جاءت الضربات الأمريكية – البريطانية التي استهدفت عشرات المواقع لجماعة الحوثيين في اليمن كرسالة واضحة لإيران وأذرعها في منطقة الشرق الأوسط لا سيما حزب الله اللبناني، بعد تحذيرات سابقة من واشنطن إلى طهران بضرورة عدم استغلال الحرب في غزة لتوسيع الصراع وتحقيق مكاسب.
وقد أتت ضربات فجر 12 يناير/كانون الثاني في إطار تحالف “حارس الازدهار” الذي شكلته الولايات المتحدة بهدف وقف اعتداءات جماعة الحوثيين على السفن المارة عند مضيق باب المندب أو البحر الأحمر، وهي الضربات التي طالت 60 هدفاً حوثياً ولم تستمر أكثر من 15 دقيقة، في وقت توعدت واشنطن بأنها مستعدة للمزيد إذا واصلت “أنصار الله” اعتداءاتها.
ماذا حدث؟
في السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني العام الماضي شنت إسرائيل هجوماً هو الأعنف على قطاع غزة، رداً على هجوم مباغت نفذته حركة حماس الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة، وكانت النتيجة أن هناك قرابة 100 ألف فلسطيني سقطوا بين قتيل وجريح، ومع تلك الهجمات تحركات جماعة الحوثيين الموالية لإيران وبدأت في استهداف السفن التي تقول إنها ذات صلة بإسرائيل المارة عبر البحر الأحمر.
وأعلن الحوثيون أن تلك الضربات تأتي تضامناً مع الشعب الفلسطيني وفي إطار الدعم لحركة “حماس” والأخيرة بدورها تحظى بدعم إيران، إذ يسيطر الحوثيون على مناطق واسعة من اليمن تقع معظمها على البحر الأحمر أحد أكثر قنوات الشحن العالمية كثافة، وحيث قناة السويس الممر الملاحي الدولي الأهم الذي يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وجاءت أول خطوة للحوثيين في 19 نوفمبر عندما استخدمت طائرة هليكوبتر لمهاجمة حاملة سيارات مستأجرة لشركة يابانية وتعود إلى رجل أعمال إسرائيلي، واحتجزت طاقمها ثم أعلنت أن جميع السفن التي ستمر من البحر الأحمر وذات صلة بتل أبيب ستكون هدفاً مشروعاً لقواتها، لتواصل استهدف السفن بالفعل، ورغم أن غالبية هجماتها قد فشلت، إلا أن أغلب الشركات في المقابل قررت الابتعاد عن البحر الأحمر والعودة إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، وهو ما زاد من تكلفة الرحلات التجارية وكذلك وقتها.
إزاء الهجمات الحوثين صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قبل نحو أسبوعين بأن ممارسات الجماعة اليمنية تتم بإيعاز من الجانب الإيراني، والأخير نفى بدوره أي صلة له بالهجمات لكنه أكد على أنه يؤيدها، في وقت بعث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رسالة عبر سلطنة عمان إلى “طهران” يحذرها من مغبة استغلال تطورات الأوضاع في غزة من أجل توسيع دائرة الصراع في المنطقة لتحقيق بعض المكاسب، بحسب تقرير سابق لوكالة أنباء رويترز.
وفي تحرك عملي، شرعت “واشنطن” في 18 ديسمبر/كانون أول في تشكيل مهمة بحرية للتصدي لهجمات الحوثيين، ولم يكن هناك أي تحرك تقوده أمريكا إلا في يوم 9 يناير/كانون الثاني عندما أسقطت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية 21 طائرة مسيرة تابعة لجماعة الحوثيين وصاروخاً كأكبر هجوم وقتها، وفي اليوم التالي أكد وزير الخارجية الأمريكي أن مزيداً من الضربات قد يؤدي إلى رد فعل عسكري، وهو ما قد كان وتم قصف 60 موقعاً لجماعة الحوثيين.
رسائل عديدة
في هذا السياق، يقول جوناثان بانيكوف المسؤول السابق بالاستخبارات الأمريكية، في تحليل نشر عبر موقع المجلس الأطلسي الأمريكي، إن تنفيذ مثل هذه الضربات الاستراتيجية تستهدف أولاً الحد من ضربات الحوثيين الذين لديهم جرأة نتيجة استفادتهم من الدعم الإيراني، كما أنها تحمل كذلك رسالة ذات معنى إلى وكلاء إيران الآخرين حول استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة في المنطقة.
