تفاقم الأوضاع المعيشية بمناطق حكومة دمشق يفجر غضباً شعبياً

لا حديث يعلو في سوريا لاسيما بمناطق سيطرة حكومة دمشق خلال هذه الفترة على حديث الأزمة المعيشية المتفاقمة أو ما يمكن تسميته بصراع السوريين هناك من أجل البقاء، في ظل تدهور غير مسبوق للعملة المحلية وارتفاع كبير بأسعار المواد الغذائية وشح بالمحروقات وانقطاع شبه تام للتيار الكهربائي.

هذه الأوضاع قادت إلى تذمر واستياء شعبي بين المؤيدين لحكومة دمشق لاسيما ناشطين وشخصيات حزبية، فانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة، تنتقد التدهور المتسارع للأوضاع وعجز أو تقاعس دمشق عن إيجاد حلول، وتدعو الأخيرة للتدخل، ووضع خطة مدروسة لمواجهة ذلك، والابتعاد عن “الحلول الترقيعية” وكيل الاتهامات البينية، أو الإلقاء بالمسؤولية على أسباب خارجية تتعلق بالعقوبات.

آخر هذه المواقف، جاءت من الإعلامية لمى عباس، التي ظهرت في فيديو تنتقد الأوضاع بمناطق حكومة دمشق وتدعو للقيام بحراك شعبي ضدها لإنهاء الحالة التي وصلت إليها البلاد، وقالت: “أنا أحرض الشعب على القيام بشيء إيجابي”، متسائلة عن المستفيد من التدهور الذي تعيشه البلاد والحرائق التي تندلع بين الحين والآخر بمناطق متفرقة وآخرها في “مشقيتا” بريف اللاذقية وسوق ساروجة الشهير بدمشق، ما فهم على أنه توجيه أصابع الاتهام لإيران، وهو الأمر الذي كان يعتبر “خطاً أحمر” بمناطق حكومة دمشق، على اعتبار أن طهران ساندت الأخيرة في قمع الحراك الشعبي واستعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، في حين دعا الصحفي كنان وقاف لإزالة حواجز “الفرقة الرابعة” ووقف فرض الضرائب على التجار من قبل “المكتب السري” من أجل وضع حد للتدهور، بدلاً من كيل الاتهامات للحكومة بالمسؤولية ودعوة “مجلس الشعب” لمعالجة الأمور في انتقاد للجلسة الأخيرة للمجلس لمناقشة الأزمة الاقتصادية.

سقوط مدوي لليرة

يأتي هذا، بعد أن فقدت الليرة السورية نحو ضعف قيمتها أمام العملات الأجنبية خلال أقل من شهرين حيث وصلت إلى ثلاثة عشر ألف ليرة للدولار الأمريكي الواحد، ما قاد إلى ارتفاع كبير بالأسعار، وأصبح راتب الموظف الحكومي لا يتعدى عشرة دولارات، وسط تأكيدات من قبل خبراء اقتصاديين أن حكومة دمشق والمصرف المركزي السوري مسؤولان بشكل أساسي عن هذا التدهور، في ظل عدم قدرة الأخير على السيطرة على سعر الصرف الذي أصبحت تتحكم فيه السوق الموازية “السوداء”، واتهامات للمتنفذين وكبار الضباط بـ”سرقة” الأموال المقدمة من بعض دول الخليج وعلى رأسها الإمارات في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد.

فساد مستشري

ويقول المحلل الاقتصادي يونس الكريم المقيم بفرنسا في هذا السياق: “إن التدهور السريع لليرة يعود لعوامل متعددة تراكمية، لكن الذي زاد الوضع سوءاً هو عدم الاستفادة من الأموال والمساعدات التي قدمت لضحايا الزلزال، حيث تم اقتسامها بين منظمات المجتمع المدني التي تقودها أسماء الأسد وبعض الفاسدين وبالتالي حرمت الاقتصاد السوري بمناطق النظام السوري من الاستفادة منها، إلى جانب أن فشل التطبيع العربي كان له ارتداد معنوي على السوريين، حيث قطعوا مع فشل التطبيع وقدوم الأموال أي إمكانية لحدوث تغير بالاقتصاد وبوجود مستثمرين قد يعملوا على تحسين الاقتصاد، وخاصةً أن النظام كان قد بث قبل ذلك دعاية كبيرة بأن عودة التطبيع العربي سوف تعود معه الاستثمارات وسوف يتحسن الوضع، إضافةً لإدارة النظام للملف السياسي حيث أن المطالب العربية كانت تريد تحجيم إيران في حين أنه اتجه لتعميق التعاون معها، فشعر التجار والمستثمرون أنه لا إمكانية أبداً لدخول المستثمرين العرب كما كان يطمح له”.

