بعد عشرين جولة سابقة من اجتماعات “أستانا” فشلت جميعها في إحداث أي اختراق في ملف حل الأزمة السورية، وعلى وقع تباطؤ مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق والأخيرة ودول عربية بسبب نقاط خلافية وعراقيل اعترضت المسار، تكثف روسيا تحركاتها لعقد اجتماع جديد من “مسار أستانا” خلال الفترة المقبلة، وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية روسية لصحيفة “الشرق الأوسط”.
المصادر، قالت إن موسكو تسرّع من تحركاتها للاتفاق على تحديد موعد لجولة جديدة من “أستانا” بين كل من روسيا وإيران وتركيا ومحاولة ضم ممثلين عن حكومة دمشق للاجتماع، مضيفة أن الملف الأساسي المطروح للبحث خلال الجولة هو دفع مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، وأن روسيا تحاول أيضاً إدراج ملف “الاستفزازات” بين الطائرات الروسية والأمريكية في الأجواء السورية على جدول الأعمال.
وكانت الجولة السابقة من “اجتماعات أستانا” عقدت بالعاصمة الكازاخية في الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، وأصدر المجتمعون في نهاية محادثاتهم بياناً، أكدوا فيه على “دعم الحل السياسي” في سوريا والعمل على تأمين عودة اللاجئين إلى ديارهم، واستكمال المشاورات للمضي قدماً في مسار التطبيع بين تركيا وسوريا، قبل أن تعلن كازاخستان أنها تأمل أن تكون الجولة هي الأخيرة على أراضيها.
مخاوف من صفقات
وتتهم أطراف سورية معارضة روسيا بمحاولة جعل “أستانا” المسار الوحيد لمحادثات الحل السياسي للأزمة السورية وجعله بديلاً عن المسارات المدعومة أممياً وعلى راسها “مؤتمر جنيف”، إلى جانب تحويل هذا المسار إلى “بازار” لعقد الصفقات والتسويات بينها وبين الأطراف الأخرى المتدخلة بالصراع السوري، فيما يتعلق بمناطق النفوذ والسيطرة، وتسويف أي قرارات أو مخرجات سابقة وإخراجها من سياقها الحقيقي لاسيما القرار الأممي 2254 المتضمن إنشاء هيئة حكم انتقالي والإفراج عن المعتقلين.
صعوبات وعراقيل
ورغم أن مصادر مطلعة من مناطق حكومة دمشق، كشفت مؤخراً، أن روسيا تمارس ضغوطاً كبيرة على حكومة دمشق لتقديم تنازلات بشأن الشروط التي تطرحها لاستكمال مسار التطبيع مع تركيا وعلى رأسها انسحاب الأخيرة من الأراضي السورية، إلا أن دمشق لا تزال تتمسك بهذا الشرط، كما أن موقف الطرفين السوري والتركي بدا أكثر تشدداً خلال الفترة الأخيرة حيال مسار التطبيع، ما يجعل المضي قدماً فيه يصطدم بكثير من العراقيل والعقبات، رغم تأكيد المصادر أن موسكو تكثف جهودها “لإبقائه حياً”.
الكاتبة والباحثة السياسية الدكتورة تمارا حداد، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن اجتماع أستانا يعقد على أساس أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية، لكن فيما يتعلق بالتحركات الروسية من أجل أن يكون هناك تطبيع بين تركيا وسوريا، فإن تركيا حتى اللحظة لا تزال مصممة على إخراج “قوات سوريا الديمقراطية”، كما أنها تقلق من وجود القوات الكردية في المنطقة التي احتلتها في الشمال السوري، لذلك فإنه يعتقد أنها لن تنسحب من المنطقة في ظل وجود ما تعتبره “خطراً على أمنها القومي”، كما أن الحكومة السورية تشترط لإتمام عملية التطبيع مع تركيا انسحاب الأتراك من شمال سوريا، لذلك فهي حالة معقدة ولكي يكون هناك تطبيع يجب أن يكون هناك تخلي أو تنازل عن هذه الشروط، وهذا يكون في حال الاهتمام بالواقع الاقتصادي حيث أن روسيا تريد أن تعمل على إيجاد منفذ آخر لتصدير الحبوب وهذا المنفذ بعد قطع طريق البحر الأسود بحسب الرؤية الروسية هو تركيا التي يمكن عن طريقها تجميع وتصدير الحبوب وانتقالها إلى المناطق الأخرى، وبمساعدة سوريا أيضاً على اعتبار أن بعض القواعد الروسية موجودة على الأراضي السورية، وكونها قريبة من البحر المتوسط وهذا يسمح بإيصال الحبوب والزيوت إلى إفريقيا والشرق الأوسط”
وتضيف الدكتورة تمارا حداد، “أن روسيا تريد التطبيع من الناحية الاقتصادية وليس من نواح أخرى، لكنه سيواجه الكثير من التحديات والمعوقات ولن يكون بالأمر السهل، مشيرةً إلى أن الرئيس التركي رجب أردوغان كان يريد التطبيع مع سوريا خلال الدعاية الانتخابية، لكن الآن بعد نجاحه هناك بعض البوادر للتطبيع ولكن بشروط على رأسها انسحاب القوات الكردية من شمال البلاد.
