“استهزاء” بقضية السوريين وتحريك لملف التطبيع.. فيدان يدعو لـ”مصالحة” بين دمشق والمعارضة

بعد جمود لأشهر في ملف تطبيع العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق إثر معوقات وخلافات كثيرة بشأن العديد من الملفات، عاد وزير الخارجية التركي حقان فيدان لمحاولة تحريك الملف عبر تصريحات دعا فيها للمصالحة بين دمشق و”المعارضة السورية”، أثارت استياءً كبيراً في أغلب الأوساط السورية المعارضة، التي اعتبرت أن تركيا تبحث عن مصالحها فقط على حساب حقوق ومصالح الشعب السوري.

وزير الخارجية التركي حقان فيدان، قال يوم الخميس الماضي في تصريحات صحفية: “إن تركيا متمسكة بمنع نشوب صراع جديد بين النظام السوري والمعارضة كي لا يكون هناك مزيد من المهاجرين، وأضاف: “في بيئة يسودها الصمت يمكن نسيان الكراهية بين الجانبين ويمكن ظهور موقف تجاه السلام”.

وأشار فيدان، إلى أن “هناك صورة تم رسمها من خلال مسار أستانا ويجب حمايتها”، وأن تركيا تشارك في أنشطة دبلوماسية مكثفة وغيرها من الأنشطة لضمان استمرار الصراع في نقطة معينة وبقاء الأطراف على مواقفها الحالية، على حد تعبيره.

وبحسب متابعين، فإن تصريحات فيدان بشأن المصالحة بين حكومة دمشق و”المعارضة السورية” وتمسك بلاده بـ”مسار أستانا”، إلى جانب إثارتها ردود فعل منددة في أوساط السوريين، تؤكد صحة التقارير عن مساع روسية تركية إيرانية لجعل المسار هو البديل عن مخرجات مؤتمر جنيف ومخرجات الاجتماعات الأممية بشأن سوريا، من أجل رسم خارطة سيطرة وشكل للبلاد سياسياً وعسكرياً يتوافق مع مصالحها وتقاسم مناطق النفوذ، وفرض ما يشبه الأمر الواقع على السوريين.

تنديد واستنكار

الأكاديمية وعضوة اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض، قالت في مقال نشرته على إحدى قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي: “إن هناك صمت على مواقع وتشكيلات المعارضة تجاه تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ولا إشارة تذكر للاستخفاف المريع الذي ظهر بتصريحاته تجاه القضية السورية والانتهاكات الهائلة بحق الشعب السوري أرضاً وشعباً، وهو يدعو صراحة إلى ما أسماه “نسيان الكراهية بين الجانبين” قاصداً المعارضة ومنظومة بشار الأسد، حتى لا يخال للقارئ إننا نتحدث عن سيناريو مسلسل تلفزيوني ما، بل هو فعلياً يستهزأ بدماء مئات الألوف من السوريين ومعاناة ومأساة الملايين منهم في كافة أنحاء العالم، ليحول الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان بحق الشعب السوري إلى رواية “كراهية” بين جانبين، لا بل ويزيد بالنصح ليدعو إلى “بيئة من الصمت”.

وتضيف: “فعلياً كلا الجانبين وداعموهم ساعون للصمت على ما ارتكباه من انتهاكات بحق سوريا وأهلها، مما يفرض تساؤلاً مشروعاً عن ماهية الصمت المطلوب، الصمت عن قصف الشمال السوري كل يوم وعن ملايين السوريين المدنيين في تلك المناطق، أم عن الأطفال المحرومين من مدارسهم ورياضهم وابتسامتهم ودفيء بيوتهم، أم الصمت عن مساع تركية لمحو الثقافة السورية من أقاليمنا الشمالية، أم عن العنصرية والكراهية التي يعاني منها اللاجئون، أم عن حقوق السوريين في أرضهم وأرض أجدادهم، أم عن المقايضات في مساعي تطبيع بين الحكومة التركية وبين مجرم حرب ارتكب أعتى الانتهاكات بحق شعبه”.