ويضيف الكريم في تصريح لمنصة تارجيت الإعلامية، “أن من بين عوامل تدهور الليرة أيضاً إصرار الحكومة السورية ممثلة بالمصرف المركزي ورئاسة مجلس الوزراء على التشدد بالسياسات الاقتصادية الخاطئة وعدم إصلاحها مثل القرار 1070 الذي يحدد لوائح الاستيراد، ثم جاء القرار 970 لتقييدها أكثر، وعدم إلغاء المرسوم رقم 3 الذي يمنع تداول الدولار، إضافةً للمرسوم رقم 4 الذي يعتبر الكلام عن الاقتصاد تهمة تتعلق بالمساس بالأمن القومي، كل هذه العوامل أدت لتدهور الليرة، كما أن رفع الدعم عن السلع الأساسية زاد من ضعف القدرة الشرائية”.

تدهور غير مسبوق

من جانبه، قال رئيس حزب سوريا أولاً سلمان شبيب في حديث لتارجيت: “إنه من الصعب الإحاطة بحجم وعمق الأزمة  الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي تعصف بالسكان في مناطق سيطرة الحكومة السورية حيث تشهد سوريا تدهوراً غير مسبوق لم تعهده  في تاريخها الحديث، وتقدم سائل الإعلام ووسائل التواصل صورة قاتمة لمعاناة الناس والصعوبات التي يواجهها المواطن السوري وهو يجاهد في أقسى الظروف لتأمين أبسط مقومات الحياة، كما تقدم تقارير المنظمات الدولية معلومات وأرقام مرعبة عن عدد السوريين المحتاجين للمساعدة والذين يعيشون تحت خط الفقر ونسبتهم تجاوزت التسعين بالمئة من عدد السكان، مضيفاً أن جميع الجهود الحكومية فشلت في وقف الارتفاعات المتوالية لأسعار المواد وذهبت كل الوعود بتحسين الوضع المعيشي والخدمي وخاصةً الكهرباء أدراج رياح الفساد والاحتكار وارتفاع سعر صرف العملات وخاصةً الدولار أمام الليرة التي خسرت خلال أقل من شهر أكثر من ربع قيمتها، ما انعكس واقعاً شديد القسوة على أكثرية السكان وخاصةً الشرائح الأكثر فقراً”.

رفع الدعم

وفي مقابل هذا التدهور، بدأت حكومة دمشق منذ العام الماضي بتطبيق سياسة رفع الدعم عن جميع المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية بما في ذلك الخبز والمحروقات والغاز المنزلي، كما رفعت أسعار الكثير من المواد خاصةً المحروقات التي ارتفع سعرها عدة مرات خلال عام واحد.

وبحسب شبيب، “فإنه يمكن القول إن مجزرة جماعية ترتكب بحق شعب كامل تساهم فيها ظروف الحرب وما أنتجته والعقوبات الغربية وخاصة الأمريكية ومواقع الفساد والاحتكار والمضاربين بالليرة وتجار الأزمة والحرب بالداخل السوري، ما دفع بعض الناشطين لرفع الصوت محذرين من التداعيات الكارثية لما يجري والاحتمالات الخطيرة التي يحملها على سوريا ومستقبلها إذا وصلت الأمور إلى نقطة عدم القدرة على التحمل وأصبح الوضع يقترب من مرحلة الفوضى والانهيار، حيث رفع البعض صوته مطالباً الناس بالتحرك وخاصةً بعد مسرحية جلسة مجلس الشعب التي فاقمت بنتائجها الأقل من هزيلة من مشاعر الخيبة والإحباط والغضب، التي يزيد من مستوياتها غياب الأفق للحلول السياسية والاقتصادية وخاصةً بعد تراجع الآمال التي انتعشت لدى السوريين بالمبادرة العربية وما بدا أنه بداية واعدة لدور عربي فاعل بمساعدة سوريا على الخروج من هذا النفق المظلم”

ويوضح، أن هذا الواقع يترافقمع تصعيد غربي أمريكي أوروبي سياسي اقتصادي وربما عسكري يواكبه تراجع تركي عن وعود وتفاهمات قطعها بخصوص تطبيع العلاقة مع سوريا، كلها عوامل تزيد من الصعوبات المهلكة التي يعاني منها السوريونوخاصة الطبقات الأكثر فقراً من لقمتها، داعياً إلى تشكيل جبهة إنقاذ وطني من كل القوى بالداخل والخارج تعمل على طي صفحة الحرب وفتح صفحة جديدة عنوانها سوريا للجميع من خلال حوار ينتج مصالحة حقيقية وشراكة وطنية لبناء سوريا المستقبل دولة المواطنة والحريات والديمقراطية”، على حد تعبيره.

