تركيا والقضية الكردية هل يقود لقاء أوجلان إلى بداية جديدة أم محاولة للالتفاف على الحقوق المشروعة؟

تتوالى تطورات الملف الكردي في تركيا، لتشهد بالأمس حدثاً جديداً تمثل في لقاء وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) مع الزعيم الكردي عبد الله أوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي، بعد عزلة استمرت سنوات. هذا اللقاء أعلن عنه في بيان رسمي، حيث تم التأكيد على أن الوضع الصحي للقائد أوجلان جيد ومعنوياته عالية، وأنه قدم رؤيته لحلول إيجابية للأزمات التي تواجه تركيا والمنطقة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يمثل هذا اللقاء خطوة نحو حل حقيقي للقضية الكردية، أم أنها محاولة أخرى لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجه تركيا؟

عبد الله أوجلان: رؤية للسلام وسط الأزمات

بحسب البيان الصادر عن وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM)، فإن أوجلان أكد على ضرورة تعزيز أواصر الأخوة التركية الكردية، واعتبرها مسؤولية تاريخية لا يمكن تأجيلها. كما دعا إلى أن تتحمل جميع الأطراف السياسية في تركيا مسؤولية إيجاد حلول بناءة بعيداً عن الحسابات الضيقة. أشار أوجلان أيضاً إلى أن أحداثاً مثل ما يجري في غزة وسوريا أكدت أن تأجيل حل القضية الكردية لم يعد خياراً ممكناً، مشدداً على أن مساهمات المعارضة التركية ستكون حاسمة لتحقيق النجاح في هذه المرحلة.

أوجلان لم يكتفِ بتقديم رؤيته للحل، بل أعرب عن استعداده لتقديم مساهمات إيجابية للنموذج السياسي الجديد الذي يروج له كل من أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية بهجلي. كما دعا إلى أن يكون مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) محورياً في صياغة هذا التحول الديمقراطي.

الربط بين اللقاء والسياسات التركية الراهنة

هذا اللقاء يأتي في ظل تصعيد مستمر من قبل تركيا ضد الكرد، سواء في شمال كردستان أو في شمال وشرق سوريا (روجآفا). تركيا، التي ترى في أي تعبير عن الهوية الكردية تهديداً وجودياً، تبنت لعقود سياسات قمعية تستهدف إضعاف الكرد سياسياً وديموغرافياً وثقافياً. ولكن السماح بهذا اللقاء يعكس تناقضاً في السياسات التركية، إذ تسعى أنقرة إلى إرسال إشارات إيجابية في الداخل والخارج، بينما تستمر في استهداف الكرد في سوريا والعراق وفي داخل حدودها.

فالتغيير الديموغرافي الذي تنفذه تركيا في روجآفا ما زال مستمراً. اجتياح تركيا لعفرين، رأس العين، وتل أبيض، وتهجير السكان الكرد الأصليين، يعكس سياسة متواصلة لإضعاف الكرد جغرافياً وثقافياً. وبينما يدعو أوجلان إلى الأخوة التركية الكردية، تستمر أنقرة في بناء حزام ديموغرافي جديد على طول الحدود السورية، في تناقض صارخ مع دعوات السلام.

في الداخل التركي، يواجه حزب المساواة و الشعوب الديمقراطي (DEM) ضغوطاً غير مسبوقة، حيث يتعرض قادته ونوابه للاعتقال بتهم تتعلق بالإرهاب و يتم عزل رؤوساء البلديات المنتخبين و تعيين بديل لهم بأمر إدارة من رئاسة الجمهورية. وفي الوقت نفسه، يشير أوجلان إلى أهمية البرلمان التركي ودور المعارضة في المساهمة بالحل، ما يفتح تساؤلات حول إمكانية تحقيق تقدم حقيقي في ظل استمرار هذه الأجواء القمعية.

أوجلان: عصر جديد أم خطاب سياسي؟

رسائل أوجلان في هذا اللقاء تحمل لغة تصالحية تدعو إلى السلام والديمقراطية، لكنها تصطدم بالواقع الذي تفرضه السياسات التركية على الأرض. فبينما يتحدث أوجلان عن أهمية الحلول الإيجابية، تواصل تركيا قصفها لمواقع كردية في كردستان العراق وسوريا، وتستمر في إنكار الحقوق الثقافية واللغوية للكرد داخل تركيا.

رؤية أوجلان لعصر جديد من الأخوة والسلام في تركيا والمنطقة قد تكون جادة، لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية من الحكومة التركية والمعارضة على حد سواء. وكما أشار، فإن أي تقدم يعتمد على تجاوز الحسابات الضيقة والمصالح الحزبية قصيرة المدى.

ما وراء اللقاء: هل هي خطوة نحو الحل أم تكتيك سياسي؟

السماح بلقاء أوجلان جاء في سياق سياسي معقد تواجه فيه تركيا تحديات كبيرة، داخلياً وخارجياً. داخلياً، تعاني الحكومة من أزمات اقتصادية خانقة واستياء شعبي متزايد، بينما تقترب الانتخابات المقبلة التي قد تشهد دوراً حاسماً للكرد ككتلة تصويتية. خارجياً، تواجه تركيا انتقادات دولية بشأن تدخلاتها العسكرية وسياساتها تجاه الكرد.

قد يكون هذا اللقاء محاولة لتهدئة الأوضاع، وإرسال رسائل إلى الداخل والخارج تفيد بأن تركيا مستعدة للحوار. ومع ذلك، فإن استمرار السياسات القمعية والعسكرية يطرح تساؤلات جدية حول نوايا الحكومة التركية.

إلى أين تتجه القضية الكردية في ظل التطورات الراهنة؟

يبقى الملف الكردي أحد أكثر القضايا تعقيداً في تركيا والمنطقة. لقاء أوجلان يحمل رسائل إيجابية تدعو إلى الأخوة والسلام، لكنه في الوقت ذاته يكشف التناقضات العميقة في السياسة التركية. فلا يمكن الحديث عن سلام حقيقي في ظل استمرار القمع والتغيير الديموغرافي والحرب على الهوية الكردية.

إن أي حل مستدام يتطلب اعترافاً كاملاً بحقوق الشعب الكردي دستورياً، سواء في تركيا أو خارجها، ووقفاً فورياً للسياسات العدائية. وكما قال أوجلان، فإن هذه الجهود يمكن أن تقود تركيا إلى التحول الديمقراطي الحقيقي الذي تستحقه. لكن تحقيق ذلك يعتمد على الإرادة السياسية لكل الأطراف، وعلى قدرتها على تجاوز حساباتها الضيقة من أجل مستقبل أفضل لتركيا والمنطقة.

قد يعجبك ايضا