استهداف لا يطال إلا البنى التحتية في سوريا وسط صمت دولي.. ماذا تريد تركيا؟

عاود النظام التركي ضرباته على عدة مناطق في شمال وشرق سوريا، وللمرة الثانية في تلك الهجمات يتأكد أنه بات لا يركز إلا على تدمير كل ما له صلة بالبنية التحتية في مناطق شمال وشرق سوريا، رغم أن هذه نوعية من الأهداف يجرم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني المساس بها.

ويرى مراقبون أن هذا تغير استراتيجي كبير في طبيعة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية، فيبدو واضحاً أنها تريد إجبار سكان تلك المناطق على مغادرتها، وإحداث الفوضى بها، تمهيداً لضمها إلى الدولة التركية في إطار “العثمانية الجديدة”، وسط حالة من الانشغال العالمي وخصوصاً الأمريكي بدعم إسرائيل وكذلك أوكرانيا.

ماذا حدث؟

ما أحدثته الضربات التركية الأخيرة، كشف عنها المجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة والذي ذكر في بيان أن الهجمات التركية أخرجت عدة مؤسسات خدمية عن الخدمة، في إطار حرب إبادة تستهدف سكان وأهالي هذه المناطق، في إشارة إلى مواصلة النظام التركي جرائمه.

وكشف البيان عن أن طيران العدوان التركي الحربي قصف البنى التحتية والمرافق الخدمية والحيوية في ريف ديرك وتربسبية ورميلان وجل أغا وفي عين عيسى، مؤكداً أن هذه الهجمات أدت إلى خروج هذه المؤسسات عن الخدمة والتي تقدم خدمات المياه والطاقة والزراعة لعموم المنطقة.

التفاصيل كانت أكثر وضوحاً في بيان الإدارة الذاتية الديمقراطية والذي كشف أن الهجمات التركية طالت البنية التحتية وتسببت بإصابات في صفوف المدنيين خلال الأسبوع الماضي وبدايات الأسبوع الجاري، حيث استهدف جيش الاحتلال التركي في عدوانه الهمجي الكثير من المدنيين ومنازلهم، وكذلك صوامع القمح في كوباني.

كما طالت الضربات التركية طواقم الإطفاء، ومحطة تحويل الكهرباء في عين عيسى وكوباني، ما أسفر عن قطع الكهرباء عن كوباني و 300 قرية حولها، وكذلك محطة الكهرباء في عامودا، وكذلك ناحية الدرباسية وريفها بما فيها مركز التموين، وأدت الهجمات العدوانية كذلك إلى إصابة طفلين وامرأة بسبب استهداف منزلهما في ريف الدرباسية.

وهذه الضربات تأتي للمرة الثالثة خلال آخر 3 أشهر تقريباً، وفي المرة الثانية كان التركيز واضحاً على المشروعات ذات الطابع الاقتصادي وتلك المتعلقة بالبنية التحتية، مثل مصانع إنتاج المواد الزراعية والمواد الغذاية، وكذلك المستشفيات والمراكز الطبية والمراكز التجارية والمخابز وكذلك محطات الوقود.

أجندة أردوغان

في هذا السياق، يقول الدكتور صلاح عبدالله الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الشعبي العربي، في تصريحات هاتفية لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن أردوغان لن يتخلى عن ضرباته سواء على مناطق شمال سوريا أو شمال العراق، لأنه ببساطة لديه أطماع وهذه الأطماع يقوم عليها مشروعه السياسي، وهو يرى أن تلك المناطق هي جزء من أراضي الدولة التركية.

وأضاف “عبدالله” أن الرئيس التركي يعتقد أنه بالإمكان أن يستغل حالة الاضطرابات التي ساهم فيها في تلك المنطقة ويستطيع السيطرة عليها، وهذا يأتي ضمن ما يسمى بالعثمانية الجديدة، ومن ثم نجده يحتل بعض المناطق التي يستطيع أن يحتلها، ويقوم بالقصف على مناطق أخرى، أو يقوم بدعم فصائل تتبعه في مناطق ثالثة، أو يدعم تيارات وأحزاب في مناطق رابعة.

وقال السياسي المصري إنه في هذا السياق تأتي الضربات التركية التي تستهدف إحداث مزيد من الفوضى في سوريا أو العراق، وتدمير ما يمكن تدميره خصوصاً البنى التحتية، ومن ثم إضعاف أي سلطات قائمة وإمكانية خروج أهالي تلك المناطق وتفريغها من سكانها، وهي ظروف تساعد أي صاحب أجندة توسعية أن يقوم بما يحلو له وأن يفرض نفوذه أو يتدخل بشكل مباشر، وصولاً إلى ضم هذه الأراضي لتصبح جزء من دولته.

