جرائم فصائل تابعة لتركيا بعفرين على طاولة المدعي العام الألماني و”ديرشبيغل” تنقل شهادات مروعة

هيڤي سليم

قدم كل من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة ومنظمات حقوق الإنسان وشركاؤهم إضافةً لستة ناجين من الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل التابعة لتركيا في منطقة عفرين شمال غربي سوريا، شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، للمطالبة بإجراء تحقيقات شاملة بجرائم تلك الفصائل بمنطقة عفرين.

ويوضح بسام الأحمد المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وهي أحد الأطراف المقدمة للشكوى، أن سكان عفرين وخاصة الكرد واجهوا منذ عام 2018، انتهاكات واسعة النطاق وومنهجة تتراوح بين الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والعنف الجنسي والاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين من خلال النهب وفرض الضرائب الباهظة، إضافةً لمنع المهجرين قسراً من المنطقة من العودة إلى بيوتهم ومحاولة إرغام من بقي على النزوح، وذلك بعد أن بدأت تركيا والميليشيات المسلحة المتحالفة مع “الجيش الوطني السوري” بقصف المنطقة في 19 كانون الثاني/ يناير 2018 كجزء من العملية العسكرية التي أطلقوا عليها اسم “غصن الزيتون”.

ومن جانبه، يقول المسؤول في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان باتريك كروكر في بياناً صحفي بأنه منذ عام 2011 يحقق مكتب المدعي العام الاتحادي في العديد من جرائم حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا، إلا أن “الفظائع التي ارتكبتها ميليشيات معظمها إسلامية بحق السكان الأكراد شمالي سوريا كانت حتى الآن نقطة عمياء في هذه التحقيقات”، مضيفاً أن الميليشيات الحاكمة بعفرين أسست عهداً من العنف والتعسف بدعم تركي.

ومنذ سيطرة تركيا والفصائل التابعة لها على منطقة عفرين في 18 آذار/ مارس عام 2018، وثقت العديد من المنظمات الحقوقية بينها منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” والمرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية، انتهاكات جسيمة تم ارتكابها بحق السكان الأصليين من قتل وخطف مقابل الفدى وتهجير مئات الآلاف وتعذيب وتغييب واستيلاء على الممتلكات وغيرها.

وجاء في نص الشكوى أيضاً، على أنه ورغم أن “جرائم نظام الأسد والجماعات الإسلامية في سوريا مثل جبهة النصرة وداعش، كانت محور تحقيقات لمكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا، إلا أنه لم يتم التعامل بعد مع المعاناة التي يعيشها السكان المدنيون في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال غربي سوريا”.

ويقول أحد الناجين من انتهاكات الفصائل التابعة لتركيا في عفرين والمشارك في الشكوى الجنائية في شهادة لمجلة دير شبيغل بأنه بعد ثلاث سنوات من إطلاق سراحه من السجن، ما زل يجد نفسه في كابوس مؤلم كونه كل ما عاشه في عفرين كان قاسياً، ويكمل بالقول “لأنني أعلم أن السكان هناك مازالوا يعيشون ظروفاً مماثلة، لقد كرست حياتي لجذب انتباه العالم للظلم، على أمل أن تتحقق العدالة ويحاسب الجناة”.

اعتداءات جنسية وضرب ووخز بالأبر

مجلة “دير شبيغل” الألمانية، نقلت من جانبها عن أحد الناجين من الانتهاكات بعفرين والمشاركين بالدعوى والذي أشارت له بالرمز “z9” لأنه رفض الكشف عن اسمه وهويته خوفاً على عائلته، أنه لا يزال يتذكر أن العناصر في نقطة التفتيش كانوا يحملون على زيهم رايتين، حيث كانت على الأكمام اليسرى شعار “الجيش الوطني السوري” وعلى الجهة اليمنى شارة سيادية تركية، قبل أن يقوموا بربط قطعة قماش حول رأسه واقتياده إلى السجن، حيث تعرض هناك للضرب واللكم والوخز بالأبر تحت الأظافر ومحاولة إجباره على أن يعترف أن له علاقة بـ”حزب العمال الكردستاني”.

