تتواصل معاناة اللاجئين السوريين في تركيا ليس في مواجهة نظام أردوغان الذي يتاجر بهم والآن يضيق عليهم وحسب، وإنما حتى من المعارضة الذين بدأوا يهاجمون وجود السوريين وغيرهم بضراوة، في وقت كشف تقرير للاتحاد الأوروبي عن إرسال كميات ضخمة من الأمول إلى “أنقرة” لإنفاقها على اللاجئين ولا يعرف أين ذهبت.
وفي وقت يواصل النظام حملة مسعورة ضد اللاجئين السوريين، فجأة ظهر أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول والمنحدر من حزب الشعب الجمهوري ينتقد سياسات الحكومة التركية بشأن استقبال الفارين من حرب سوريا في السابق، ويرى أن البلاد ستدفع لذلك الأمر ثمناً غالياً بعد 30 أو 40 سنة، أي أن الهجوم ضد اللاجئين أصبح من الحكومة ورموز المعارضة.
استغلال اللاجئين
حول أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، يقول نهاد القاضي الناشط الحقوقي العراقي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا تستغل ورقتهم سياسياً في مواجهة الدول الأوروبية، فقد استقبلتهم وهي من لعبت دوراً رئيسياً في تهجيرهم من ذلك العمليات التي قامت بها في شمال سوريا، وكذلك دورها في الاضطرابات في سوريا بصفة عامة.
وأضاف “القاضي” أن “أنقرة” تمارس الضغوط على أوروبا بورقة اللاجئين لبعض الأهداف السياسية، منها على سبيل المثال صمت دول القارة على الانتهاكات التي تقوم بها تركيا في مناطق شمال وشرق سوريا من خلال الضربات التي تتكرر من وقت لآخر، والأوروبيون بالطبع لديهم مخاوفهم من أي موجة لاجئين إذا فتح لهم أردوغان الباب في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية.
وقد أثارت تصريحات “إمام أوغلو” بشأن اللاجئين الذين اعتبرهم أكبر مشكلة تواجه بلاده، بحسب تصريحاته، لا سيما أنها تأتي قبيل نحو 3 أشهر من إجراء الانتخابات البلدية، غضباً واستهاجاناً، إذ يتوقع مراقبون أن يكون ملف اللاجئين واحداً من الأمور التي ستلعب دوراً في توجيه أصوات الناخبين، كما أن الحال سيكون كذلك فيما يتعلق بالملف الكردي.
وتفيد أحدث الإحصاءات الرسمية في تركيا بوجود نحو 3.7 مليون سوري لديها من الحاصلين على “الحماية المؤقتة”، فيما بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية نحو 230 ألفا، ويتركز منهم نحو 530 ألف لاجيء في مدينة إسطنبول، بينما تحتل مدينة غازي عنتاب المرتبة الثانية باستضافتها نحو 450 ألف لاجيء سوري، فيما توزع أعداد أخرى كبيرة منهم في مدن جنوب شرق البلاد.
أمول اللاجئين
وفي العام الماضي ذكر تقرير للاتحاد الأوروبي أنه قد قدم 10 مليارات يورو منذ عام 2011 لدعم اللاجئين في تركيا، وذلك بحسب ما جاء في التقرير السنوي السابع عشر بخصوص موضوع اللاجئين لدى هذه الدولة الذي نشره الاتحاد عبر أحد مواقعه الرسمية، كاشفاً عما استفادت به أنقرة من هذا الملف.
في هذا السياق، يقول عادل خطاب مسؤول ملف المهاجرين والأجانب في الحزب الليبرالي الإيطالي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن دول الاتحاد الأوروبي تعلم جيداً أن هذا المبلغ لم يتم إنفاقه بالكامل على اللاجئين السوريين في تركيا، وأن إنفاقه عليهم مجرد كلام على ورق وأنه غير صحيح، مشيراً إلى أن أنقرة استخدمت هذا الملف بالأساس للضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على الأموال أو لبعض الأغراض السياسية.
وانتقد “خطاب” سوء معاملة اللاجئين السوريين في تركيا وارتفاع معدلات العنصرية ليس ضد اللاجئين فحسب بل ضد كل العرب المقيمين في الأراضي التركية، مؤكداً أنه قد تم رصد تلك الممارسات التي تزداد يوماً تلو الآخر حتى من قبل المعنيين بملف اللاجئين وكثير من المنظمات الأوروبية، ولكن المشكلة أن هناك بعض المواءمات السياسية بين أوروبا وأنقرة قد تدفع تلك الدول للصمت.
وفي ختام تصريحاته، يقول مسؤول ملف المهاجرين والأجانب بالحزب الليبرالي الإيطالي أن اللاجئين السوريين في تركيا يطعنون مرتين، الأولى باستغلال النظام التركي للأموال التي يتم الحصول عليها مقابل استضافتهم في أمور أخرى لا تخصهم، والطعنة الثانية تتمثل في العنصرية التي يواجهونها، هذا إلى جانب معاناتهم الأساسية عندما فروا من الحرب، لا سيما أن كثيراً منهم يكافحون من أجل كسب قوت يومهم في أي بلد ذهبوا إليها ولا تعتمد حياتهم فقط على مثل هذه الأموال.
هكذا أنفقت الأموال
عن هذه الأموال أيضاً، يقول رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا تلقت تلك الأموال وكان يتم إنفاقها داخل الأراضي التركية، في الوقت الذي كانت تدعي “أنقرة” أنها تنفق من خزينتها على السوريين، ونحن نعلم أنه منذ عام 2016 وما قبل بات ملف اللاجئين السوريين في تركيا ورقة متاجرة لدى حكومة أردوغان.
