أقرت الحكومة البريطانية، في بيان صادر أمس، أن ما تعرضت له أقلية الإيزيديين الكردية في العراق عام 2014 من قبل تنظيم “داعش” الإرهابي هي جريمة إبادة جماعية، وذلك قبيل إحياء الذكرى السنوية التاسعة للجرائم التي ارتكبها التنظيم بحقهم، في خطوة ينظر إليها كعامل مساعد في طار مساع تحقيق العدالة لهؤلاء الضحايا.
وفي الثالث من أغسطس عام 2014 شن “داعش” هجمات عنيفة على مناطق عدة في إقليم كردستان شمال العراق، ليجد الإيزيديون أنفسهم في مواجهة عناصر هذا التنظيم الدموي الذين قتلوا أكثر من 5 آلاف منهم بينهم أعداد كبيرة ماتوا جوعاً وعطشأ بعد محاصرتهم، فضلاً عن النساء اللواتي سبين ومن تم تهجيرهم.
البيان البريطاني
وقال اللورد طارق أحمد وزير شؤون الشرق الأوسطبالحكومة البريطانية، في بيانه، إن الإيزيديين تعرضوا لمعاناة كبيرة على أيدي تنظيم داعش الإرهابي قبل 9 سنوات، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم، ومن ثم فإن العدالة والمسائلة لمن دمرت حياتهم ضرورة، معلناً اعتراف بلاده بأن ما جرى بحقهم جريمة إبادة جماعية، واصفاً ذلك بـ”الاعتراف التاريخي”.
ولفت المسؤول البريطاني إن هذا القرار يعكس الرغبة في أن يحصل الإيزيديين على التعويض الذين يستحقونه، وأن تتحقق لهم العدالة، مؤكداً كذلك استمرار التزام المملكة المتحدة ببناء المجتمعات التي تضررت من إرهاب تنظيم داعش، كما أن بلاد ستواصل قيادة الجهود الدولية التي تستهدف مواجهة الحملات الدعائية للتنظيم التي تستهدف إفساد العقول، على حد تعبيره.
ويأتي القرار البريطاني ليضاف إلى سوابق قضائية في ألمانيا أتاحت محاكمة طه الجميلي العنصر السابق في تنظيم داعش نهاية عام 2021، والذي حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية واستعباد سيدة إيزيدية وطفلتها عام 2015، وقد تقدم المدعو باستئناف على الحكم أمام المحكمة الفيدرالية في فرانكفورت والتي رفضت بدورها الطلب وأيدت الحكم الصادر ضده.
أهمية القرار
في هذا السياق، وصف نايف شمو الرئيس المشترك للإدارة الذاتية في شنكال القرار البريطاني بالإنساني والخطوة المنتظرة التي تكشف عن الطابع الإنساني للحكومة البريطانية، مؤكداً أن هذه الخطوة سيمكن الاستفادة منها قانوناً في ملاحقة من قاموا بتلك الجرائم وكذلك التنسيق مع المجتمع الدولي لهذا الغرض.
وأضاف “شمو”، في تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت”، أن ما أحل بالإيزيديين من قبل تنظيم داعشبلا شك إبادة جماعية مأساوية، مستنكراً إخلاء قوات البيشمركة الساحة أمام عناصر داعش والانسحاب حتى دون مقاومة أو مواجهة، ما جعل الإيزيديين في مواجهة هؤلاء الإرهابيين دون رحمة.
وقال المسؤول الكردي العراقي إن ما حدث كان انسحاباً منظماً من قبل قوات البيشمركة، ويبدو أنه كان باتفاق ما سواء مع تنظيم داعش أو بالاتفاق مع جهة أخرى، وبالتالي فإن قوات البيشمركة هي التي تتحمل المسؤولية عن الإبادة التي جرت بحق الإيزيديين.
مأساة الإيزيديين
بدوره، يقول محمود خوشناو القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن النظرة إلى إجرام داعش وتصنيفه بأنه جزء من الإبادة الجماعية سيقطع الطريق أمام كل محاولة مستقبلاً لارتكاب تلك الجرائم، كما أنه ينظم الجهد الدولي المبذول لمحاربة التنظيم الإرهابي.
أضاف أن هذا القرار من شأنه أيضاً أن يساعد في تقليل المآساة التي يواجهها الإيزيديون، باعتبار ملفاً تاريخياً، معرباً عن اعتقاده بأنه أن تقوم بريطانيا باتخاذ هذا القرار المهم بشأن الجرائم التي ارتكبها داعش ضد الإيزيديين وأن تصنفها بجريمة إبادة جماعية، فإن ذلك دلالة على تفهم المملكة المتحدة لهذا الحدث المأساوي الكبير، والقرار البريطاني سيلحقه دعم دولي آخر، وعلى الأقل سيقلل من مآس الإخوة والأخوات الإيزيديين الذين تعرضوا لأبشع حالات الإجرام والاعتداء نفسياً وجسدياً وحتى روحياً.
وأعرب “خوشناو” عن اعتقاده بأن بريطانيا يجب أن تخطوا مستقبلاً خطوات أكثر، حتى نرفع حجم الطموح لدى الكرد الإيزيديين والكرد بصفة عامة والمناطق التي احتلت من قبل تنظيم داعش، وهذه القضايا وغيرها يجب أن تحظى باهتمام المجتمع الدولي والكل يجب أن يساند هذا التوجه.
كما أعرب السياسي الكردي العراقي البارز عن تقدير بلاده للقرار البريطاني، لافتاً إلى أنهم لطالما أكدوا على أن بريطانيا جزء من الجهد الدولي الإيجابي لمحاربة داعش وأيضاً دورها تجاه ملفات أخرى.
محاسبة التنظيم الإرهابي
ولا يزال هناك أكثر من 2000 إيزيدي في عداد المفقودين، فضلاً عن الصدمات النفسبة الكبيرة التي تعرضوا لها، وذلك بحسب ما ذكر تقرير لموقع “فويس أوف أميركا” الأمريكي.
وقال زارا صالح، محلل الشؤون الكردية في لندن، للموقع الأمريكي، إن القرار البريطاني جاء بعد سنوات من الضغط المكثف من قبل المجتمع الإيزيدي، موضحة أن هذا يعني أن الحكومة البريطانية ستخصص مزيداً من الموارد لمحاولة محاسبة مجرمي داعش على جرائمهم ضد الإيزيديين والكرد والجماعات العرقية والدينية الأخرى في العراق وسوريا”.
وكان فريق من الأمم المتحدة أقر عام 2021 بأن الفظائع التي ارتكبها داعش ضد الإيزيديين تشكل إبادة جماعية، كما أن مجلس النواب الأمريكي أصدر عام 2016 بالإجماع قراراً يعترف بأن التنظيم يرتكب إبادة جماعية ضد الإيزيديين والمسيحيين في العراق، كما أقر الكونجرس الأمريكي عام 2018 قانون الإبادة الجماعية والإغاثة والمساءلة في العراق وسوريا.