علاقة تخادم وتعاون.. تركيا تتبنى هجوماً نفذه داعش في سوريا

أعلنت الاستخبارات التركية يوم الجمعة، أنها نفذت هجوماً استهدف المدني عمر محمد في مدينة الطبقة شمال شرقي سوريا، الذي كان تنظيم داعش الإرهابي قد أعلن في آب/ أغسطس الماضي، أنه استهدفه في المنطقة ذاتها، في إشارة جديدة لعلاقة الترابط والتخادم بين الطرفين، والتي أكدتها عشرات التقارير الإعلامية والاستخباراتية على مدى سنوات الأزمة السورية.

وأثار الإعلان التركي، جدلاً واسعاً في أوساط المعارضة التركية والأوساط الإقليمية، عن مدى دقة ومصداقية المعلومات والتصريحات التي يطلقها المسؤولون الأتراك، خاصةً ما يتعلق بالهجمات في سوريا والعراق، إلى جانب أن الشخص الذي جرى الإعلان عن استهدافه في منطقة الطبقة، على أنه عضو في قوات سوريا الديمقراطية واستهدف جنوداً للاحتلال التركي بالمنطقة، هو مدني وكان تنظيم داعش قد أعلن اغتياله على يد خلاياه في المنطقة.

وفي أعقاب الإعلان، أصدر المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بياناً قال فيه، إنه وبعد نحو 5 أشهر على تبنى تنظيم داعش عبر وكالته الدعائية “أعماق” هجوماً ضد المدني عمر محمد، أعادت الاستخبارات التركية تبنى العملية، ما يؤكد العلاقة الواضحة بين الطرفين من أجل العبث بأمن واستقرار المنطقة وتبادل الأدوار في استهداف المدنيين، مضيفاً أن اتهامات تركيا بوجود تعامل بين محمد وقسد وتنفيذه عمليات ضد جنود الاحتلال التركي غير صحيحة، حيث أن الشخص المستهدف لم ينضم إلى أي فعاليات عسكرية.

رئيس المركز الكردي للدراسات نواف خليل يقول في هذا السياق: “هناك الكثير مما قيل عن علاقة تركيا مع تنظيم داعش، فعلى سبيل المثال، وهي وقائع يستطيع أي مشكك أن يعود إليها من خلال البحث البسيط، عندما احتل التنظيم الإرهابي مدينة الموصل العراقية أخذ العاملين في القنصلية التركية هناك كرهائن أو أسرى، وبعد فترة وجيزة تم الإفراج عنهم ولم يصابوا بأي أذى ولم يتعرض لهم أحد ولم يتحدث عنهم التنظيم، فقط تركيا قالت تمكنا من تحريرهم بعملية خاصة، لكن كيف وأين لا أحد يتحدث، مع العلم أن أشكالهم كانت تدل على أنهم كانوا يعيشون بمكان آمن ويتوفر فيه كل شيء”.

ومنذ ظهور تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، كشفت تقارير عن تقديم أنقرة دعماً عسكرياً وأسلحة للتنظيم، حيث نشر موقع “نورديك مونيتور” السويدي أواخر عام 2020 تقريراً يحوي وثائق مسربة من ملفات المحكمة الجنائية العليا الثالثة والعشرين في العاصمة التركية أنقرة، توضح أن الانفجارات التي وقعت في بعض المستودعات العسكرية التركية في تلك الفترة في كل من أفيون وأورفا ومواقع خاضعة لسيطرة تركيا شمالي قبرص، تم تدبيرها لمحو آثار الأسلحة التي قدمتها الحكومة التركية لتنظيم داعش الإرهابي.

وأظهر تقرير الموقع السويدي، أن تزويد أنقرة لداعش بالأسلحة لم يكن سراً، ففي عام 2014 نشرت صحيفة “طرف” التركية، أنه تم العثور على ذخيرة تحمل علامة التصنيع التركية الرسمية على ذخيرة لتنظيم داعش، الأمر الذي قاد السلطات التركية لإغلاق الصحيفة واعتقال رئيس تحريرها، كما كشفت التسريبات تحقيقاً جنائياً فتح عام 2013 بشأن شبكة تنظيم القاعدة الإرهابي في تركيا، أظهر أن الإرهابيين حصلوا من تركيا على مكونات لإنتاج غاز السارين.