وأضاف أن هذا الأمر ظهر بوضوح منذ 2015 عندما رأينا النظام التركي يفتح المعابر، ما دفع آلاف اللاجئين للاتجاه نحو أوروبا، وبالتالي وجدت الدول الأوروبية نفسها مضطرة إلى دفع ملايين اليوروهات للسلطات التركية لوقف هذه الموجات، كما عملت على تمويل تكلفة معيشة السوريين، لكن هذه الأموال جزء منها كان ينفق على اللاجئين السوريين بالفعل، وجزء منها ينفق على البلديات التي يوجد فيها اللاجئون، وفي النهاية المنفق على اللاجئين لا يتعدى في أقصى الحالات ما نسبته 40% من الأموال.
وبسؤاله حول تفسيره لهذه النسبة الضعيفة ومصير بقية الأموال وما إذا كان ذلك يعني نهباً لها، أجاب “عبدالرحمن”، بأنه لا يمكن القول إنها نهبت، ولكنها استخدمت على نحو يخدم المصالح التركية بالأساس وليس اللاجئين السوريين الذين تمارس العنصرية بحقهم من قبل السلطات التركية في الآونة الأخيرة، بل أن هذه السلطات حملت اللاجئين عبء الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تواجهها، وتحملوا كذلك فشل إدارات البلديات التي يتواجد فيها اللاجئون السوريون.
أموال بلا رقيب وسط ابتزاز تركي
وكانت تركيا تأخذ تلك الأموال مقابل المعاملة الحسنة لأناس فروا من جحيم الحرب داخل بلادهم، لكن الأشهر الماضية لهم في تركيا حملت لهم كثيراً من الأوجاع بسبب العنصرية والترحيل القسري والحملات الأمنية المكثفة ضدهم والاعتداءات اللفظية والجسدية التي وصلت إلى القتل في بعض الأحيان، وهذه الوضعية تفرض تساؤلات عدة حول مصير الأموال التي حصل عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقابل استضافتهم.
بدوره يتفق مصطفى صلاح الباحث المصري المتخصص في الشأن التركي في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية مع ما ذكره مدير المرصد السوري، إذ قال إن أوجه إنفاق تركيا للأموال التي حصلت عليها من الدول الأوروبية نظير احتضان اللاجئين السوريين أو على الأقل أعداداً كبيرة منهم من الأمور التي تثير كثيراً من علامات الاستفهام والتساؤلات، خصوصاً أنه لم تكن هناك أية آلية متفق عليها بشأن مراقبة أوجه إنفاق الأمول الأوروبية المقدمة للاجئين.
وأوضح “صلاح” أن عام 2015 شهد اتفاقاً بين تركيا والاتحاد الأوروبي على تمويل مخيمات اللاجئين والخدمات التي تقدمها أنقرة لهم، وكان الاتفاق وقتها بقيمة 3 مليار يورو، وللتأكيد كان لهذا الاتفاق ترحيباً كبيراً داخل تركيا، بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن بلاده ستظل موطناً للاجئين السوريين إلى حين حل الأزمة وعودتهم مرة أخرى إلى وطنهم.
ولفت الباحث المصري إلى أن المشكلة أتت عندما بدأت الدول الأوروبية ترى أن الأموال المقدمة منها للاجئين السوريين لا تنفق على النحو المرجو، وأنه في ظل غياب الرقابة هناك إمكانية أن توجه تلك الأموال إما إلى خزينة الدولة التركية أو يستولي عليها بعض السياسيين الأتراك، وبالتالي يمكن وصفها بأنها “كانت أموالاً بلا رقيب”.
وأوضح “صلاح” أن تركيا استغلت ملف اللاجئين للحصول إما على أموال أو تنازلات من الدول الأوروبية في بعض الملفات والقضايا، مؤكداً أن عدم تضمين أوروبا بنوداً تتعلق بمراقبة أوجه إنفاق تلك الأموال ليست سذاجة بقدر ما كانت تلك الدول لا يعنيها إلا وقف موجات اللجوء إليها، لكن نتيجة عمليات الابتزاز التركي والعنصرية التي تعامل بها الأتراك مع اللاجئين بدأت هذه الدول تغلق “محبس الأموال” وتفكر في بدائل.
وأكد الباحث في الشأن التركي أن الموقف الأوروبي بشأن اللاجئين اتجه لفكرة إقامة مخيمات لهم داخل سوريا، أي مكافحة الأزمة من المنبع، وقد اعتمدت أوروبا في ذلك على الكرد وليس الأتراك، وهنا بدأ النظام التركي يضيق صدره بوجود اللاجئين لأن الأموال التي تأتيه من خلفهم شبه توقفت، فبدأت عمليات الترحيل القسري لهم والتي تشكل نوعاً من الابتزاز المتواصل للدول الأوروبية من أجل المال.
وتشهد الأشهر الماضية إطلاق الرئيس التركي خطة لإعادة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين قسراً إلى ما يصفها بالمناطق الآمنة في شمال سوريا، وهي المناطق التي احتلتها تركيا وتدأب على بناء مستوطنات فيها، لكن خلف تلك المستوطنات أهدافاً تتعلق بتغيير التركيبة الديمغرافية عبر ضخ السوريين العرب وتوطينهم على حساب السكان الأصليين، وقد لا يستبعد أن يكون جانباً من الأموال الأوروبية وجهت لبناء هذه المستوطنات.