يفاقم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المخاوف لدى أكثر من مليون سوري يعيشون على الأراضي التركية مع إعلانه، أمس، العمل على تسريع ما يسميه بـ”بناء المنازل” في شمال وشرق سوريا لاستقبال هؤلاء اللاجئين الذين قد وعد بإعادتهم عقب فوزه بانتخابات الرئاسة التي جرت في مايو الماضي، بل أنه هذه المرة أشار كذلك إلى إعادة لاجئين عراقيين.
وتستضيف تركيا، وفق الإحصاءات الرسمية، أكثر من 3 ملايين لاجيء سوري، فيما كشف أروغان الشهر الماضي عن إعادة 600 ألف منهم والتخطيط حالياً لعودة مليون آخرين، ورغم مزاعمه بأن العودة طوعية إلا أن السوريين يشتكون من المعاملة القاسية لإجبارهم على العودة، وفي نفس الوقت يخشون ما قد يلقونه في بلادهم التي لا تزال قابعة في جحيم الحرب حال عودتهم.
ملامح المشرع التركي
في هذا السياق، استنكر عبدالكريم عمر ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في أوروبا، في حديث لمنصة “تارجيت” الإعلامية، تصريحات الرئيس التركي قائلاً إنها تعني إجبار اللاجئين على العودة وإلى أماكنهم غير الأصلية، معتبراً أن هذا مشروع شوفيني عنصري يسعى أردوغان من خلاله لتغيير ديمغرافية المنطقة.
وأكد أن هذا المشروع الشوفيني يقوم على بناء المستوطنات الضخمة والذي يريد من خلاله أردوغان توطين أكثر من مليون مواطن سوري لتغيير ديمغرافية تلك المناطق، وقال إنه من حيث المبدأ يجب عودة اللاجئين، لكن العودة يجب أن تكون طوعية وليست قسرية، ويجب أن يعود كل مواطن إلى موطنه الأصلي الذي هاجر منه.
ولفت إلى أن الإدارة الذاتية كان لديها مشروع أو مبادرة أعربت من خلاله عن رغبتها وسعيها لتوطين كل اللاجئين السوريين الذين هجروا نتيجة الحرب السورية بدعم وتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتم توزيع تلك المبادرة على كافة الجهات المعنية في إطار العودة الطوعية والآمنة والحياة الكريمة لهؤلاء العائدين، لكن تم التأكيد على أن هذا الأمر سيكون مؤقتاً ريثما يتم حل أزمة سوريا.
وأشار “عمر” إلى أن المشروع التركي يهدف إلى ضربة تركيبة سوريا الديمغرافية ككل بدعم من جمعيات إخوانية وبعض الدول، موضحاً أن نسبة الكرد في عفرين كانت أكثر من 97% والآن وبعد الاحتلال أصبحت أقل من 25%، نتيجة لتهجير سكانها وتوطين آخرين بمناطق مختلفة.
المخطط قد يصل إلى العراق
وقد أثارت تصريحات الرئيس التركي انتقادات عربية لإصراره على ترحيل اللاجئين السوريين قسرياً رغم عدم استتباب الأوضاع، وفي ظل قناعات بأن المخططات التوسعية لـ”أردوغان” لن تقف عند تلك المناطق في شمال سوريا بل ستتمدد وتتوسع بشكل مباشر أو غير مباشر لتطال كثير من المناطق العربية.
في هذا السياق، يقول الدكتور تيسير عبدالجبار الألوسي الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه لا يوجد ما يسميه أردوغان كذباً العودة الطوعية وإنما كل هؤلاء يتم إجبارهم على العودة ونحن نرى ما يتم ارتكابه بحق السوريين في تركيا، ولهذا تسود حالة من الرعب بين هؤلاء اللاجئين.
واستدرك “الألوسي” قائلاً: “لكن الأخطر في هذا الأمر أن الرئيس التركي سيدس وسط العائدين عناصر تم تدريبها من قبل المخابرات التركية وأيضاً عناصر ميليشياوية ستكون جاهزة لتنفيذ ما يريده في أي وقت، وكل هذا تحت ستار العودة الطوعية للاجئين السوريين”.