ويوضح “z9” الذي هو الشاهد التاسع بين الشهود في الشكوى الجنائية التي وصلت هذا الأسبوع إلى النيابة العامة الاتحادية في مدينة “كارلسروه” الألمانية، أنه تم لاحقاً نقله إلى سجن آخر بمنطقة عفرين، حيث تعرض لتعذيب شديد هناك، وشاهد انتهاكات مروعة تتعلق باعتداءات جنسية على النساء ورفض تقديم الطعام للسجناء بشكل منهجي، معرباً عن أمله في أن يتم محاسبة الجناة الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في عفرين.

وتؤكد مجلة “دير شبيغل”، أن تحقيقات ميدانية أجرتها على الأرض، تتطابق مع اتهامات لتركيا والفصائل التابعة لها متضمنة بالشكوى الجنائية تتعلق بانتهاكات واستهداف أهداف مدنية بعفرين، وإدخال “حكم ظالم معاد للكرد في المنطقة”، كما أن السكان العرب بالمنطقة يؤكدون حصول قمع وانتهاكات بحق السكان الأصليين الكرد تتمثل بالاعتقالات المستمرة والاختطاف والنهب وغيرها، وتبين المجلة نقلاً عن أحد سكان عفرين، أن اعتقال النساء الكرديات أصبح تجارة ضخمة وعصابية، وأن العناصر العرب العاملين تحت قيادة الأتراك يطلبون فدى مالية من المتهمين لعدم اعتقالهم وتسليمهم تتراوح بين 500 و1000 دولار لكل عائلة.

تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي

وتوضح المجلة نقلاً عن أحد السكان بعفرين، أن من لا يدفع “رشوة الحماية” للفصائل يتم اعتقاله ونهبه ومنعه من زراعة حقله، مؤكداً أن الفصائل طلبت من كل مزارع زيتون هذا الموسم مبلغ 2.5 دولار لكل شجرة، والذين لم يدفعوا وجدوا أشجارهم مقطوعة أو محروقة، معتبراً أن هذه الممارسات تتناسب مع توجه تركيا التي لا تحرك ساكناً، في حين تقول الناشطة الكردية السورية صبيحة خليل للمجلة بأنه “هناك محاولات لتشريد أكبر عدد ممكن من الكرد من مناطقهم من خلال سيطرة الميليشيات المرعبة وتوجيه اللاجئين من العرب والتركمان إلى مناطق محددة بشكل ممنهج” وتضيف بأن “المجازر التركية الحالية أقل دموية وتتمثل بالتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي”.

وتنقل “دير شبيغل” أيضاً عن الصحفي السوري روج موسى، وهو من أبناء منطقة عفرين، أنه “حتى في المناطق المحتلة يجب أن تكون هناك قواعد، ولكن في عفرين يسود قانون الغابة حتى الآن، فقد فشلت تركيا حتى في دورها كسلطة احتلال”.

ويعقد ضحايا الانتهاكات المرتكبة في عفرين على يد تركيا والفصائل التابعة لها ومقدمو الشكوى الجنائية، آمالاً كبيرة على القضية في إنصاف الضحايا ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بموجب القانون، ووضع حد للجرائم المرتكبة بحق السكان الأصليين في عفرين والتي تقول كثير من المنظمات الحقوقية السورية، إنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد قالت في تقرير صادر في حزيران/ يونيو عام 2016، إن جماعات مسلحة تدعمها تركيا في سوريا استولت على ممتلكات المدنيين الكرد ونهبتها ودمرتها وأسكنت عناصرها في منازل السكان الأصليين في عفرين شمال غربي سوريا، في حين قالت منظمة العفو الدولية في تقرير صادر في آب/ أغسطس من نفس العام، إن تركيا تطلق العنان للجماعات المسلحة السورية لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين بعفرين شمالي سوريا، بينها الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ومصادرة الممتلكات وأعمال النهب، مشيرةً إلى أن الجيش التركي يغض الطرف عن هذه الممارسات.

قد يعجبك ايضا