كوباني ـ عمر محمد
تشهد حركة العمران في مناطق شمال وشرق سوريا تراجعاً كبيراً، بنسبة تصل إلى أكثر من 70 في المئة قياساً بأعوام ما قبل 2019، في ظل معوقات تعترض سبيل المستثمرين والعاملين في هذا المجال، تتدرج من المخاطر الأمنية والهجمات العسكرية التي تتصدرها هجمات تركيا وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وارتفاع تكاليف البناء قياساً بمحدودية الفائدة من بيع وآجار ورهن.
وتبدو ظاهرة تراجع حركة البناء والعمران أكثر وضوحاً في مدينة كوباني على الحدود السورية التركية، التي كان لها بعد هجمات تنظيم داعش عليها في عام 2014 والدمار الكبير الذي لحق ببنيتها التحتية، نصيباً كبيراً من الهجمات التي تنفذها تركيا والفصائل التابعة لها عبر الطائرات المسيرة والقصف المدفعي، وما تبع ذلك إلى جانب الدمار من توقف حركة العمران، وإحجام المستثمرين عنها جراء تلك الهجمات واستمرار التهديدات بتنفيذ هجوم بري في المنطقة.
ويرجع كاميران خليل، وهو أحد سكان مدينة كوباني، أسباب حالة الركود في الحركة العمرانية بالمدينة إلى مخاوف السكان والمستثمرين من الهجمات والاعتداءات التركية المتكررة، ويحمل في حديث لمنصة “تارجيت” الإعلامية الهجمات التركية مسؤولية شلل الحركة الاقتصادية بالمنطقة بشكل عام وخاصةً في الإنشائات ذاكراً بأن أصحاب رؤوس الأموال أوقفوا استثماراتهم في القطاعات العمرانية وذهبوا إلى مناطق أكثر أمناً على وحد وصفه كون النمو في هذا القطاع انخفض بنسبة 90 بالمئة.
ارتفاع نسب البطالة
أضرار وتداعيات جمود الحركة العمرانية في كوباني، انعكست وانساقت على العاملين في هذا المجال من مهندسين ومتعهدين وعمال عاديين، الذين كان لهم النصيب الأكبر من هذا الضرر، على اعتبار أنهم يعتمدون على هذه الأعمال في تأمين لقمة عيشهم وإعالة أسرهم، حيث تم توثيق ارتفاع كبير في نسب البطالة في المنطقة خاصةً للعمال المياومين.
وقال خليل مامو الرئيس المشترك لـ”اتحاد الكادحين” وهي مؤسسة معنية بشؤون العاملين في كوباني في تصريحاً لـ”تارجيت” بأن حالة الجمود بالحركة العمرانية أثرت على المنطقة وتطورها، من حيث توقف أي مشاريع معمارية أو مصانع أو معامل وغيرها ولا سيما بعد تزايد مخاوف الأهالي من القصف التركي على المنطقة وانسحاب المنظمات الإنسانية.
ويوضح مامو، أنه مسجل لدى “اتحاد الكادحين” في مقاطعة الفرات ثمانية عشر صنفاً من اليد العاملة، تضم نحو ألفي عامل يعملون في القطاعات المختلفة كالقطاع العمراني والإنشائي والقطاع الزراعي والصناعي وغيرها.
هجمات تركيا وداعش
وسبق الهجمات التركية المتواصلة على كوباني منذ عام 2016، هجوم تنظيم داعش الإرهابي على المدينة في عام 2014، وما خلفه من دمار كبير فيها، حيث أظهر تحليل لصور التقطتها الأقمار الصناعية أجرته الأمم المتحدة، بعد تحرير وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة للمدينة، أن أكثر من 3 آلاف مبنى دمر أو أصيب بأضرار كبيرة جراء المعارك وهجمات التنظيم.
ومن جانبه، يتحدث الرئيس المشترك لاتحاد مقاولي الفرات حكمت كوسا لمنصة “تارجيت” الإعلامية، عن أسباب الجمود والتراجع الكبير في حركة العمران في كوباني، مرجحاً السبب إلى جانب الهجمات التركية المستمرة على المنطقة، بإن ارتفاع أسعار المواد اللازمة للإنشاءات من حديد وإسمنت وتكلفتها المرتفعة، يزيد من الأعباء على المستثمرين والعاملين في هذا المجال أيضاً ، ولاسيما فيما وصفه بالتراجع “الكبير” في شراء العقارات وإحجام الناس عن وضع أموالهم في هذا القطاع، نتيجة المخاوف من الهجمات والتهديدات التركية.
واعتبر كوسا أن نسبة العمران في المنطقة هي بـ”الحد الأدنى” في الآونة الأخيرة، وأنه هنالك أكثر من مائة مقاول متوقف عن البناء مسجل لديهم، مشيراً إلى أن الاستثمار في المنطقة بقطاعاتها الإنتاجية المختلفة بحاجة إلى حالة من الاستقرار والأمن والحل السياسي المستدام.
يشار، إلى أن مدينة كوباني ليست الوحيدة التي طالتها الأضرار جراء الهجمات التركية، حيث تعرضت جميع القطاعات والمجالات الحياتية للسكان بما في ذلك القطاع العمراني في مدن ومناطق أخرى كالمالكية/ ديرك وقامشلو وعامودا والحسكة والقحطانية/ تربة سبيه وغيرها، لأضرار وشهدت جموداً كبيراً، إلى جانب الأضرار الكبيرة في المنشآت الحيوية والمرافق الخدمية والبنى التحتية الأساسية بالمنطقة من حقول نفط ومحطات كهرباء ومياه ومستشفيات ومراكز صحية ومنشآت تعليمية وخروجها عن الخدمة، جراء استهدافها بشكل مباشر من قبل الطائرات التركية الحربية والمسيرة.