إدلب – محمد زينو
يدفع فقدان مصادر الطاقة والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وغلاء أسعاره وارتفاع تكاليف الطاقة البديلة بما في ذلك “ألواح الطاقة الشمسية”، السكان في شمال غربي سوريا، للبحث عن مصادر طاقة بديلة ومبتكرة تكون أقل تكلفة وقابلة للاستمرار والاستدامة وتوفر الاحتياجات، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها أيضاً.
بشار عيسى (29 عاما)، نازح من حلب ويسكن على أطراف مدينة إدلب شمال غربي سوريا، دفعته الحاجة لطاقة بديلة منخفضة التكاليف، إلى البدء بمشروعه الخاص وبأدوات بسيطة دون الحاجة لأجهزة متطورة ووسائل صناعية ضخمة، لتوفير الكهرباء له ولعائلته باستخدام بطاريات الليثيوم.
بشار الأب لأربعة أطفال والذي عاد إلى دراسته بعد انقطاع لسنوات، صنع خزاناً للطاقة عبر محرك من بطاريات الليثيوم يعمل عن طريق الهواء، يتم شحنه عن طريق مولد يدوي قام بتصنيعه هو أيضاً ويتألف من محرك دراجة كهربائية، ما أثمر أخيراً عن توليد الطاقة ولو بكمية قليلة له ولعائلته، على أمل توسيع مشروعه مستقبلاً ليستطيع توفير التيار الكهربائي لمساحة أكبر من حي وبلدة ومدينة.
وتعاني سوريا عموماً ومناطق شمال البلاد بشكل خاص من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، بعد تدمير شبه كامل للبنى التحتية للطاقة جراء الحرب، وتعرض محطات التوليد والشركات وخطوط النقل للتخريب والنهب، وعدم القدرة على الإصلاح في ظل استمرار الحرب.
الحاجة أم الاختراع
ويتحدث بشار لمنصة “تارجيت” الإعلامية عن مشروعه، ويوضح أنه وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غربي سوريا شباط العام الماضي وعدم توفر الكهرباء، حاول البحث عن طاقة بديلة أقل تكلفة وتلبي الاحتياجات، فقام بجمع بطاريات الليثيوم من الأجهزة الإلكترونية التالفة “الخردة”، وصنع محركه الخاص الذي يعمل عن طريق الهواء، إلى جانب تصنيعه مولد لشحنه من محرك دراجة قديمة يعمل بالقوة الهدرليكية اليدوية، ما مكنه أخيراً من الحصول على تيار كهربائي بشكل مجاني، مؤكداً أنه استطاع كتجربة أولى تشغيل كهرباء المنزل لديه لمدة ساعتين مع تحميل الثلاجة وبعض الأدوات والشواحن من خلال عدد قليل من البطاريات.
ويقول بشار في حديثه “حاولنا نجمع بطاريات ليثيوم لعمل محرك يعمل على الطاقة الهوائية، وحسب سرعة الهوا بينتج معنا 48 فولط و11 أمبير بالطاقة القصوى، والإمكانيات كتير ضعيفة عنا ونجمع البطاريات من الخردة في منها بيطلع شغال ومنها بيطلع عاطل، وبطارية الليثيوم تجي عالية الجودة بس أسعارها غالية”.
ويضيف لمنصتنا، أنه يتوقع أن يكتب النجاح لمشروعه الذي أنهى نسبة 50 في المئة من العمل التجريبي عليه، ومتبقي له نسبة خمسين ويكون مشروعه جاهزاً بشكل أوسع وشامل ويضع حداً لمشكلة انقطاع الكهرباء ودفع الفواتير التي لا تتحملها المداخيل البسيطة، ويعتبر أنه على الجميع اللجوء إلى الطرق البديلة للحصول على الطاقة وعدم الاعتماد على الكهرباء التي لا تتوفر وتنقطع بشكل متكرر عدا عن ارتفاع تكلفتها وأسعارها.
ولا يعتبر مشروع بشار الأول في من نوعه في سوريا التي دفعت الحرب وما خلفته من تبعات أبناءها للبحث عن اختراعات لمواجهة الأزمات المتلاحقة التي يواجهونها والتي لا تقتصر على الكهرباء، حيث سبق وأن توصل شاب سوري آخر إلى توليد التيار الكهرباء عبر الطاقة الكامنة للنباتات، بعد تصنيعه جهازاً منخفض التكاليف لتحويل هذه الطاقة إلى كهرباء، في حين اخترع آخرون أجهزة للتنفس وأخرى للتسخين والتكييف وغيرها.
وأشار بشار، إلى أنه إضافةً للعمل على توليد الكهرباء المنزلية، فإنه يعمل على تحويل الدراجة الهوائية إلى كهربائية باستخدام بطاريات الليثيوم أيضاً، وصولاً إلى التخلص من مشكلة نقص المحروقات وما يتبعها من أزمات، والحصول على وسيلة نقل لا تحتاج إلى محروقات وبشكل مجاني، وفق تعبيره.
صعوبات وعراقيل
وعن الصعوبات التي تعترض مشروعه وتعرقل عمله يوضح بشار، أن ارتفاع أسعار بطاريات الليثيوم والتي تصل لـ3 دولارات للبطارية الواحدة، وفقدانها في مناطق شمال غربي سوريا، واضطراره للبحث عن الأجهزة الكهربائية المعطلة لاستخراج هذه البطاريات منها والتي غالباً ما تكون فاقدة للقدرة على حفظ الطاقة، هي من أكثر التحديات التي تواجه عمله، لافتاً إلى أنه يضطر للذهاب إلى محال وبسطات الأدوات الأوروبية المستعملة وشراء بعض الأدوات للبحث عن بطاريات الليثيوم بداخلها، وقد لا يوفق بالحصول على بطاريات صالحة للاستعمال، إلا أن أسعارها المنخفضة قياساً بسعر البطارية الواحدة الجديدة تدفعه للجوء إليها.
يذكر، أنه ومنذ عام 2020، منحت المؤسسة العامة للكهرباء التابعة لحكومة “الإنقاذ” التابعة بدورها لـ”هيئة تحرير الشام” في شمال غربي سوريا، استثمار الكهرباء في المنطقة لشركة “غرين إنرجي” التركية، وسط تقارير عن أنها أصبحت محتكرة لقطاع الطاقة بالمنطقة، وحولته إلى مجال للاستثمار لأصحاب رؤوس الأموال الذين بدأوا بشراء “ألواح الطاقة الشمسية” لتزويد خطوط الشركة بالكهرباء مقابل مردود مادي أو حصة من أسعار الكهرباء التي تباع للسكان، الذين باتوا الضحية الأبرز ودفعوا الضريبة الأكبر لذلك في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء.