تصدرت الذكرى التاسعة للإبادة الجماعية التي طالت المجتمع الإيزيدي على يد تنظيم “داعش” الإرهابي اهتمامات كثير من وسائل الإعلام الدولية التي رصدت وأظهرت حجم المأساة التي تعرض لها الإيزيديون عندما شن التنظيم هجمات مكثفة في الثالث من أغسطس عام 2014 في بلدة شنكال أفضت إلى مقتل أكثر من 5 آلاف إيزيدي.
وقد ركزت تقارير تلك الصحف على صعوبة ما تعرض له أبناء المجتمع الإيزيدي عام 2014، فضلاً عن معاناتهم التي لا تزال مستمرة من حيث التمييز الذي يتعرضون له، والصعوبات التي تواجه كثير من النازحين في العودة إلى أماكنهم التي هجرهم منها تنظيم داعش.
73 إبادة
وتحت عنوان “الإيزيديين: الإبادة المنسية”، كتبت صحيفة “جريك سيتي تايمز” اليونانية أن الإيزيديينتعرضوا للاضطهاد لعدة قرون بسبب المعتقدات الفريدة لعقديتهم، إذ يروي تاريخ الإيزيديين أنهم تعرضوا لثلاثة وسبعين حالة إبادة جماعيةآخرها التي نفذها داعش،وقد أدى التهديد المستمر لهم بالاضطهاد إلى اتجاهعديد منهمإلى المنطقة الشمالية من العراق وبالتحديد شنكال، حيث توفر التضاريس الجبلية بعض الحماية لهم.
ولفتت الصحيفة إلى أنه في 3 أغسطس من عام 2014 ارتكب مسلحو تنظيم داعش إبادة جماعية ضد المجتمع الإيزيدي في شنكال إذ تم إعدام الرجال وألقوا في مقابر جماعية لرفضهم اعتناق الإسلام، كما تم استعباد ما يقدر بنحو 7000 امرأة وفتاة من الإيزيديين،بعضهن لا يتجاوز عمرهن تسع سنوات، وتم نقلهن قسراً إلى مواقع في العراق وشرق سوريا.
وذكر الموقع كذلك أن النساء تعرضن للعبودية الجنسية من قبل التنظيم، حيث أفاد الناجون بأنهم تعرضوا لعمليات بيع أو إهداء أو تناقل بين مقاتلي داعش بشكل متكرر، كما تتم معاملة النساء اللواتي يتم أسرهن كرقيق جنس أو غنائم حرب، ما دفع بعضهن إلى الانتحار، كما كان يتم بيع النساء والفتيات اللاتي اعتنقن الإسلام كعرائس للمقاتلين، أما أولئك الذين يرفضن تغيير ديانتهن فكن يتعرضن للتعذيب والاغتصاب والقتل في نهاية المطاف.
كما أشار الموقع إلى مأساة أطفال الإيزيديات الذين ولدوا في السجون ثم حرموا من أمهاتهم الاتي ذهبن إلى مصير مجهول، كما أن عام 2014 شهد إعدام إرهابيي داعش 19 فتاة إيزيدية رفضن أن يصبحن عبيد جنس عن طريق حرقهن أحياء داخل أقفاص حديدية.
استخراج الجثث لا يزال
أما صحيفة “لوموند” الفرنسية، فقد قالت إن تنظيم داعش قد اجتاح جبل سنجار، الموطن التاريخي للأقلية الإيزيدية في شمال العراق، وقد تم ذبح آلاف من الرجال من هذا المجتمع الناطق باللغة الكردية، والذين اعتبرهم عناصر التنظيم “زنادقة” بسبب معتقداتهم، وقد تم اختطاف النساء وبيعهن “كزوجات” للإرهابيين أوتحويلهن إلى العبودية الجنسية، بينما تم تحويل الأطفال إلى مجندين.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أنه رغم إعلان العراق انتصاره على تنظيم داعش في عام 2017، والذي فقد بعد ذلك معقله السوري الأخير في عام 2019، إلا أنه لا يزال حتى اليوم يتم استخراج الجثث من المقابر الجماعية في شنكال، حيث يوجد أكثر من 2700 شخص في عداد المفقودين، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
صعوبات العودة
وتحت عنوان “قمع الإيزيديين في العراق: تحريض هائل ضد الأقلية”، قال موقع “تاجس شبيجل” الألماني إن الإبادة الجماعية للإيزيديين من قبل داعش بدأت في 3 أغسطس 2014، لكنهم لا يزالون يتعرضون للتمييز حتى اليوم.
ووصف الموقع وضع الإيزيديين بالصعب جداً للأسف، موضحاًأن ما يقدر بنحو 500000 من الإيزيديين نزحوا من منازلهم في منطقة شنكال خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من هزيمة داهش عسكريًاً قبل أكثر من أربع سنوات وتحرير سنجار، إلا أنه بالكاد سُمح لنحو 70 ألف شخص بالدخول.
