هيڤي سليم
يعد تعامل تركيا مع اللاجئين السوريين واحداً من الملفات التي تثير انتقادات دولية واسعة، وهو ما قد ركزت عليه منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها السنوي عن عام 2023 والذي صدر قبل أيام، وانتقد بشدة تعامل السلطات التركية مع اللاجئين لا سيما السوريين.
وليست هذه المرة الأولى التي تصدر منظمة دولية أو جهة حقوقية ملاحظات بهذه الدرجة بشأن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، الدولة التي دائماً ما كان يتشدق رئيسها رجب طيب أردوغان – ولا يزال – بتوفير الحياة الكريمة لهم، وعلى ضوء ذلك حصل على مليارات اليوروهات من الدول الأوروبية بقصد الإنفاق عليهم.
خطاب كراهية واضح
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها إن اللاجئين السوريين يتعرضون لخطاب كراهية واضح لا سيما من الجهات الشرطيةـ مشيرة إلى أنها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، ومعظمهم من السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة.
وأوضحت المنظمة أن طالبي اللجوء غير الأوروبيين وعلى رأسهم السوريين يواجهون قيوداً صارمة في مسألة التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية، مع عمليات ترحيل روتينية، مشيرة إلى أنه تم استخدام مشاعر كراهية الأجانب كسلاح أو أداة خلال الحملة الانتخابية، لا سيما استهداف السوريين والأفغان.
وتقصد المنظمة بذلك أنه خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار من العام الماضي اعتمد جزء من شعبية بعض المرشحين على خطاب الكراهية الموجه للاجئين لا سيما السوريين، ومطالبة كثيرين بترحيلهم قسرياً إلى بلادهم، واعتبارهم عبء على الاقتصاد التركي.
وذكرت “هيومن رايتس ووتش” أن الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول أعلن عن مزيد من الدعم المالي لتركيا للاجئين السوريين الأكثر حاجة إلى الدعمً، مقابل فرض قيود على دخول اللاجئين والمهاجرين إلى الاتحاد، حسبما ذكرت “هيومن رايتس ووتش: التي أشارت إلى أن أنقرة عاصمة مرشحة لعضوية الاتحاد.
إلا أن كثير من المراقبين انتقدوا عدم المعرفة الدقيقة بآليات إنفاق الأموال التي تحصل عليها تركيا من أوروبا والتي يفترض أنها توجه للاجئين، حيث يشير بعضهم إلى أن هذه الأموال قد تكون نهبت أو على الأقل لم تنفق بشكل كامل على اللاجئين أو توفر لهم احتياجاتهم.
عمليات تعذيب وسوء معاملة
وفي سياق حديثها عن التعذيب في تركيا، ذكرت “هيومن رايتس ووتش” أن عمليات التعذيب وسوء المعاملة لا تزال مستمرة في أقسام الشرطة والسجون منذ عام 2016، مع سوء معاملة الشرطة الذي كان موجهاً أيضاً إلى اللاجئين السوريين في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير/ شباط من العام الماضي، مما يعكس دوافع كراهية الأجانب، وفق المنظمة.
وبالفعل لقد اشتكى كثير من اللاجئين السوريين خلال في أعقاب أحداث الزلزال المدمرة من المعاملة التمييزية للمتضررين، إذ كانت تمنح الأولوية في إغاثة المواطنين الأتراك على اللاجئين السوريين، وهو ما وثقته تقارير حقوقية وصحفية أخرى.
مخاوف جمة تواجه اللاجئين السوريين
في هذا السياق، يقول رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الخوف من الترحيل هو أصعب ما يواجه السوريين في تركيا، مشيراً إلى أنه قد طرأ على المعاملة من قبل الشعب التركي للسوريين كثير من التغيرات بعكس ما كان عليه الحال في الأعوام الأربعة الأولى.