وكانت تركيا وحكومة دمشق قد بدأتا في كانون الأول/ ديسمبر 2022 محادثات لتطبيع العلاقات برعاية روسية عبر لقاء بين وزيري دفاعيهما أولاً وخارجيتهما في وقت لاحق بموسكو، إلا أن هذه المحادثات توقفت منذ أشهر، في ظل خلافات عميقة بشأن عديد الملفات، أبرزها إصرار دمشق على ضرورة وضع جدول زمني لانسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية وإنهاء الاحتلال لمناطق بالشمال السوري كشرط مسبق للمضي قدماً بالمحادثات، وهو الأمر الذي ترفضه أنقرة وتصر على البقاء في سوريا وتطالب بعزل الملف عن مسار التطبيع.

وبحسب الدكتورة سميرة مبيض، “فإنه تجدر الإشارة إلى أن فيدان يدّعي في مواقع أخرى مناصرته لقضايا الشعوب، فنسمعه يقرّع الحكومة الاسرائيلية على ما ترتكبه من انتهاكات بحق الفلسطينيين ويظهر وكأنه يدافع عن المدنيين هناك، وبالأخص عمّا سماه سرقة أراضيهم، وذلك أمر حسنٌ للغاية،  فمُحاسبة الحكومة الإسرائيلية مطلبُ حق، وكذلك محاسبة منظومة بشار الاسد، وكذلك محاكمة كافة الأطراف التي انتهكت حقوق السوريين وحرمة أراضيهم، فلتكن اذاً جميع ملفات التهجير القسري على طاولة واحدة، لنضع الأقاليم الشمالية السورية، بعموم أراضيها ومواردها دون انتقاص في كفة الميزان وليشهد فيها التراب والحجر والشجر والأحياء وجدران المنازل، عن انتهاكات تهجير وعنصرية بحق العرب والكرد والسريان وغيرهم، أقواماً وثقافات”.

ومن جانبه، يقول الكاتب الصحفي والباحث السياسي إيهاب نافع: “إن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي هي تعبير عن وجهة النظر التركية في التعامل مع مخاوف المعارضة السورية التي احتضنتها تركيا على مدى سنوات الصراع المختلفة، واللقاء الذي جرى مؤخراً بين قادة المعارضة السورية ووزير الخارجية التركي، يمثل امتداداً لذلك الأمر، وربما المرحلة المقبلة ستشهد تقارباً بشكل أو بآخر بين تركيا والنظام السوري، وعليه فتركيا أرادت طمأنة المعارضة أنها ليست بعيدة عن هذا التقارب، وأنه خلال المرحلة القادمة سيكون هناك نوع من التهدئة، خاصةً أن هناك توجهاً دولياً لعودة التهدئة للأراضي السورية”.

ويضيف نافع في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، “أن تركيا تتحدث عن محاولات لعدم فتح مجالات جديدة للصراع بين المعارضة والنظام بشكل يهدد الأمن والاستقرار، إلى جانب محاولة “فض الاشتباك” السياسي بين قوى المعارضة السورية بشكل يعيد الأمن والاستقرار ويعيد الملايين من السوريين الذين هاجروا للخارج”، مشيراً إلى أن تركيا ستحتفظ لنفسها بحق التصرف في بعض المناطق السورية التي ترى فيها تهديداً من وجهة نظرها”.

البحث عن “نصر” انتخابي

ويقول محللون، إن الحكومة التركية حاولت ولا تزال تحاول، استغلال ملف التطبيع مع حكومة دمشق لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية في الداخل التركي عبر جعلها ملف ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم على رأس جدول محادثات التطبيع لإرضاء الشارع التركي مستغلة ازدياد حالة العداء والرفض للسوريين، وبالتالي الحصول على نصر انتخابي، لذلك حركت ملف التطبيع قبل الانتخابات الرئاسية وتعيد اليوم تحريكه والحديث عن إعادة اللاجئين قبيل الانتخابات البلدية المقررة نهاية آذار/ مارس القادم.

وتصر أطراف سورية معارضة على أن المسار الوحيد للمحادثات بشأن الحل السياسي في سوريا هو القرارات الأممية المتعلقة بسوريا وعلى رأسها القرار 2254 المتعلق بالانتقال السياسي، ومخرجات المؤتمرات الدولية لاسيما مؤتمر جنيف، رافضة أي مسارات أخرى بما في ذلك “أستانا وسوتشي”، ينظر إليها على أنها تخدم أجندات أطراف أخرى وتسعى لتحقيق أهدافها بعيداً عن مصالح السوريين.

قد يعجبك ايضا