إدلب – علي زينو
عاد الشاب عبد المجيد جلو قبل أشهر إلى بلدته “قورقنيا” في ريف إدلب شمال غربي سوريا، ليفتتح ورشته الصغيرة لتصنيع الإكسسوارات التقليدية، إثر مقتل أخيه على يد الجندرما التركية خلال محاولته اجتياز الحدود، وذلك بعد أن أمضى ثلاث سنوات من العمل بالمهنة في تركيا.
عبد المجيد، واحد من آلاف الشباب السوريين الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الخروج من البلاد بحثاً عن فرص عمل وهرباً من الأوضاع التي تعيشها سوريا منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وبعد أن اتقن مهنة تصنيع الإكسسوارات التقليدية مثل التيجان والمزهريات وزينة العرائس، وجد نفسه مضطراً للعودة لإعالة أهله والبقاء بجانبهم بعد أن قتلت الجندرما التركية شقيقه الأصغر محمد الذي لا يتجاوز عمره ثلاثة عشر عاماً، والذي كان يحاول اجتياز الحدود إلى تركيا لتعلم المهنة والعودة لإعالة أهله.
وتؤكد التقارير الأممية وتقارير المنظمات المختصة، أن الشباب هم من أكثر فئات المجتمع السوري تأثراً بالأزمة التي تعصف بالبلاد كون الغالبية منهم مطلوبون للتجنيد الإجباري لدى قوات حكومة دمشق وآخرين اضطروا لعدم إكمال تعليهم بسبب الحرب، والمتخرجون منهم وجدوا أنفسهم بدون عمل، ليصبح مئات الآلاف من هذه الفئة لاجئون حول العالم بما في ذلك تركيا التي يتعرضون فيها لمضايقات وانتهاكات وممارسات عنصرية.
ويتحدث عبد المجيد لمنصة “تارجيت” الإعلامية عن المهنة ومما تتكون ومراحل عملها وكيف تعلمها على مدى ثلاث سنوات، ويقول “مصلحتنا تعتبر من الرمل، وصناعة الإكسسوارات تجي بضاعة خام من الصين، بنجي هون بنصفها على مبدأ الرسم على الصيجان وبعدين التكبيس وبعدين نلحمها وآخر شي التلبيس”.
“أطلقوا الرصاص وقطعوا السياج”
ويروي لـ”تارجيت” كيف قتلت الجندرما التركية شقيقه، بعد أن قررت العائلة أن يذهب إلى تركيا لتعلم المهنة والعودة إلى المنطقة لإعالة أهله، ويؤكد أنهم بعد أن طاردوه مع رفقاء له قرب الحدود وعلق هو في السياج الحدودي، قطعوا السياج وسقط على ظهره وأصيب بكسر في العمود الفقري وبقي ثلاثة أيام يعاني في الخندق قرب السياج ليفارق الحياة بعدها.
ويوضح، أن الجندرما التركية كانت تطلق الرصاص على كل من يقترب من المنطقة، فاضطروا لأخذ موافقة من الوالي التركي في المنطقة المقابلة من أجل جلب الجثة ودفنها، مشدداً على أنه عاهد نفسه بأن لا يعود إلى تركيا أبداً بعد هذه الحادثة التي يقول إنها أثرت على والديه بشكل كبير، حيث ساءت صحة والده الكبير بالسن بشكل واضح بعدها.
ومن جانبه، يقول عماد أبو زيد، وهو أحد أقرباء عبد المجيد بأن “الحادثة قلة دين وقلة رحمة من قبل الجندرما التركية لأنها قتلت طفل هرب من الوضع والظلم الذي تعيشه المنطقة”، محملاً خلال حديثه لمنصة “تارجيت” الإعلامية، الجندرما والمهربين وسماسرة التهريب المسؤولية عن مقتل قريبه محمد.
انتهاكات مستمرة
ومحمد ليس السوري الوحيد الذي قتل على يد الجندرما التركية منذ اندلاع الأزمة بالبلاد عام 2011، حيث وثقت منظمات حقوقية سورية بينها مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، مقتل 35 سورياً وإصابة 126 آخرين برصاص الجندرما خلال عام 2023، في حين بلغ عدد الذين قتلوا منذ اندلاع الأزمة 578 بينهم 105 أطفال و67 امرأة، إضافةً لإصابة 3079 آخرين.
وإلى جانب عمليات القتل على يد الجندرما التركية، توثق منظمات حقوقية وتقارير، تعرض اللاجئين السوريين في تركيا لشتى أنواع المضايقات والانتهاكات والممارسات العنصرية على يد الأتراك من ضرب وتعدي على الممتلكات وإغلاق للمحال التجارية، إلى جانب الخطابات التحريضية من قبل الأحزاب السياسية وبدء حملات ترحيل قسري ممنهجة ضدهم تطبيقاً لخطة أعلن عنها الرئيس التركي رجب أردوغان العام الماضي، تقضي بإعادة مليون لاجئ كمرحلة أولى إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا والفصائل التابعة لها بالشمال السوري، وبالفعل فقد تم توثيق ترحيل نحو 30 ألف لاجئ إلى تل أبيض/ كري سبي وحدها بريف الرقة الشمالي.
وكان طفل سوري يبلغ من العمر 14 عاماً قد تعرض قبل أكثر من أسبوعين للتعذيب على يد عائلة تركية بعد اختطافه إلى منطقة نائية قرب مدينة غازي عينتاب جنوبي تركيا وممارسة أساليب تعذيب وحشية بحقه باستخدام أدوات حادة وحرق أجزاء من جسده، على خلفية حدوث شجار بينه وبين أطفال أتراك في المدرسة، ليتم إدخاله إلى المستشفى وهو يعاني من عدم القدرة على النطق، ما أثار ردود فعل منددة من قبل أطراف ومنظمات حقوقية سورية ودولية.