تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران والفصائل التابعة لها وجماعة حزب الله اللبناني من جهة أخرى في سوريا منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في ظل تزايد الاستهدافات والقصف المتبادل وسقوط قتلى وجرحى بينهم قياديون في الحرس الثوري الإيراني.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن طائرات إسرائيلية شنت فجر الثلاثاء غارات على موقع عسكري لقوات حكومة دمشق في منطقة كناكر بريف دمشق الجنوبي تتواجد فيه مجموعة تابعة لجماعة حزب الله اللبناني، وذلك بعد بسماع دوي انفجارات عنيفة في مدينة الميادين ومحيطها بريف دير الزور الشرقي، شرقي سوريا فجر الاحد، ناجمة عن سقوط صواريخ في المدينة التي تنتشر فيها فصائل تابعة لإيران، بالتزامن مع تنفيذ طائرات حربية أمريكية غارتين على موقعين لتلك الفصائل في جبل العمال والمطار القديم في مدينة دير الزور.
وكانت طائرات يرجح أنها إسرائيلية، استهدفت مساء الجمعة مواقع ومستودعات ذخيرة وآليات عسكرية وشحنات أسلحة للفصائل التابعة لإيران وجماعة حزب الله اللبناني في المربع الأمني الإيراني قرب دوار الهجانة بمدينة البوكمال و”الفوج47″ بريفها في ريف دير الزور شرقي سوريا على الحدود السورية العراقية، ما أسفر عن مقتل 25 عنصراً بينهم 20 من جنسيات عراقية ولبنانية وإيرانية، وذلك بعد يوم واحد فقط على قصف جوي إسرائيلي استهدف مقرات ومستودعات أسلحة للفصائل التابعة لإيران في منطقة مطار النيرب العسكري قرب مطار حلب الدولي، ما أسفر عن مقتل خمسة عناصر من تلك الفصائل، وفقدان ثلاثة مدنيين سوريين لحياتهم بينهم طفلان.
ويوم الخميس الماضي، تحدثت تقارير إعلامية ومصادر سورية، عن مقتل 11 قيادياً في الحرس الثوري الإيراني، جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت محيط مطار دمشق الدولي، الذي كان قد عاد للخدمة في اليوم ذاته بعد تعطله لأكثر من شهر جراء غارة إسرائيلية أيضاً، مشيرةً إلى أن القياديين القتلى كانوا في استقبال وفد إيراني رفيع في المطار قبل استهدافهم، وذلك بعد ثلاثة أيام من إعلان الحرس الثوري الإيراني مقتل القيادي فيه “سيد رضى موسوي” بقصف إسرائيلي على منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق، وقال إن القيادي كان في “مهمة استشارية” في سوريا.
صراع غير مباشر باستخدام أدوات
الكاتب والمحلل السياسي حسام النجار، قال: “إنه نسمع بين الفترة والأخرى عن ضربات ومناوشات بين أمريكا وإيران وكذلك بين إسرائيل وإيران، فهل هم على خلاف أو بينهم صراع وهل مصالحهم في خطر، وهل تلك الضربات تؤثر على كل الأطراف”، مضيفاً في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن الصراع بين أمريكا وإيران لم يكن مباشراً وإنما بواسطة الأدوات، والهدف منه مختلف بالنسبة لكل جهة، فإيران تتهرب من مسؤولية ضرب القواعد الأمريكية وتنسبها لـ”المقاومة العراقية”، في حين أن أمريكا ترد لمجرد الرد وليس الغاية القضاء على هذا الخطر، وعليه فإن النقطة الأساسية هي إبقاء المنطقة تحت السيطرة الأمريكية، والادعاء أن هناك حاجة ماسة لبقاء أمريكا في المنطقة.
الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على مواقع فصائل إيران في سوريا، تقابلها هجمات صاروخية وعبر الطائرات المسيرة، تستهدف القواعد والقوات الأمريكية في سوريا والعراق، دائماً ما تعلن ما تسمى بـ”المقاومة الإسلامية بالعراق” التي تضم عدة فصائل موالية لإيران مسؤوليتها عنها، وتقول إنها تأتي رداً على القصف الإسرائيلي في قطاع غزة.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء، تعرض القواعد الأمريكية في مطار “خراب الجير” بريف مدينة رميلان وبريف المالكية/ ديرك وقرب ناحية الشدادي شرقي سوريا، لقصف بالطائرات المسيرة والصواريخ، حيث سمع دوي انفجارات في هذه القواعد دون وقوع إصابات أو أضرار، وسط محاولات من قبل الدفاعات الأرضية التابعة للتحالف الدولي التصدي للهجوم، قبل أن تعلن “المقاومة الإسلامية بالعراق” مسؤوليتها عن هذه الهجمات في وقت لاحق.
وجاء ذلك، بعد تعرض قاعدتين للقوات الأمريكية في كل من حقل “العمر” النفطي وحقل “كونيكو” للغاز بريف دير الزور الشرقي لهجوم مزدوج بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل الفصائل التابعة لإيران، حيث سمع دوي انفجارات بالقاعدتين، ليرتفع عدد الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا منذ التاسع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى 69 هجوماً، بحسب ما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما أكد المرصد، أن إسرائيل استهدفت الأراضي السورية منذ مطلع العام الماضي 76 مرة، 51 منها جوية و25 برية، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 154 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات عسكرية ومراكز وآليات، وتسببت بمقتل 151 عنصراً من قوات الحكومة السورية والفصائل التابعة لإيران وجماعة حزب الله اللبناني وإصابة 154 آخرين، إضافةً لفقدان أربعة مدنيين لحياتهم وإصابة آخرين.
صراع نفوذ
وبحسب النجار، “فإن صراع إيران وإسرائيل، هو رغبة الأخيرة في تحجيم وتقليل قدرة إيران العسكرية في سوريا وكذلك منع مد حزب الله اللبناني بالأسلحة المتطورة كي لا يشكل هاجس أمني لها، في حين تحاول إيران التي تقاتل بأدواتها أن تكون عنصر فاعل في المنطقة، وأن الحرب والسلم لا يمكن أن يحصل دون المرور عبر قنواتها وتؤكد لدول المنطقة سيطرتها وسطوتها العسكرية”.
وتطالب جهات سورية معارضة وحقوقية، حكومة دمشق باتخاذ موقف من الهجمات التي تطال سوريا وتحويل أراضي البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول والامتناع عن اتخاذ موقف المتفرج، على اعتبار أن تلك الهجمات تطال منشآت حيوية ومرافق بنية تحتية أساسية ما يؤدي لخروجها عن الخدمة على غرار مطاري دمشق وحلب الدوليين، وأن الاستهدافات تقع في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تحولت إلى مناطق نفوذ لروسيا وإيران وجماعة حزب الله اللبناني.
وتتوالى التحذيرات الإقليمية والدولية وآخرها التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من مخاطر امتداد الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة إلى مناطق أخرى بالشرق الأوسط، في ظل الاستهدافات المتبادلة في سوريا وعلى حدود لبنان الجنوبية، واستهداف سفن التجارة الدولية في مياه البحر الأحمر، وما تبع ذلك من تهديد خطوط الملاحة الدولية، وسط مطالبات بضرورة تدخل دولي لمنع اشتعال مثل هكذا حرب قد يصعب بعدها السيطرة عليها.