ويبين الباحث الاقتصادي يونس الكريم، أن الذي عمق الأزمة وكان النقطة الحاسمة هو عدم معالجة التضخم الركودي الذي يحتاج لمعالجة آنية وعلى المدى المتوسط، لكن المعالجة تحتاج في جزء أساسي منها على شق سياسي، النظام غير مستعد للخوض فيه، على سبيل المثال الاقتصاد يحتاج لطبع عملات من فئة عشرة آلاف و25 ألفاً، لامتصاص التضخم وتأمين السيولة للسوق لكنه لم يقم بهذه الخطوة، إلى جانب عدم تشجيع الحوالات والمساعدات الأممية والتشدد بموضوع الحوالات حتى ولو كانت بالعملة السورية، إلى جانب التوتر مع مناطق قسد ومناطق المعارضة، التي كانت تعتبر رئات تهريب عملة إلى الداخل السوري، إضافةً لقانون عقوبات “الكبتاغون” مع إصرار النظام على تهريب الكبتاغون والتوتر مع الأردن وتركيا”، مشيراً إلى أن مناطق النظام في مرحلة الدخول بمجاعة لأن الفجوة بين الحد الأدنى للفقر البالغ 600 دولاراً الذي يحقق للعائلة الحد الأدنى من الكفاف، بات كبيراً مع الحد الأدنى من الأجور حيث أصبح أجر الموظف المتقاعد هناك يقارب 7 دولارات والموظف القائم على رأسه عمله 10 دولارات فقط”.

خيبة أمل بنتائج التطبيع

وتؤكد مصادر محلية من مناطق سيطرة حكومة دمشق، إنه تسود حالة من خيبة الأمل الكبيرة في أوساط السكان هناك من نتائج التطبيع العربي مع حكومة دمشق في التخفيف من الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها مناطقها أو وضع حد لها، عبر ضخ أموال يمكن أن تسهم في تحسين سعر صرف الليرة، إلا أن أياً من ذلك لم يحدث، في ظل تقارير عن امتناع دول خليجية عن تقديم أي دعم لدمشق، على خلفية عدم التقدم خطوة واحدة باتجاه تحقيق الشروط العربية المفروضة عليها المتعلقة بمحاربة تجارة وتهريب المخدرات وتحجيم النفوذ الإيراني، وحالة من عدم الثقة بين العرب في إمكانية مضيها قدماً لتحقيق أي من تلك الشروط.

ويشير الباحث يونس الكريم، إلى أن الأموال الخليجية لم تأت إلى سوريا بالشكل المطلوب، بل اقتصرت على بعض عشرات الملايين من الدولارات الغير كافية، وكانت هناك حرب ضروس بين محاولات خليجية لإفادة المواطن ومحاولة تحسين وضعه ومنع انهيار مؤسسات الدولة وبين منظمات المجتمع المدني التي تقودها أسماء الأسد وحيتان وأمراء الحرب، هذا الأمر أفقد دول الخليج الشعور بأن هناك جدوى من تقديم المساعدة لمناطق النظام، كما أن الأموال الخليجية لم تدخل لأن الخليج له خطط اقتصادية كثيرة ولم تعد سوريا مقنعة بعملية الاستثمار نتيجة استحواذ الروس والإيرانيين على الاستثمارات الأساسية، إضافةً لانهيار مؤسسات الدولة التي لم تعد قادرة على تقديم معلومة حقيقية للمستثمر يستطيع من خلالها بناء استراتيجية للدخول للاستثمار”.

يذكر أن قوات حكومة دمشق كانت قد نفذت خلال الأسبوع الماضي حملت اعتقالات واسعة في عدة محافظات، طالت نشطاء وأشخاص انتقدوا الأوضاع المعيشية في مناطقها، حيث تم توثيق اعتقال أكثرَ من ستة أشخاصٍ في قرية “عين الكروم” بريف حماة الشمالي الغربي إثر كتابتهم عبارات تنتقد الواقعَ المعيشي والاقتصادي على جدران الشوارع، بعد اعتقال أربعة نشطاء في مدينة السلمية بريف حماة الشرقي بسبب مطالبتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتحسين الوضع المعيشي.

قد يعجبك ايضا