يبدو أن ولاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحالية لن تكون كأي ولاية؛ فإلى جانب المشكلات الكثيرة التي تحاصره خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، فإنه يبحث عمن يخلفه في إدارة البلاد، وسط حديث عن أن نجله نجم الدين بلال قد يكون الرئيس القادم لتركيا، مستكملاً مسيرة والده الذي سيكون بنهاية الولاية الحالية أدار البلاد لنحو ربع قرن.
ويوصف بلال بأنه الابن المقرب من أردوغان وكاتم أسراره، وقد عرف اسمه بقوة عام 2013 عندما كُشفت فضائح الفساد الكبرى والتي جرى خلالها تناول تسجيلات صوتية مسربة لحديث من أردوغان إلى بلال يدعوه للتحرك إلى منزل لهم، لنقل مبلغ قيمته 30 مليون دولار، بعد أن أطلق المدعون العوام حملة تحقيقات غير مسبوقة دفعت أردوغان الذي كان وقتها رئيسا للوزراء الإطاحة بعدد من وزرائه ورجاله.
التفكير في بلال
الصحفي الاستقصائي عبدالله بوزكورت أجرى تحليلاً نشره موقع “نورديك مونيتور” يقول فيه إن أردوغان يشعر بالقلق من المشاكل الصحية المتزايدة، وقد بدأ خططاً لتهيئة ابنه نجم الدين بلال أردوغان لخلافته، قائلا إن الرئيس التركي يهدف إلى إنشاء سلالة عائلية مع تفكيك المؤسسات الديمقراطية، في ظل معارضة ضعيفة وتكديس عائلة أردوغان ثروةضخمة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ويقول “بوزكورت” أن بلال–رغم أنه لا يشغل أي منصب عام–يعتبر الشخص الأكثر نفوذاً في الحكم التركي، إذ أنه يعمل من الظل يساعده في ذلكحكم والده القمعي وشبكة واسعة من المقربين في المناصب الحكومية الرئيسية، ويلفت كذلك إلى أن التعيينات الرئيسية الأخيرة لأردوغان والتعديلات الوزارية تحمل علامات على تمهيد الطريق لسلالة عائلية محتملة، مما يشير إلى رغبة أردوغان وتلك العائلة في حكم طويل الأمد يتعاملون مع82 مليون تركي كرعايا، كما يتعاملونمع ممتلكات البلاد باعتبارها ثروتهم الخاصة.
بين الفساد والإرهاب
ويذكر التحليل الاستقصائي كذلك أن نجم الدين بلال أردوغان– الذي نشأ في مدرسة دينية وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة– شخص متعصب أيديولوجياً لما يعرف بالإسلام السياسي، ويزعم أنه يحافظ على علاقات وثيقة مع الطوائف والشبكات الدينية التي تدعم حكم والده وأجندته السياسية.
ويشير التقرير الاسثقصائي إلى نقطة في غاية الخطورة، إذ يقول إن بلال عمل مع تنظيم القاعدة الإرهابي، كما أنه كان أحد المشتبه بهم في تحقيقات فساد ولم يتمإنقاذه منها إلا بتدخل والده، وذلك في إشارة إلى تورط بلال في قضية الفساد الكبرى وقضايا أخرى، إلى جانب العلاقة مع بعض الجماعات الإرهابية التي تدعمها “أنقرة” في سوريا.
وفق نفس التحليل، فإن بلال أردوغان – الذي ينظر إليه دولياً على أنه ولي عهد تركيا غير المعلن–يلعب دوراً مهماً في توظيف المناصب الحكومية الرئيسية من خلال مؤسسات مثل TÜGVA والتي تعتمد على العلاقة مع تيارات الإسلام السياسي وتثير مخاوف بشأن تأثير الإسلام السياسي داخل الإدارة، وكذلك مؤسسة TÜRGEV التي يشرف عليها بلال، وقد واجهت مزاعم فساد هي الأخرى وكانت في قلب تحقيق فساد في عام 2013 وقد تدخل أردوغان لإغلاقه.
ويزعم تحليل نورديك مونيتور أن أردوغان قد اتخذ تدابير لإبعاد الشخصيات المؤثرة داخل حزب العدالة والتنمية؛ لتمهيد الطريق لخلافة ابنه المحتملة داخل الحزب، مما يعزز نفوذ عائلة أردوغان في السياسة التركية، موضحاً أن التعيينات الأخيرة التي شهدتها تركيا مثل إبراهيم كالين كرئيس لجهاز المخابرات الوطنية أمر من شأنه دعم الخلافة المحتملة لبلال.
ويذكر التحيل أن ثروة عائلة أردوغان المكتسبة من خلال وسائل غير قانونية، يديرها بلال، وأن هذا الأمر مبرر بين الأوساط الدينية باعتباره ضرورياً لدعم الحركات الجهادية العالمية والأنظمة الإسلامية، والتي يقدم لها الرئيس التركي دعماً كبيراً في عدة مناطق على رأسها سوريا وليبيا ومصر وتونس وغيرها.
أردوغان يريد نجله رئيساً
في هذا السياق، يقول جودت كامل المحلل السياسي التركي إن أردوغان كان يعمل على الحفاظ على سمعة نجله بلال بين الشعب التركي من خلال إبعاده عنأي منصب رسمي إلى الآن، أي أن بلال لم يكن عضواً برلمانياً ولا وزيراً ولم يشغل أي وظيفة رسمية تحمل عليه المسؤولية.
