تواصل تركيا ضرباتها على مناطق شمال وشرق سوريا مستهدفة المدنيين والبنى التحتية ولا تتورع عن إزهاق أرواح الأبرياء بمخالفة جليّة لكل معايير القانون الدولي، ورغم ذلك فإن تلك الهجمات التي ترتقي إلى جرائم حرب يتم مقابلتها بصمت دولي مؤسف، على نحو يدفع النظام التركي إلى التمادي أكثر في اعتداءاته وانتهاكاته.
ويجمع خبراء ومراقبون للشأن السوري على أن مسألة الصمت الدولي تعود إلى أمرين رئيسيين أولهما حالة الانشغال الكبيرة بتطورات الحرب في غزة وكذلك الحرب الأوكرانية، وفي نفس الوقت المصالح التي تجمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبعض الدول منها الولايات المتحدة المنشغلة بدورها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
حسابات الدول والحاجة إلى جهد كردي
في هذا السياق، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي الدكتور تيسير عبدالجبار الألوسي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية إن المواقف الدولية السلبية إزاء الهجمات التركية على شمال وشرق سوريا عديدة وكثيرة، فبعض الدول منشغلة بقضايا وخلافات داخلية مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي يتركز التفكير فيها حالياً حول الانتخابات الرئاسية التي ستجرى نهاية العام الجاري.
وأضاف أن هذا الصمت الدولي يعود كذلك إلى أولويات القضايا التي ينشغل بها المجتمع الدولي، فالاتحاد الأوروبي منشغل في الصراع أو الحرب في أوكرانيا وتقديم الدعم اللازم لها، كما أن هناك مشروعات استراتيجية تتعلق بدول الشرق الأوسط، إلى جانب تعقيدات العلاقات مع دول مثل إيران وتركيا نفسها.
وأكد “الألوسي” أن مما يخلق بعض من التنحي في مكانة القضية الكردية أو السلبية تجاهها هو طابع أوضاع المنطقة وتعقيد الصراعات فيها، ووقوف الدول أسيرة لحلول تكتيكية تخدم مصالح آنية مستعجلة فقط لا استراتيجية تخدم مصالح الشعوب، مؤكداً أنه في نهاية المطاف سينتصر النضال الكردي.
وشدد الأكاديمي العراقي على أن هذا الوضع يستدعي تحركاً من قبل الجهات الكردية الفاعلة للتواصل مع المجتمع الدولي والدول المؤثرة، ليتم وضع القضية الكردية في الواجهة ولفت الأنظار إليها، وكذلك توضيح ما يجري بحق شعوب كردستان في الأقاليم الأربعة.
استغلال الانشغال بحربي غزة وأوكرانيا
بدوره، يقول هاني الجمل الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن النظام التركي يعتمد دائماً على فكرة استغلال الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة في ظل الخلافات بين دول العالم وانسحاب تلك الدول إلى نقطتين ساخنتين كبيرتين هما الحرب الروسية الأوكرانية من جهة والحرب في غزة من جهة أخرى.
وأضاف أنه بالتالي خلافات العالم كله تقريباً باتت متركزة على هذه المناطق، ولهذا تتجه الإداره التركية إلي تصفية حساباتها مع الكرد سواء في سوريا أو العراق، لكن الملاحظ في هذه العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية أنها تركز على ضربات ذات أهداف اقتصادية، خصوصاً أن ذلك يأتي بعد الإعلان عن العقد الاجتماعي في مناطق الإدارة الذاتية، وبالتالي كأنها تريد إفشال تلك التجربة.
وقال الباحث السياسي إنه رغم العلاقات الجيدة بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والإدارة الأمريكية لا سيما التعاون في ملف مكافحة الإرهاب، إلا أن واشنطن منشغلة بشكل كبير بالحرب في غزة وتحركاتها لصياغة شرق أوسط جديد، والذي -للمفارقة- يتوافق ويتلاقى مع الرغبات التركية في المنطقة، وبالتالي المنطقة والعالم يمر بظرف دقيق وصعب يستغله النظام التركي لتوجيه هذه الضربات النوعية في شمال سوريا وكذلك العراق.
وقال “الجمل” إنه من الصحيح أن أمريكا تدعم قوات “قسد” بشكل أو بآخر، لكنها أيضاً في الوقت الراهن رغم وجود ضربات تركيا تخشى أي صدام مع أنقرة، خوفاً من أن تتجه الأخيرة نحو إيران أو روسيا، وبالتالي تفقد التنسيق مع الجانب التركي في منطقة معروفة أنها رخوة أمنياً و الممتدة بين الأراضي السورية والعراقية.
وعبر الباحث في الشؤون الإقليمية عن خشيته أن يكون الصمت الأمريكي حيال الضربات التي تطال الكرد عبارة عن قناة خلفية للتوافق بين أمريكا و إيران، من خلال غض واشنطن الطرف عما يحدث للكرد وإفشال فكرة الحكم الذاتي أو الفيدرالية في الشمال السوري، لا سيما وأن هناك عديد من الملفات والمصالح المشتركة بين طهران وواشنطن.
الوقت الراهن وفرصة أردوغان
بدوره، يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية إن الرئيس التركي يستخدم ملف الحرب على غزة حتى ينفذ بعض الأهداف التي كان يخطط لها بعد الانتخابات التركية الأخيرة، مضيفاً أن أردوغان لا ولن يخرج من منطقة الشرق الأوسط وخاصة ليبيا وسوريا، وبالأخص مناطق شمال وشرق سوريا.
وأضاف “اليمني”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن أردوغان لديه أطماع في ثروات سوريا ويرى أن الولايات المتحدة تستفيد منها بشكل كبير وهو يريد أن يتقاسمها مع واشنطن، وهنا يمكن الحديث عن لغة المصالح بين تركيا ودول أخرى والمواءمات التي تحدث في عديد من الملفات.
ولفت إلى أن الرئيس التركي لديه أجندة واضحة ولديه أطماعه، وهو يستغل التوقيت الحالي لتنفيذ ما يريده، ويستفيد كذلك من انشغال الإعلام الدولي بالحرب على قطاع غزة بنسبة 98%، فهناك كثير من الأزمات الخطيرة في المنطقة لكن للأسف التركيز كله حول الأوضاع في فلسطين، وبالتالي هذه فرصة لا تعوض بالنسبة للنظام التركي.
وطالت الضربات التركية التي أسقطت مدنيين بين قتلى ومصابين مصانع لإنتاج المواد الغذائية والمواد الزراعية ومراكز طبية ومحطة وقود ومراكز ومقار أمنية وتجارية وعدداً من منشئات البنية التحتية، تزامناً مع هجمات لميليشيات موالية للاحتلال التركي في مناطق شمال وشرق البلاد.