فتح الحدود أمام الإرهابيين

ويضيف خليل في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، “أن عشرات الآلاف من الدواعش وغيرهم من الإرهابيين دخلوا إلى سوريا من خلال المطارات التركية والمعابر المفتوحة، وتم التأكد من ذلك حينما تم إلقاء القبض عليهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية، والوثائق أثبتت أنهم دخلوا، والمسؤولون الأتراك لم ينفوا ذلك، وقالوا: كيف لنا أن نتأكد أن هؤلاء قادمون للذهاب إلى داعش بسوريا، لكن يبقى السؤال أنه إذا لم تكونوا متأكدين أنهم  جاؤوا للذهاب إلى سوريا، كان يمكن على الأقل تتبعهم، أو إغلاق الحدود كما تفعل تركيا الآن، مشيراً إلى أنه عندما حررت قوات سوريا الديمقراطية مدينة تل أبيض، أقدمت تركيا على الفور على إغلاق المعبر، في حين أنه كان مفتوحاً عندما كانت المدينة تحت سيطرة داعش.

ويردف، أنه عندما بدأ الهجوم على كوباني – مدينة شمالي سوريا- وداعش كان يحتل العديد من المناطق من تل أبيض/ كري سبي وصولاً إلى مبروكة بالقرب من رأس العين/ سري كانيه، لم تكن تركيا تتحرك ضد داعش، وقال الرئيس التركي رجب أردوغان إن كوباني سقطت واستدرك وقال إنها قريبة من السقوط، ، كما أنه عندما تشكل التحالف الدولي وطلب من تركيا محاربة داعش لم تتحرك، وظل التنظيم طيلة عامين من 2014 حتى 2016 على الحدود مع تركيا، وكانت المعابر الحدودية معها بالمنطقة مفتوحة بما في ذلك معبر تل أبيض الذي يعتبر شريان الحياة للتنظيم، ولكنها عندما توقعت أن قوات سوريا الديمقراطية ستقوم بتحرير جرابلس، تحركت في يوم غير عادي “يوم معركة مرج دابق”.

وكان نواب أحزاب تركية معارضة على رأسها حزب الشعب الجمهوري، قد قدموا منذ عام 2014 مقترحات أمام البرلمان التركي تطالب بضرورة خضوع جميع المسؤولين الأتراك المتورطين بعلاقات مع تنظيم داعش الإرهابي، للمساءلة أمام القضاء، في حين تقول تقارير إعلامية، إن الحملة الأمنية غير المسبوقة التي أطلقتها السلطات التركية مؤخراً لملاحقة خلايا داعش، تؤكد أن تلك الخلايا تتخذ من تركيا مقرات لها تحت أعين الأجهزة الأمنية التركية لاستغلالها في العديد من الملفات، وأن أنقرة تحاول إيصال رسالة للغرب بأنها تحارب الإرهاب.

ويوضح رئيس المركز الكردي للدراسات، أن الروس أصدقاء الأتراك، أظهروا عبر الأقمار الصناعية، قافلة صهاريج تنقل النفط إلى تركيا، وعليه فإن هناك علاقة تخادم بين الجانبين، فكلما هاجمت تركيا مناطق شمال شرق سوريا كلما استفاد داعش، وكلما أبقت على حالة الاستنفار لدى مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، أتيح المجال لداعش لمزيد من التحرك، متسائلاً عن أسباب الاستهدافات التركية الأخيرة لنقاط قوى الأمن الداخلي/ الأساييش، ومن مر خلال تلك الفترة، إلى جانب استهداف البنى التحتية الذي يرقى إلى جرائم حرب.

استهداف الإدارة الذاتية

وبحسب خليل، فإن الطرف التركي وداعش يقولان وبشكل علني أنهما يستهدفان تدمير الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فتركيا تمارس إرهاب الدولة المنظم وتستهدف الكرد في كل مكان، في حين أن داعش يقول إن جميع الكرد هم “كفار”، لأن لا أحد من الكرد قبل البقاء تحت الحكم الداعشي، وعليه فإن الطرفين يقدمان الخدمات لبعضهما البعض، والمسألة لا تتعلق ما إذا كانت تركيا تسيطر على التنظيم أو أنه مشروع تركي، بل هو مشروع لمجموعة من هؤلاء الذين يقودون هذا التنظيم الإجرامي، فهم يلتقون مع تركيا ويفترقون عنها لكن ليس هناك حالة عداء بين الجانبين، كما أن كل العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم بتركيا استهدفت الكرد.

ومنذ سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق في سوريا والعراق عام 2014، صدرت العديد من التحقيقات والتقارير التي قدمت أدلة على العلاقة الوثيقة بين التنظيم وتركيا، بما في ذلك تجارة النفط واحتفاظ داعش بتمثيل داخل تركيا يساعده على الاستمرار باستقبال عناصر أجانب إلى سوريا، إلى جانب إلقاء قوات سوريا الديمقراطية القبض في بلدة الباغوز آخر معاقل التنظيم في سوريا عام 2019 على عناصر يحملون جوازات سفر تركية.

قد يعجبك ايضا