قتلى وسبايا
مجلة “ذا ناشيونال” المعنية بالشؤون الدولية قالت إنه قبل 9 سنوات وعلى القمم الوعرة لسلسلة جبال شنكال على الحدود مع سوريالجأ مئات الآلاف من الإيزيديين تحت أشعة الشمس الحارقة وانتظروا في رعب ما يجري عندما هاجم تنظيم داعش بلدتهم وارتكب المجازر بحقهم، بينما أخبر الناجون الذين وصلوا إليهم أن التنظيم الإرهابي يعدم الرجال في الشوارع ويأخذ النساء لبيعهن في أسواق.
ولفتت المجلة إلى أنه قد تم ضخ عشرات الملايين من الدولارات لإعادة بناء شنكال وإزالة الألغام من القرى وإنشاء عيادات صحية لأولئك الذين يعودون، لكن شخصيات إيزيدية بارزة، بما في ذلك الحائزة على جائزة نوبل نادية مراد، انتقدت الأوضاع وناشدت السلطات بشأن مزيد من التأمين لمناطق الإيزيديين وضمان سلامة أبناء المجتمع الإيزيدي قبل كل شيء.
شكوى أمام الأمم المتحدة
وفي سياق حديثها عما يتعرض له الإيزيديون، أشارت صحيفة “جارديان” البريطانية إلى شكوى رسمية قدمت إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضد تركيا، تطالب بمحاسبتها بعد أن استهدفت مستشفى ميداني عام 2021، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة 20 آخرين في انتهاك واضح وصريح للحق في الحياة بالمخالفة للمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وقد تم رفع الدعوى نيابة عن أربعة إيزيديين من قبل وحدة المساءلة، وهي منظمة غير حكومية معنيةبحقوق الإنسان، ومنظمة النساء من أجل العدالة، وهي أيضاً منظمة غير حكومية إيزيدية مقرها في ألمانيا، ويدعم الشكوى كذلك حقوقيون في المملكة المتحدة، والتي إن أخذت مسارها الطبيعي ستكون “أنقرة” مطالبة بدفع تعويضات والتعهد بعد تكرار الأمر مرة أخرى.
ونقلت الصحيفة عن عارف أبراهام، مدير وحدة المحاسبة قوله إنه لا يوجد عذر قانوني لاستهداف مستشفى مدني بثلاث غارات جوية متتالية في 30 دقيقة، مما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح خطيرة.
فيما قالت الصحيفة إنه لطالما تمتعت تركيا بالإفلات من العقاب وصمت المجتمع الدولي تجاه استهداف غير الأتراك خارج أراضيها بذريعة أنها تواجه الإرهاب، لافتة إلى أن مجلس حقوق الإنسان هو الهيئة الوحيدة التي يمكن أن تتيح محاسبة تركيا والمطالبة بتقديم تعويضات مفيدة للضحايا.
حقوق الإيزيديين
من جهتها، قالت ريهام حجو المتحدثة باسم حركة حرية المرأة الإيزيدية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه رغم كل تلك السنوات التي مرت على الإبادة الجماعية من قبل داعش بحق الإيزيديين، لكننا لا نزل نعاني ولا نزال نفتقد كثيراً من حقوقنا، خصوصاً عدم الاعتراف بالإدارة الذاتية للإيزيديين، فضلاً عن مواصلة تركيا هجماتها وغاراتها غير المبررة على شنكال وترويع الآمنين من أبناء الإيزيديين.
ولفتت “حجو” إلى أن الإيزيديين يتطلعون إلى أن تعترف كل دول العالم بالإبادة الجماعية التي طالتهم، كما أنه يتوجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً فاعلاً ضد الجرائم التي يرتكبها أردوغان بحق أهالي شنكال، كما أنه يجب أن تتم محاسبة كل من تورط في هذه الإبادة، مشيرة في هذا السياق إلى انسحاب قوات البيشمركة الكردية وترك الساحة خالية أمام تنظيم داعش ليفعل ما شاء بالإيزيديين.
يوم لإحياء ذكرى الإبادة
في هذا السياق أيضاً، ذكرت صحيفة “مينيت” التركية أن رابطة حقوق الإنسان في تركيا أصدرت بياناً دعت فيه الدولالتي لم تعترف بعد بالإبادةالجماعية للإيزيديين على يد داعش إلى اتخاذا هذا القرار في الذكرى التاسعة لتك الجريمة وأن يكون الثالت من أغسطس كل عام يوماً لإحياء تلك ذكرى هذا العمل الوحشي.
ولفتت الرابطة إلى أنه بعد هجمات داعش عام 2014 في شنكال والموصل، لجأت المجتمعات الإيزيدية إلى بلدان أخرى، لكن محنتهم لا تزال قائمة، داعية إلى تنفيذ إجراءات لضمان عودة الإيزيديين بأمان إلى وطنهم، مشدة على ضرورة أن تحترم الأمم المتحدة وكافة الدول والمنظمات الدولية حق تقرير المصير للمجتمع الإيزيدي.