لاقت الضربات التركية الأخيرة على مناطق في شمال وشرق سوريا إدانات أمريكية واسعة، لا سيما مع تسببها في سقوط مدنيين بين قتلى ومصابين، وتركيزها على أهداف مدنية يكفل لها القانون الدولي الحماية التامة، في عملية باتت متكررة وسط حالة من الانشغال الدولي بمناطق صراع أخرى.
وتكشف الضربات التركية الأخيرة مدى النفاق لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يهاجم إسرائيلي ليلاً ونهاراً بسبب جرائمها في قطاع غزة بفلسطين، في الوقت الذي يقوم بفعل نفس الشيء المُجرّم دولياً مراراً وتكراراً في شمال وشرق سوريا، في تناقض واضح لديه.
واشنطن تشعر بالفزع مما يجري
وأعرب آدم سيجلمان وهو متحدث إقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن “فزع” بلداه جراء الغارات التركية التي تسببت في مقتل مدنيين، مؤكداً، في تصريحات إعلامية، أن واشنطن تحث على “وقف التصعيد الفوري”.
وقال المتحدث الأمريكي دون أن يذكر تركيا بالاسم إننا “نشعر بالفزع من الغارات الجوية الأخيرة في شمال سوريا والتي أسفرت عن مقتل وجرح مدنيين وضرب البنية التحتية المدنية”، داعياً إلى الوقف الفوري لتصعيد العنف واحترام خطوط وقف إطلاق النار القائمة.
وتسببت الضربات التركية في سقوط 8 قتلى من المدنيين الأبرياء وكذلك 4 مصابين بينهم نساء وأطفال، كما طالت مركزاً طبياً كان يقدم الخدمات لنحو 100 ألف نسمة في كوباني، وكذلك مصانع لإنتاج المواد الغذائية ومواد البناء والمنتجات الزراعية ومحطة وقود، وسط انتقادات من قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حول صمت التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب إزاء الانتهاكات التركية.
أردوغان يستغل الوضع الدولي الراهن
في هذا السياق أيضاً، يقول توم حرب القيادي بالحزب الجمهوري الأمريكي، إن ضربات تركيا تقول إنه من الواضح أن الرئيس التركي أردوغان يستغل الوضع الراهن وأعين العالم متجهة إلى غزة والبحر الأحمر ويحاول أن يوجه ضربات داخل سوريا لمن ينتقدون نظامه في شمال شرق سوريا، وكان آخرها بدون شك مقتل 8 أشخاص من عائلة واحدة 4 منهم أطفال.
وأضاف مدير التحالف الأمريكي – الشرق أوسطي للديمقراطية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنه منذ نحو شهر وحتى الأمس، قتل الرئيس التركي أكثر من 20 طفلاً بعدة ضربات عسكرية داخل سوريا، معرباً عن تصوره بأن نظام أردوغان استبدادي ديكتاتوري يستغل نفوذه مستفيداً من دعم الإخوان المسلمين له في هذه الفترة، لمحاولة لعب دور فعال في الشرق الأوسط.
وقال “حرب” إنه في نفس الوقت وبما أن هناك حرب في أوكرانيا، كذلك يحاول الرئيس التركي الاستفادة من هذه الحروب ليسيطر ويقوي نفوذه ليس في الداخل التركي فقط وإنما في خارجها، إن كان في سوريا والعراق وعدة بلدان في العالمين العربي والإسلامي.
هل تعاقب واشنطن أنقرة؟
وبسؤاله عن الموقف الأمريكي من ضربات تركيا وإمكانية أن يكون هناك إجراء عقابي، قال السياسي الأمريكي البارز إن الحديث عن معاقبة أنقرة من قبل إدارة جو بايدن لن يحدث في الوقت الراهن؛ لأن الإدارة الأمريكية منهمكة بعدة مشكلات دولية ابتداء من أوكرانيا وصولاً إلى البحر الأحمر وكذلك غزة ودعمها لإسرائيل بدون شك، وكذلك المواجهات التي تحدث معها في سوريا أو العراق من قبل إيران ودعمها للميليشيات في تلك المناطق.
وأشار إلى أن واشنطن في ظل التطورات الحالية بحاجة إلى حلفاء، وهؤلاء الحلفاء يتلاشون يوماً بعد يوم حسب مصالحهم، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية لن تعاقب أردوغان؛ لأنها ربما تكون بحاجة إليه إن كان في الملف الإيراني بسوريا والعراق، أو بحاجة إليه في الملف الأوكراني، وأردوغان يعلم ذلك، ويستفيد من ضعف إدارة بايدن ليستغل نفوذه في دول الجوار التركي.
واستهدفت الضربات التركية بصفة رئيسية مناطق بمدينة قامشلو، لكنها طالت كذلك كوباني وعامودا وتربسبيه، وقد تزامنت معها هجمات أخرى من قبل الميليشيات الموالية الموالية للنظام التركي على طول خطوط التماس الفاصلة بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي والأخرى الواقعة شمال وشرق سوريا.
الضربات التركية وصلت إلى المدنيين
بدوره، يقول الدكتور مهدي عفيفي القيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الضربات التركية وصلت إلى مدنيين، وهذا الأمر دفع إلى وجود طلبات للأمم المتحدة بضرورة التدخل، في المقابل فإن تركيا تنفي أنها كانت تستهدف مدنيين، لكن الواقع يقول إن هناك أكثر من 12 مدنياً قتلوا وأصيبوا خلال الهجمات الأخيرة.
وقال “عفيفي” إن ضربات تركيا على الشمال السوري أتت في سياق الرد على من تعتبرهم أنقرة قوات معادية بعد مقتل 12 جندياً تركياً، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ضرب أهداف في شمال سوريا والعراق من قبل الجانب التركي، بل تكرر ذلك عشرات المرات خلال العام الجاري.
ولفت القيادي بالحزب الديمقراطي الأمريكي إلى أن هناك تحذيرات من إقليم كردستان العراق كذلك بعد تلك الضربات، وقد تقدموا بطلب إلى الأمم المتحدة للتدخل، تخوفاً من ازدياد حدة الهجمات التركية، وأن يتسبب ذلك الوضع في حرب إقليمية داخل المنطقة.
يذكر أنه في مطلع أكتوبر الماضي وبالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على غزة، شن النظام التركي ضربات مماثلة على عدة مناطق في شمال وشرق سوريا، مستخدماً أسلحة ثقيلة ومسيرات، وقد طالت تلك الهجمات كذلك عدة مرافق مدنية حيوية ومشروعات بنى تحتية ومحطات مياه، لتتسبب في قطع الماء والكهرباء عن أكثر من مليون شخص في المناطق المستهدفة.