وضمن تعقيب له على الهجوم، أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن “قيادة صف الأول في التنظيم، موجودة في مناطق سيطرة الجولاني وعفرين وغيرها من المناطق الخاضعة لحكومة الإنقاذ”، ولعل ذلك برهان آخر على فرضية تنفيذ داعش لأوامر أنقرة، بالضغط على حكومة دمشق، عبر توسيع العمليات ضد جنوده.
نشاط داعش ضد قسد
ومن خلال رصد للباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي، أدلى به لموقع قناة “الحرة” في التاسع من أغسطس، أوضح أنه “يبدو أن داعش خفف نشاطه مُتعمداً خلال الفترة الأخيرة في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، بينما صعّدها في مناطق سيطرة النظام السوري”.
قائلاً إن التنظيم نفذ أكثر من 6 عمليات خلال الأشهر الثلاثة الماضية في محيط دمشق، هي (الكسوة، السيدة زينب، جديدة عرطوز، مخيم دنون)، فضلاً عن نشاط متصاعد لخلاياه في الجنوب السوري.
ووفقاً لعرابي، يشي ما سبق بأن “التنظيم يرى أن وضع النظام السوري هو الأضعف، ويحاول من ناحية تكتيكية أن يحقق مكاسب من خلال عمليات الاستهداف”.
لكن وجهة نظر مراقبين آخرين تقول بأن أنقرة قد تلجئ إلى تخفيف الضغط الداعشي عن “قسد”، كون ذلك قد يخفف من الدعم الأمريكي للحليف المحلي في سوريا.
فيما تتمثل مصلحة أنقرة الراهنة، بإجبار دمشق على القبول بوجودها العسكري داخل الأراضي السورية، بشكل رسمي، ما سيخفف الضغط الداخلي عليها، ويمنحها الفرصة للبقاء المُستدام على الأراضي السورية.
الأسد يُجدد مطالبه بالخروج التركي
رغم ذلك، بقي رأس السلطة في دمشق، على موقفه الرافض للقاء مع أردوغان والتطبيع دون مقابل فعلي، حيث أوضح بشار الأسد، في التاسع من أغسطس الجاري، خلال لقاء مُتلفز على شاشة “سكاي نيوز عربية”، أن هدف حكومته، هو انسحاب تركيا من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سورية، فلذلك لا يمكن أن يتم اللقاء تحت شروط أردوغان”.
وفي سؤال الأسد عن تصريحات أردوغان التي تحدث فيها بأن الانسحاب التركي لن يتم من سوريا، ما دام هناك إرهاب يهدد تركيا، أجاب الأسد: “الحقيقة، الإرهاب الموجود في سوريا هو صناعة تركية، جبهة النصرة، أحرار الشام هي تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتمّول حتى هذه اللحظة من تركيا، إذن عن أي إرهاب يتحدث”.
ليأتي الرد على تصريحات الأسد تلك، بتكليل داعش سلسلة هجماته على قوات حكومة دمشق، عبر هجوم أعتبر الأكثر دموية، نفذه في الحادي عشر من أغسطس الجاري، وأودى بحياة العشرات من الجنود.
إذ أعلن التنظيم أن مقاتليه نصبوا كميناً “لحافلتين عسكريتين كانتا تقلان عشرات الجنود من الفرقة 17 التابعة للجيش السوري”، ونوّه في بيان نشرته وكالة “أعماق” التابعة له، إلى أن الكمين نُصب قرب قرية معيزيلة في بادية دير الزور.
فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن عدد قتلى قوات حكومة دمشق بالهجوم، وصل إلى 33 شخصاً، مُعتبراً أنه “الأعنف للتنظيم” منذ مطلع العام، مُنوهاً إلى أن عدد القتلى مُرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم بحالات خطرة.
ليبقى السؤال، إن كانت سترضخ حكومة دمشق في نهاية المطاف للضغوط التركية التي تنفذها عبر أدواتها الراديكالية، أم أنه سيكون لحليف السلطة في روسيا، كلاماً آخر، بالأخص أن موسكو هي راعية الحوار المُزمع والمزعوم بين دمشق وأنقرة.