يجمع عدد من الخبراء والمتابعون للشأن السوري أن الضربات التركية الأخيرة على شمال وشرق سوريا من شأنها إعطاء قبلة حياة جديدة للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “داعش” للعودة مرة أخرى، خصوصاً وأن الضربات تطال قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي لعبت الدور المحوري في هزيمة الإرهاب نيابة عن العالم.
وليست هذه هي المرة الأولى التي ترد فيها تحذيرات من خطورة الهجمات التركية تلك وتداعياتها بشأن إحياء نشاط التنظيمات الإرهابية، لدرجة أن كتاب أمريكيين دعوا بلادهم إلى التحرك واتخاذ إجراء ضد نظام رجب طيب أردوغان، لأنه يقوض بشكل أو بآخر جهود مكافحة الإرهاب.
تركيا تفضل داعش على الكرد في شمال سوريا
في هذا السياق، يقول أحمد سلطان الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الضربات التركية بالتأكيد تؤثر على أعمال مكافحة الإرهاب، لأنها تستهدف بالأساس قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والأخيرة هي المنخرطة بشكل رئيسي في مكافحة الإرهاب بمناطق شمال وشرق سوريا، ومع الهجمات التركية، فإنها تضطر إلى توجيه جزء من مجهودها للتعامل معها أي تنشغل بما تقوم به أنقرة.
وأضاف “سلطان” أن قوات سوريا الديمقراطية تكون مضطرة في مثل هذه الأحوال إلى تحريك بعد ارتكازاتها الأمنية نتيجة الضربات وربما بعضها يكون في مناطق بها خلايا نائمة من تنظيم “داعش” الإرهابي، حتى تتفادي غارات الطيران التركي، وخصوصاً أن قوات “قسد” لا تملك مضادات للطائرات.
ولفت إلى أن الجيش التركي يصعد عملياته في الفترة الأخيرة ضد الكرد في شمال سوريا وكذلك شمال العراق، لاستهداف بعض الرموز والقادة العسكريين والأمنيين، والخبرة السابقة تقول إن عمليات استهداف القوات المنخرطة في مكافحة الإرهاب من شأنها تخفيف الضغط على “داعش” وبالتالي يزيد من هجماته.
وأكد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أنه بناء على ما سبق فمن المتوقع أن يزيد “داعش” من هجماته في إطار الاستفادة من آثار الضربات التركية خصوصاً في مناطق مثل ريف دير الزور، وبالتالي يتوقع كذلك تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية بصفة عامة والأخيرة تسعى للعودة من جديدة.
وتحدث “سلطان” عن أولويات تركيا في الشمال السوري، إذ أن المنطلقات التركية ترى أن وجود “داعش” أفضل من وجود الكرد في تلك المناطق، فالتنظيم ليس لديه مشروع بشأن تركيا بل يعتبرها ولاية ذات أهمية استراتيجية لديه يمكن له أن يستخدمها في نقل السلاح وإيواء عناصره، وبالتالي لا يسعى إلى تهديد واستهداف الدول التركية.
وأوضح أن النظام التركي يعتبر وجود الكرد على حدوده أكثر خطورة من تنظيم داعش الإرهابي، بل إنه يمكنه التفاهم بشكل ما أو بآخر مع التنظيم ضمنياً سواء بشكل سري أو عبر بعض العناصر التي لها ارتباطات بتركيا وبالتنظيم، وبالتالي لم نرى هجمات ينفذها التنظيم ضد تركيا منذ سنوات.
وركزت الضربات التركية الأخيرة على عدد من المقار الأمنية وطالت كذلك محطة وقود ومستشفى ومصانع لإنتاج المواد الغذائية والمواد الزراعية، كما طالت كذلك بعض المرافق الصحية، وقد أدت كذلك إلى مقتل ثمانية على الأقل بينهم نساء وأطفال وإصابة آخرين بالهجمات التي تأتي للمرة الثانية خلال 3 أشهر.
تركيا لديها أهداف من عودة “داعش”
من جهته، يقول المحلل السياسي الدكتور طه علي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا بتلك الضربات لديها خطط لإحياء نشاط التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا، ويأتي ذلك في إطار استغلالها تطورات الأحداث في الشرق الأوسط لتحقيق هدفين أحدهما سياسي والآخر عسكري.
وأوضح “علي” أن عودة التيارات المتطرفة يمكن أن يكون أداة مهمة من جانب الأتراك للضغط على الأمريكيين في شمال وشرق سوريا، ورأينا في الفترة الأخيرة القوات الأمريكية تتعرض لهجمات واسعة النطاق وكذلك على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وخصوصا القواعد العسكرية في سوريا والعراق، وبالتالي فإن النظام التركي يمارس ضغطاً بموازاة ذلك على واشنطن.
ويرى كذلك أن الهدف الثاني بالنسبة لتركيا ذو طبيعة اجتماعية، إذ أن دخول التيارات المتطرفة في البداية جاء عن طرق تركيا كدولة مرور وبالتالي هي متورطة في تعزيز وجود تلك التنظيمات، وعودتها مرة أخرى يخلق بيئة مضطربة، بالإضافة إلى استهداف البنى التحتية والمصانع ما يشكل ضرباً للاقتصاد في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق وسوريا، ومن ثم إمكانية إذكاء أزمات اجتماعية لإفشال تجربة الإدارة الذاتية، عبر زيادة الفقر وتعظيم مشكلة البطالة.
وقال إن تركيا تخطط بتلك الضربات إلى أغراق سكان شمال وشرق سوريا في الأزمات، ومن ثم إمكانية إحدث حالة من الضغط على الإدارة الذاتية، وبالتالي تجد الأخيرة نفسها فاشلة في مواجهة تلك الأزمات، معتبراً أن هذا هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه أنقرة من هذه الضربات وكذلك دعم التنظيمات الإرهابية، لا سيما أننا في مرحلة مهمة وخطيرة من التطورات في الشرق الأوسط.
إفشال تجربة الإدارة الذاتية
وقال الدكتور طه علي إن ما تقوم به تركيا من استهداف للمنشئات الحيوية والبنى التحتية في شمال وشرق سوريا يأتي ضمن ما يمكنه تسميته بحروب الجيل الرابع التي تنعكس سلباً على الاقتصاد على نحو يكون له تداعيات اجتماعية على المواطنين، مشيراً إلى أن ذلك حدث في مصر من قبل عام 2013 عندما كانت الجماعات الإرهابية تحاول ضرب الاقتصاد المصري باستهداف على سبيل المثال بعض محولات الكهرباء القريبة من المصانع.
وأشار في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” إلى أن أردوغان يستغل انشغال أمريكا في أزمة غزة، ويقوم بتوسيع عملياته العسكرية ضد المكون الكردي في شمال وشرق سوريا، وكل ذلك في إطار خلق البيئة المضطربة التي يمكن الاستفادة بها في أي مفاوضات أو مباحثات لاحقاً على صعيد العلاقات التركية – الأمريكية.
وكانت القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا أكدت في بيان أن الضربات التركية ما هي إلا محاولة واضحة لبث الفوضى في عموم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وأن الاستهدافات للحواجز الأمنية ما هي إلا محاولة لفتح الطريق أمام الخلايا النائمة الإرهابية والمجموعات الإجرامية لتتحرك بسهولة وتنشر الفوضى.
وفي مطلع أكتوبر الماضي عندنا شنت تركيا ضربات مماثلة، أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء تأثير تلك الضربات على جهود مكافحة الإرهاب، داعية جميع الأطراف إلى ضرورة ضبط النفس وتجنب التصعيد.