وتأتي هذه التحركات، في ظل توترات غير مسبوقة تشهدها الأجواء السورية بين روسيا الولايات المتحدة تمثلت بـ”استفزازات” متبادلة بين طائرات البلدين واتهامات متبادلة بالمسؤولية عن التصعيد، وحديث روسي عن أن الولايات المتحدة تعمل على فتح جبهة في سوريا بهدف إشغال روسيا، في حين تقول واشنطن أن موسكو تفتعل توتراً في سوريا رداً على الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا.
تصدير الصراع الأوكراني
وتوضح حداد، أن هناك تغيرات في سوريا بينها أن الولايات المتحدة تعمل على تجنيد بعض القبائل والعشائر العربية إلى جانب وجود الجنود الأمريكيين وتعمل على تجهيز جيش، وقد يكون مستقبلاً انتقال الحرب الروسية الأوكرانية إلى سوريا، ما يؤدي لاشتداد الأزمة هناك”.
“امتعاض” وتراجع عربي
الصعوبات والعراقيل التي تعترض مسار التطبيع التركي السوري، يوازيها ما تقول مصادر إنه “تراجع زخم” التطبيع العربي مع دمشق وما يمكن تسميته بـ”خيبة أمل عربية” بحكومة دمشق، وإمكانية التزامها بتنفيذ الشروط المتفق عليها بموجب اجتماع عمان بشأن سوريا في أيار/ مايو الماضي، لاسيما ما يتعلق بمحاربة تجارة وتهريب المخدرات والعودة الآمنة للاجئين، حيث كشفت مصادر أردنية أن الملف السوري وسبل تنفيذ مخرجات اجتماع عمان، تصدرت مباحثات العاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس الإماراتي محمد بن زايد خلال زيارة الأخير إلى عمان، وذلك بعد أن كشفت مصادر أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نقل خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق “امتعاض” العرب من عدم تقديم حكومة دمشق أي خطوات نحو تحقيق الشروط المتفق عليها”.
وبحسب الكاتبة والباحثة السياسية تمارا حداد، فإن حكومة دمشق لم تف بوعودها خلال القمة العربية في جدة، أي أنها لم تقم بـ”خطوة مقابل خطوة”، من حيث المطالب العربية بأن يكون لدمشق قرار مستقل وضمان عودة اللاجئين وإخراج إيران من البلاد، الأمر الذي لم يتم وأصبح النفوذ الإيراني أوسع، وعليه فإن سوريا يتوقع أن تواجه مستقبلاً أزمة أكبر من الأزمة الحالية، لأن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ستكون في سوريا، كما أن تركيا أصبحت تبحث عن طرق أخرى لحل مشكلاتها الاقتصادية”.
ويقول مراقبون إن أي مسار للحل في سوريا، لن يكون مجدياً في التوصل إلى نتائج ما لم يستند إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2254، ويجمع جميع القوى والمكونات السورية الفاعلة دون استثناء أو إقصاء، يبحث خلاله السوريون أنفسهم سبل إنهاء أزمتهم بعيداً عن أي تدخلات أو أجندات خارجية، اختبروا على مدى اثني عشر عاماً من عمر الأزمة فشلها في تحقيق أي تقدم في هذا الشأن.