تتصاعد وتيرة الانتقادات للسلوكيات التركية لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان أحدثها مقال كتبه 3 باحثين أمريكيين يؤكدون أن تركيا حليف غير موثوق فيه لأمريكا ويجب الحذر منه، متهمين النظام التركي بأنه وفر ملاذاً آمناً لتنظيم “داعش” الإرهابي، إلى جانب هجماته العدوانية على سوريا.
وقد نشر المقال في مجلة «ذا هيل» الأمريكية وكتبه المحلل السياسي بمعهد كاتو الأمريكي جوردان كوهين والذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج ميسون، بالاشتراك مع زميليه جوناثان إليس ألين وناردين مسعد الباحثين المشاركين بنفس المعهد.
الهجمات على المدنيين في سوريا
ويقول الباحثون في مقالهم أن تركيا تعمل ضد أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، موضحين أنه مع اندلاع الحرب بين غزة وإسرائيل، كثفت هجماتها ضد المدنيين في شمال سوريا، وهذه الهجمات هي أحدث مثال على الكيفية التي أدى بها سلوك تركيا العدائي إلىى التوتر بين أنقرة وواشنطن.
ويقول الباحثون إنه رغم ذلك، تواصل الولايات المتحدة إرسال الأسلحة والمساعدة الأمنية إلى تركيا حليفتها في “الناتو” جزئياً؛ على أمل أن توفر مثل هذه التطمينات ومبيعات الأسلحة للولايات المتحدة نفوذاً على أنقرة، إل أنه لسوء الحظ، فإن الدعم الأمريكي للأتراك يعمل في اتجاه عكسي، فلا يؤدي إلى زيادة النفوذ الأمريكي، كما يضر في الوقت نفسه بالأمن الأمريكي، وأيضاً يزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط التي يبدو أن واشنطن غير قادرة على تجاهلها.
مساعدة روسيا وحماس و”داعش”
ويقول الباحثون إن تركيا تقوم بأشياء أخرى تغضب واشنطن مثل مساعدة روسيا على تجنب العقوبات التي تفرض عليها بسبب غزوها أوكرانيا، وبالتالي فإن النظام التركي غالباً ما يتصرف بطرق مباشرة ضد المصالح الأمريكية.
وضربوا مثالاً آخر على إضرار تركيا بمصالح أمريكا وكذلك أهدافها وأمنها من خلال العمل كمركز وذراع تمويل رئيسي لحركة “حماس” الفلسطينية إلى جانب روسيا، والسماح لـ”داعش” بملاذ آمن في تركيا، واستضافة عناصر الإخوان الفارين من مصر، إلى جانب ذلك، وعلى نحو متصل، فإن حملتها العدوانية في سوريا تعرض حياة القوات الأمريكية للخطر بشكل متزايد.
وأشاروا كذلك إلى مماطلة تركيا في الموافقة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهو ما حدث من قبل بشأن موافقتها على عضوية فنلندا، واقتران ذلك بحصولها على أسلحة وأنظمة عسكرية أمريكية، كما أن أنقرة كادت أن تقلب الحلف رأساً على عقب من قبل عندما لوحت بإمكانية غزو اليونان.
وعن إضرار تلك السلوكيات التركية بجهود مكافحة الإرهاب، يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الولايات المتحدة ليست معنية في الفترة الأخيرة بشكل جاد بمسألة مكافحة الإرهاب، وإنما باتت منشغلة في قضايا وملفات أخرى مثل الوضع في غزة وحرب أوكرانيا.
وقال “البرديسي” كذلك إن واشنطن تستخدم ملف مكافحة الإرهاب لبعض الأهداف السياسية، وموقفها من ممارسات تركيا في مناطق شمال وشرق سوريا يأتي كاشفاً عن ذلك، إذ أن الإدارة الأمريكية ترى أنها بحاجة إلى أنقرة في الوقت الحالي، لا سيما في إطار التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط وما يجري في قطاع غزة، وكذلك الصراع السياسي مع موسكو.