وأضاف المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط أن واشنطن مستعدة لاستخدام القوة ليس فقط لحماية نفسها ولكن أيضًاً لحماية حلفائها وشركائها، موضحاً أنه بالنسبة لطهران، ربما يكون الحوثيون وكيلهم الأقل أهمية والأقل قابلية للسيطرة، إلا أن الضربات شكلت بالنسبة لها اختباراً يمكن من خلاله قياس رد الفعل الأمريكي على الهجمات التي تشنها الأذرع الإيرانية وعلى رأسهم حزب الله اللبناني.
ويقول “بانيكوف” إن الضربات الأمريكية البريطانية ضرورة مؤسفة، فمن الصحيح أنها تزيد خطر التصعيد الإقليمي، إلا أنه إذا تركت إيران ووكلائها ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أحرار في ممارسة “نفوذ إرهابي وخبيث” في جميع أرجاء المنطقة، فإن نشوب صراع إقليمي أوسع وأشد فتكاً سيكون أكثر احتمالية خلال الأشهر المقبلة، مشدداً على أن الأمر يتطلب مزيداً من الضربات على مواقع الحوثيين من أجل الردع الدائم للنظام الإيراني وأذرعه.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن عقب الضربات أنها أتت كرد مباشر على استهداف الحوثيين غير المسبوق ضد السفن الدولية المارة عبر البحر الأحمر والتي شملت استخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن لأول مرة في التاريخ، مؤكداً أنه لن يتردد في اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد جماعة “أنصار الله”.
وبالفعل، نفذ “بايدن” وعيده في اليوم التالي، إذ صرح مسؤول أمريكي بأن بلاده شنت ضربة جديدة في اليمن، بحسب ما نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، فيما قالت مصادر محلية لوكالة أنباء رويترز إنه قد سمع دوي 3 انفجارات قوية في قاعدة الديلمي العسكرية الواقعة بالقرب من مطار صنعاء.
مخاوف الصراع الإقليمي
بدوره، يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الضربات الأمريكية البريطانية التي طالت الحوثيين أتت بعد تحذيرات متتالية من “واشنطن” إلى الجماعة، إلا أن الأخيرة لم ترضخ لتلك التحذيرات وتجاهلتها واستمرت في استهداف السفن ذات الصلة بإسرائيل في البحر الأحمر.
وأضاف أن الضربات تأتي في توقيت حرج لمنطقة الشرق الأوسط، معرباً عن اعتقاده أن تلك الضربات القوية التي طالت 4 مدن يمنية أمر يعني أن الولايات المتحدة لم تعد تخشى مسألة فتح جبهة جديدة للحرب في المنطقة، ودخول بريطانيا كذلك يعني أنه يمكن أن يكون هناك أكثر من جبهة مشتعلة في الشرق الأوسط.
وقال “اليمني” إن تجاوز واشنطن مسألة الابتعاد عن فتح جبهة جديدة للصراع كما كانت تحرص خلال الفتنرة الماضية أمر يعني كثيراً من الخطورة ليس على إيران وأذرعها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان فقط، بل ستكون خطورته على كافة دول المنطقة، ولهذا فإن سيناريوهات الفترة المقبلة ستكون صعبة في ظل مؤشرات على أن الجانب الأمريكي تخلى عن حذره بشأن مسألة تمدد صراع غزة إلى بؤر أخرى في المنطقة.
وقد شن الحوثيون أكثر من 27 هجوماً تضررت منه 50 دولة بينهم 20 تعرضت أطقمها للتهديد وبعضهم احتجزوا كرهائن، فيما اضطرت 2000 سفينة إلى الابتعاد عن البحر الأحمر وسلك مسارات أخرى حول أفريقيا، على نحو تسبب في تأخر رحلات الشحن لأسابيع إلى جانب ارتفاع التكلفة في ظل عالم يعاني بالأساس أوضاعاً اقتصادية صعبة جراء الحرب الروسية – الأوكرانية.