ويرى الأكاديمي العراقي أن أردوغان في واقع الأمر يمهد الأراضي المحتلة لأن تكون مناطق عازلة وآمنة على حسب زعمه، وفي حقيقة الأمر فإنه يقوم بعزلها بالفعل لمصلحة تركيا وعلى حساب السوريين ككل وليس مكون بعينه، وسيجعلها منطقة معبرة عن التوجهات والمصالح التركية التي ستستغلها أنقرة في أي مفاوضات لاحقة.
ولفت “الألوسي” إلى أن عملية التعريب التي تستهدف روج آفا من قبل الرئيس التركي عبر إحلال السوريين العرب محل الكرد جزء من المشروع السلطاني الأردوغاني القائم على الإرهاب وقوة الميليشيات، وهي جريمة في حق كل الشعب السوري لا يمكن غفرانها أو نسيانها، وتتطلب الالتفات إليها بانتباهة سريعة بحملات تدعم مقاومة هذا المشروع وتفعيل مواقف جدية على الأرض والبحث عن بدائل لمقاومته.
وفي ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت”، أكد “الألوسي” أن عملية التغيير الديمغرافي ستطال كل الخط الحدودي التركي مع شمال سوريا وشمال العراق، مشدداً على أن هذا الأمر يجب الانتباه له، ويجب العمل على وضع تصورات لمقاومته، كما يجب العمل على كشف الضغوط الكبيرة التي يقوم بها أردوغان ضد اللاجئين السوريين.
الموقف القانوني
من جهته أيضاً يقول عبدالهادي ربيع الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون العربية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الاعتقاد بأن الأمر يخص المكون الكردي فقط عند إعادة هؤلاء اللاجئين رؤية قاصرة، موضحاً أن أردوغان أكثر من تاجر وقامر بأوضاع اللاجئين السوريين، ففي البداية استقبلهم في إطار مساعيه لكسب شعبية لدى الشعوب العربية وكذلك في الداخل التركي ومحاولاته الدائمة بن يظهر كذباً باعتباره نصيراً للمستضعفين، كما جنس أعداداً منهم وقد استفاد بهم في أكثر من انتخابات.
وأضاف “ربيع” أن الرئيس التركي أيضاً استغل ورقة اللاجئين السوريين واللاجئين بصفة عامة للضغط على الدول الأوروبية، فإما يتغاضوا عن انتهاكاته لحقوق الإنسان وعما يقترفه من جرائم في شمال سوريا ودعمه للإرهاب فضلاً عن الحصول على أموال من تلك الدول بداعي توجيهها للاجئين، وإلا يفتح الباب على مصراعيه أمام هؤلاء للانتقال إلى الدول الأوروبية وهو أمر بالتأكيد كان يؤرق تلك الدول.
وقال الكاتب الصحفي إن الواقع يقول إن اللائجين السوريين بين نار أردوغان الذين يريد أن يستغلهم لتغيير التركيبة الديمغرافية في المناطق المحتلة بالشمال السوري والجور على الأراضي السورية من خلال تلك المستعمرات، وفي نفس الوقت هم يواجهون ناراً أخرى تتمثل في المخاوف من مغبة العودة كما أنهم لن يكون بمقدورهم تحمل الضغوط التي تمارسها “أنقرة” ضدهم.
ويرى عبدالهادي ربيع أن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية عما يقوم به الرئيس التركي بحق اللاجئين السوريين، فالنظام التركي يحاول الاستفادة في الوقت الحالي من التناقضات التي أحدثتها الحرب الروسية – الأوكرانية بين القوى الدولية، ويعلم أن الولايات المتحدة تريد كسبه إلى صفها في إطار المواجهة الشاملة مع روسيا، ولهذا فإننا سنرى إدارة جو بايدن خلال الفترة المقبلة تتجاوز عن كثير من التصرفات التي سيقوم بها أردوغان، وقد يكون للأسف ملف اللاجئين والكرد إحدى ساحات الترضية الأمريكية لنظام أنقرة.
وفي ختام تصريحاته لمنصة تارجيت الإعلامية أعرب “ربيع” عن اعتقاده بأن ما يقوم به أردوغان لا يقل عما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وخصوصاً بناء المستوطنات التي تستهدف تغيير هوية المناطق الفلسطينية كذلك يريد أردوغان تغيير هوية بعض المناطق السورية، وهذا المشروع يشكل خطورة على سوريا ككل وسيكون له تبعاته على كل الدول العربية.