وأضاف أن الجندرما التركية قتلت عند الحدود السورية التركية خلال العام الفائت 2023 نحو 34 مدنياً سورياً بينهم سيدة و3 أطفال، كما أصيب 52 شخصا بينهم 3 أطفال و5 نساء، لافتاً إلى أن السوريون يعانون من تبعات خطاب الكراهية من مسؤولين وشخصيات اعتبارية ومواطنين عاديين.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن حملات عنصرية وتضييق يعيشها السوريون قد برزت ضدهم، لدرجة أن الكثير منهم يرى بأن تركيا لم تعد المكان المناسب والآمن لوجود اللاجئين السوريين، بسبب شدة التضييق الممارس عليهم وزجهم في جميع المشاكل والأحداث الداخلية.
وتحدث رامي عبدالرحمن أيضاً، في تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية عن أنه ظهرت كتابات عنصرية جدارية في الأسواق والشوارع وعلى منازل لاجئين سوريين دعت لطرد السوريين بصفة عامة من تركيا، وكتبت عبارة “اطردوا السوريين” وعبارة “اطردوا العرب”.
النظرة الدونية للاجئين السوريين
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن السورين يعانون من “النظرة الدونية” التي يلاقونها من قبل الكثير من الأتراك، كما أن فئة الشباب هي الأكثر عرضة لحملات العنصرية والطريقة غير الأخلاقية التي يتعامل بها الكثير من الأتراك مع السوريين، بسبب ما يسمونه بسرقة الشباب السوريين لفرص عملهم وإشغال الكثير من الوظائف، علماً أن الغالبية من السوريين يعتمدون على أنفسهم في تأمين جميع متطلباتهم ولا تتحمل الحكومة التركية أي أعباء سواء من تمريض أو دراسة أو دعم غذائي.
وذكر “عبدالرحمن” كذلك أن هناك تعامل بالشدة مع السوريين يتضح في الشارع والسوق والتعامل اليومي مع الأتراك، وكأن الفرد منهم يريد أن يقولها بشكل صريح ويطالب بطرد السوريين، موضحاً أنه لا يعرف ماهو السر وراء كل ذلك، علماً أن هناك مناطق في تركيا تحسنت لدرجة كبيرة بعد دخول السوريين إليها مثل مدينة الريحانية التي افتتح بداخلها عشرات المحلات والمولات والمطاعم الخاصة بالسوريين، مشيراً إلى أن غالبية السوريين يعملون أعمالاً مضاعفة عن الأتراك، ويتحملون المشاق من أجل توفير لقمة عيشهم، ويقعون ضحية استغلال أرباب العمل واقتطاع أجورهم.
ويقول رامي عبدالرحمن إن الحكومة التركية اتخذت سلسلة من الإجراءات الجائرة بحق اللاجئين السوريين في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، مثل حرمان آلاف المدرسين السوريين من التعليم وفصلهم رغم أنهم يعملون ضمن اتفاق مبرم مع منظمة “اليونيسيف” ويتلقون الدعم منها.
وأشار كذلك إلى قرار منع دخول مرافقين مع المرضى السوريين الذين يتم إسعافهم عبر المعابر الحدودية، وقرار آخر يقضي بسحب “بطاقة الحماية المؤقتة” من المرضى السوريين ضمن المشافي التركية وحرمانهم من حق العلاج المجاني، والعديد من القرارات الأخرى.
ورقة سياسية
ويرى كثير من المراقبين أن النظام التركي تاجر بورقة اللاجئين السوريين وحقق من ورائهم مكاسب سياسية كبيرة، أولها الترويج لنظامه بأنه نصير المستضعفين وبالتالي كسب مزيداً من التأييد داخل وخارج البلاد، كما استغلهم لابتزاز الدول الأوروبية في كثير من المواقف، فإما أن يحصل على ما يريد أو يفتح أبواب الهجرة لأوروبا.
وخلال الأشهر الماضية بدأ الرئيس التركي كذلك تجهيز بعض المستوطنات في مناطق بشمال وشرق سوريا بقصد توطين اللاجئين فيها على حساب السكان الأصليين لتلك المناطق والذين ينحدر غالبيتهم من القومية الكردية في عملية تغيير ديمغرافي لا يمكن تسميتها إلا جريمة حرب.