وأكد خبير العلاقات الدولية على أنه بالفعل الضربات التركية على شمال سوريا لها انعكاسات سلبية كبيرة بشأن جهود مكافحة الإرهاب، وما تشكله من فرصة لإحياء نشاط التنظيمات الإرهابية في تلك المناطق، لكن هذا الأمر ليس في حسبان إدارة جو بايدن في الوقت الحالي.
دوافع واشنطن للصمت
وبالعودة مرة أخرى إلى المقال المنشور بمجلة «ذا هيل»، يؤكد الباحثون الأمريكيون أنه رغم ذلك أيضاً تواصل الولايات المتحدة تعاوناً اقتصاديا مكثفاً، وتقدم المساعدات الإنسانية، وكذلك الموافقة على مبيعات الأسلحة والمساعدة الأمنية التي قدرت قيمتها بحوالي 478 مليار دولار منذ تولى الرئيس بايدن منصبه.
وأوضحوا أنه نظراً لأن صناع القرار في الولايات المتحدة يركزون بشدة على الحفاظ على جميع التحالفات – وخاصة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي – فقد قبلت واشنطن تصرفات أنقرة، حتى تلك التي تتعارض بشكل مباشر مصالحها.
وفي ختام ما كتبوا، أكدوا أنه قد بات من الواضح أن تركيا شريك محفوف بالمخاطر وغالباً ما يتجاهل أهداف الولايات المتحدة، ثم يطلب الحصول على مساعدة للحصول على أسلحة أمريكية، وأشاروا إلى أن مؤشر مخاطر مبيعات الأسلحة التابع لمعهد كاتو يصنف تركيا كواحدة من أخطر 15 دولة متلقية للأسلحة الأمريكية.
علاقات متذبذبة
تعليقاً على ذلك، يقول الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الولايات المتحدة علاقاتها متذبذبة مع تركيا وبها كثير من الارتفاعات والهبوط، خاصة منذ أن سلح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي يعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المقابل من الأعداء.
وأوضح “شرقاوي” أن واشنطن تتعامل مع الكرد كجزء من المكونات السورية، كما أن توسعات “أردوغان” في شمال سوريا تؤثر على استقرار سوريا ومنطقة الشرق الأوسط على نحو يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، إلى جانب استهداف النظام التركي لدول حليفة لأمريكا في منطقة شرق البحر المتوسط مثل اليونان، وكذلك قبرص.
ولفت إلى أن وجود “أردوغان” في ليبيا بقوة وإرساله أكثر من 20 ألف من المرتزقة إلى هناك أحد أسباب التوتر، كما أن الأمريكيين لا ينسون مواقفه الداعمة لروسيا وإمدادها بالطائرات المسيرة التي تستخدمها في حرب أوكرانيا، وكأن الرئيس التركي يتنقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في مواقفه، مشيراً كذلك إلى موقف أنقرة من عضوية السويد وفنلندا في “الناتو”، وحرب غزة.
وأشار كذلك إلى أن تقرير الحريات الأمريكي يعتبر تركيا من أخطر الأماكن فيما يتعلق بالحريات والاختفاء القسري والديكتاتورية لا سيما بعد تعديل الدستور الذي جعل أردوغان يسيطر على كافة السلطات في الدولة، إلى جانب اعتقال الصحفيين وتكميم الأفواه، كما أن تركيا من بين أخطر متلقي الأسلحة الأمريكية، ولهذا نرى قدراً من التذبذب والارتباك في العلاقات.
وبشأن سيناريوهات هذا التوتر، قال المحلل السياسي الأمريكي إن علينا أن ننتظر المستقبل وما سيحمله خصوصا استضافة تركيا لعناصر جماعة الإخوان، وكذلك قيادات حركة حماس الفلسطينية، لافتاً إلى أن هناك قدر كبير من التناقضات في العلاقات بين أنقرة وواشطن خلال الفترة الاخيرة.
يذكر أن مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية كان قد زار تركيا قبل أسابيع بهدف حثها على الالتزام بالعقوبات التي تفرض على روسيا وعدم توفير فرصة أمام موسكو للإفلات منها، كذلك حثها على بذل مزيد من الجهد في مجال مكافحة الإرهاب، وسط انتقادات أمريكية متواصلة لموقف أنقرة من هاذين الملفين الخطيرين.