وأضاف “كامل”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية،أنه لذلك لم يتأثر بلال إلى حد ما بسياسات حزب العدالة والتنمية الفاشلة على مدى أكثر من 20 عاماً، إلا أنه اشتهر بتسجيلات هاتفية مع والده حين كان رئيساً لمجلس الوزراء، وهذه المكالمة سجلها رجال الأمن التركي في 17 ديسمبر 2013، حيث أن أردوغان كان يوجه نجله لإخراج الأموال الموجودة في منزله بإسطنبول خوفاً من أن تحدث مداهمة له من قبل الشرطة.
ويرى المحلل السياسي التركي أنه في ضوء شبهات الفساد المتعلقة ببلال أردوغان، فإنه لن يتولى رئاسة تركيا؛ لأن التسجيلاتالهاتفية له مع والده لا تزال حية وحاضرة في أذهان الشعب التركي، مؤكداً أن أردوغان يريد أن يصبح نجله خليفة له، لكن أردوغان يتابع في الوقت ذاته الرأي العام التركي، والأخير ليس في صالح بلال، معرباً عن اعتقاده بأنه لهذا السبب لن يصل إلى منصب الرئيس.
اتهامات فساد لا تتوقف
وتتعدد شبهات الفساد التي تحاصر نجم الدين بلال لدرجة أن بعض المعارضين قالوا إنه يدير كل “الأعمال القذرة” للنظام التركي، ففي يونيو الماضي بدأت سلطات مكافحة الفساد في السويد والولايات المتحدة فحص شكوى تزعم أن شركة سويدية تتبع لإحدى الشركات الأمريكية قد تعهدت بدفع ملايين الدولارات رشوى لنجل أردوغان؛ نظير مساعدته لها من أجل احتكار منتجها للسوق التركية.
والعام الماضي، قالت السلطات الروسية إن لديها معلومات وأدلة تؤكد أن بلال أردوغان ارتبط بشبكة تعمل على الحدود التركية – السورية من أجل تهريب النفط السوري بالتعاون مع تنظيم “داعش” الإرهابي، وهي ليست أول مرة يوجه لأردوغان أو نجله اتهامات متعلقة بالإتجار في النفط السوري والحصول عليه من التنظيمات الإرهابية بأموال زهيدة مقابل السلاح الذي يقدم لهم من “أنقرة” وغيرها من وسائل الدعم اللوجيستي لتلك التنظيمات.
وفي مايو من العام الماضي، كشف كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري عن ملفات الفساد المرتبطة بعائلة أردوغان، متهماً إياها بتحويل أموال تقدر بنحو مليار دولار إلى مؤسسة مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أكد زعيم المعارضة التركية أن بلال أردوغان هو الذي قام بتحويل تلك الأموال، فيما استقبلتها بالولايات المتحدة شقيقته إسراء البيرق.
وأكد “كليجدار أوغلو” كذلك أنه سيواصل فضح غسيل الأموال الذي يجري في البلاد، علماً أن إسراء كانت طرفاً في المكالمة الشهيرة التي سربت عام 2013 بشأن عملية نقل أموال بمنزل أردوغان قبل وصول الشرطة والمحققين، ضمن القضية التي عرفت إعلامياً بـ”فضيحة الفساد الكبرى”.
أيضاً شهد عام 2016 قيام السلطات الإيطالية بالتحقيق في قضية تتعلق بغسيل أموال على صلة ببلال أردوغان، حيث اتهم بجلب أموال إلى تركيا في الخفاء أي عبر وسائل غير مشروعة. وعادة ما ينفي النظام التركي تلك الاتهامات، لكن تكرارها داخلياً وخارجياً يؤكد أن هناك أمر ما، فكما يقال “لا دخان بلا نار”.
خليفة من عائلة أردوغان
مسألة خلافة أردوغان بعد فوزه بانتخابات مايو كانت موضعاً للبحث من قبل سليم كورو الزميل ببرنامج أوراسيا التابع لمعهد دراسات مجلة فوريس بوليسي الأمريكية، والذي تطرق إلى إمكانية أن يكون أحد أفراد عائلة الرئيس التركي خليفة له، فيقول إن أردوغان ليس محظوظاً بشكل كبير في هذا المسار، موضحاً أنه عمل على إخفاء نجله الأكبر بوراكعن الجمهور منذ سن مبكرة، وهذا ربما بسبب مشاكل تتعلق بصحته العقلية.
أما عن بلا أردوغان، يقول كورو إنه يرأس منظمات غير حكومية صحيح أنها قوية ومرتبطة بالعائلة، لكنها غير كافية لجلعه يلعب دوراً قيادياً رئيسياً،أيضاً صهر أردوغان الأكبر بيرات البيرق كان قد عمل كوزير للطاقة والمالية، ونمت قوته خلال فترة ولايته حتى أجبر على التنحي بطريقة دراماتيكية، وهو يحتفظ بسلطة مؤسسية كبيرة، لكنه لم يعد قادراً على أن يكون في دائرة الضوء.
ويتحدث سليم كورو كذلك عن الصهر الأصغر لأردوغان سلجوق بايراكتار وهو مطور بارع للتكنولوجيا العسكرية، لكنه لم يتعرض أبداًلحرارة السياسية اليومية. ويقول “كورو” إن أردوغان لن يعيش للأبد، ومن المرجح أن ينجح خليفته إذا جاء من خارج دائرة مجلس الوزراء الحالي وكذلك عائلته.