وشدد الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الشعبي العربي على أن الفوضى في سوريا والخلافات داخل العراق عوامل تساعد على استمرار مشروع الرئيس التركي، وبالتالي فإنه يجب أن تكون هناك مسارات تقوي الدولة السورية والدولة العراقية، وأن تكون هناك حكومات تحظى بدعم شعبي وتمتلك القوة اللازمة لحماية أرضها وسيادتها على أراضيها، أما دون ذلك ستستمر تركيا في فرض أجندتها وفي ضرباتها هذه.

وقد كان ملاحظاً كذلك أن الضربات التركية تطال مراكز وحواجز أمنية، وهو أمر كان موضع انتقادات كبيرة من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية والمراقبين الذين يرون فيها دفعة لإحياء وجود تنظيم “داعش” الإرهابي في مناطق شمال وشرق سوريا وهي التي دفعت الثمن غالياً في حربها ضد الإرهاب والتي خاضتها نيابة عن العالم.

ملعب مفتوح وانشغال عالمي

عن أسباب الصمت الدولي تجاه الاعتداءات التركية، يقول محمد العالم المحلل السياسي بواشنطن، في تصريحات، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الولايات المتحدة انشغلت كثيراً حول ما يجري في قطاع غزة وإسرائيل، إلى جانب بالطبع الحرب في أوكرانيا، ومسألة الأوضاع في فلسطين ذات أهمية وأولوية الآن بالنسبة لواشنطن، ومن هنا تراجعت أهمية سوريا حالياً لا سيما أنها تمثل بالنسبة لأمريكا ساحة مفتوحة يمكن الدخول إليها والخروج منها في أي وقت.

وأضاف أن الولايات المتحدة لا يعنيها بسوريا في الوقت الحالي إلا مناطق نفوذها ومصالحها، وطالما أن تركيا لم تصل لهذه المساحة فلن يكون للجانب الأمريكي أي تحرك مضاد لأنقرة، خصوصاً أن الأتراك يتدخلون في تلك المناطق في إطار توافقات وموافقات من روسيا، والأخيرة شبه أنهت الأمر لصالحها في أوكرانيا، على نحو جعل واشنطن منشغلة بتداعيات ذلك وكذلك شكل النظام الدولي ومساع أطراف أخرى لكسر الهيمنة الأمريكية، وبدأت توجه اهتمامها إلى مناطق أخرى.

وقال “العالم” إن الوضع في سوريا الآن أصبح “تقسيمة” بمعنى أن لكل طرف منطقة يلعب فيها، ويحدث الصدام فقط عندما يحاول أي طرف الجور على الجزء الخاص بالطرف الآخر، وبالتالي شمال وشرق سوريا وربما الشمال السوري بصفة عامة أصبح الجزء الخاص بتركيا، وأي تحرك أمريكي لن يتجاوز قرارات من الكونجرس لن تكون ذات تأثير يذكر، ومع أجواء الانتخابات الأمريكية أصبح الاهتمام كله بإسرائيل وأوكرانيا.

وكانت الإدارة الذاتية الديمقراطية قد أكدت أن هذه السياسة المتبعة هي سياسة إبادة وتهجير وإفراغ المنطقة على غرار ما يحصل في المناطق الأخرى التي يحتلها النظام التركي، وكذلك محاولة للهروب إلى الأمام نحو توجيه الرأي العام التركي وخداعه وصرف انتباهه عن فشل حكومة أردوغان داخلياً وتصعيده غير المبرر خارجياً.

وأكدت كذلك أنها ستقف بحزم ضد هذه المحاولات وسياسات الإبادة والإنكار، وستواصل بناء مناطقها وتطوير إرادة شعبها، داعية المؤسسات الحقوقية والأممية والإنسانية لإدراك مخاطر هذا التصعيد وتداعياته على الوضع الإنساني والأمني، وكذلك جهود مكافحة الإرهاب.

جدير بالذكر أنه بالتوازي مع محاولات إجبار السكان على المغادرة من المناطق المستهدفة بالضربات الأخيرة، تواصل تركيا بناء مستوطنات في المناطق التي تحتلها وكذلك مناطق نفوذها لنقل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إليها ممن ليسوا من الشعوب الأصلية لتلك المناطق في جريمة تغيير دميغرافي واسعة النطاق.

قد يعجبك ايضا