رغم أن التصعيد العسكري بين الفصائل المسلحة التابعة للاحتلال التركي و”هيئة تحرير الشام” من جهة وقوات حكومة دمشق من جهة أخرى في مناطق شمال غربي سوريا ليس بجديد، إلا أن وتيرة هذا التصعيد تزايدت بشكل ملحوظ مؤخراً لاسيما بعد اجتماع أستانا الأخير بين كل من روسيا وتركيا وإيران، وسط قصف واستهدافات متبادلة ومحاولة تقدم على عدة جبهات.
آخر فصول التصعيد، كان إصابة ثلاثة أطفال بقصف لقوات حكومة دمشق على مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، سبقه مقتل وإصابة تسعة مدنيين بغارات للطائرات الحربية الروسية على مركز مدينة إدلب، بالتزامن مع قصف لقوات حكومة دمشق على عدة قرى وبلدات في أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، وثق أيضاً مقتل وإصابة 14 عنصراً من قوات حكومة دمشق والفصائل التابعة لإيران بعملية تسلل لـ”هيئة تحرير الشام” على موقع عسكري بريف اللاذقية الشمالي، ليرتفع عدد القتلى من المدنيين والعسكريين في المنطقة المسماة “خفض التصعيد” شمال غربي البلاد منذ مطلع العام الجاري إلى 276 شخصاً، بينهم 21 طفلاً و8 نساء.
عودة الطائرات الروسية للأجواء
اللافت في التصعيد الأخير إلى جانب محاولات التقدم والقصف البري المتبادل بالمنطقة التي تأوي أكثر من خمسة ملايين مدني نصفهم من النازحين من مناطق سورية أخرى، هو عودة الطائرات الحربية الروسية للأجواء وشن غارات تسفر غالباً عن سقوط ضحايا، وعودة الاحتلال التركي لاستقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة تشمل أسلحة ومعدات لوجستية، كان آخرها 15 شاحنة تحمل آليات ومدرعات عسكرية عبر معبر كفر لوسين الحدودي، اتجهت إلى المواقع العسكرية للاحتلال بريف إدلب الغربي، وذلك بعد نحو أسبوعين على استقدامه تعزيزات عسكرية أخرى شملت معدات لوجستية وعربات مصفحة وغرف مسبقة الصنع.
مخاوف من عملية عسكرية
التصعيد الحالي والتحركات الملحوظة لأطراف الصراع تثير المخاوف من اندلاع عمليات عسكرية في المنطقة، يدفع ثمنها بالدرجة الأولى المدنيون، في ظل حديث عن إصرار روسي على محاولة سيطرة قوات حكومة دمشق على طريقي “m4″ و”m5” بشكل كامل وإبعاد الفصائل المسلحة التابعة للاحتلال التركي عن المنطقة، والسعي للوصول إلى تفاهمات مع الأخير في هذا الشأن، على غرار اتفاقيات وتسويات سابقة قادت إلى سيطرة قوات دمشق على مناطق واسعة بدءاً من الغوطة الشرقية مروراً بحمص وصولاً إلى مناطق بريف إدلب الجنوبي، جرب أهلها النزوح عدة مرات.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي في هذا السياق: “إن التصعيد في شمال غربي سوريا دائماً ما يتصاعد في مراحل معينة ثم يختفي ثم يعود لكن هذه المرة هو مرهون بعدة مجريات أو أحداث ستشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة أولها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، وهذا يعني أن هناك مساومة أو مفاوضات ستجري بشأن منطقة شمال غربي سوريا ومناطق أخرى ترغب روسيا أن تحقق فيها سوريا تقدماً كبيراً، مضيفاً أن المستفيد من هذا التصعيد بالدرجة الأولى هو النظام السوري الذي يجري الآن مفاوضات وهناك حديث كثير جداً عن مصالحة سورية تركية”.
ويضيف الديهي في حديث لمنصة تارجيت الإعلامية، أن الهدف الآخر هو تثبيت أرقام الدولة السورية والعمل على عودة أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية إلى حوزة النظام السوري”.
إيصال رسائل وتصدير أزمات
وما يثر المخاوف أيضاً من تصعيد عسكري أكبر مستقبلاً، ما يقول محللون إنه محاولة روسيا إثارة توترات في سوريا في ظل الضغوط التي تواجهها في أوكرانيا، ومحاولة الضغط على تركيا بعد توجه الأخيرة الملحوظ نحو الغرب في الملف الأوكراني وحديثها عن حق كييف في الدفاع عن أراضيها، إلى جانب تسليم الأسرى من مقاتلي “آزوف” الذين أودعتهم موسكو لديها للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، الأمر الذي أثار امتعاض موسكو.
البحث عن مكاسب
ويشير الباحث محمد ربيع الديهي في حديته لـ”تارجيت”، إلى أن التصعيد له علاقة بكثير من الملفات، حيث يمكن العودة بالتاريخ قليلاً إلى الوراء حينما كان يحدث مثل هذا التصعيد ثم يتم الجلوس في مفاوضات بشأن التهدئة بين النظام السوري وتركيا، بهدف تحقيق مكاسب للنظام السوري وقد تم التوصل بالفعل إلى اتفاقيات مرضية للنظام وتمكن الجيش السوري من إزاحة القوات التركية من أماكن كانت تسيطر عليها في فترات وتم وضع نقاط مراقبة وغير ذلك من الأمور، لافتاً إلى أن الملف شائك للغاية لكن من سيكون له الكلمة الأولى فيه هو النظام السوري الذي سيحدد نقاط التفاوض”، ومؤكداً في الوقت نفسه أن المشهد شمال غربي سوريا ما زال مرتبكاً وضبابياً يصعب معه التطرق والتوقع بشأن ما ستؤول إليه الأوضاع”.
يأتي ذلك في ظل توترات تشهدها الساحة السورية بين الولايات المتحدة وروسيا وما تخللها من “استفزازات” متبادلة لطائرات البلدين في الأجواء السورية، وبين القوات الأمريكية والفصائل التابعة لإيران شرقي البلاد، والحديث عن تحشيدات عسكرية لاسيما من الجانب الأمريكي لاسيما بريف دير الزور، والمخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة، خاصةً بعد تقارير عن إرسال واشنطن أسلحة متطورة إلى منطقة الشرق الأوسط، شملت طائرات “إف22” وصواريخ “هيمارس”.