حلب ـ سامر العلي
توفيت الطفلة سوزدار حسن قدو البالغة من العمر أربعة أعوام في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الجاري بعد تعرضها لنزلة برد شديدة، أدت لارتفاع كبير بدرجة حرارة جسمها، في ظل البرد القارس الذي عانته رفقة عائلتها في الخيمة التي تأويهم بمخيم سردم بريف حلب الشمالي، شمالي سوريا، في ظل شح وسائل التدفئة، مع استمرار الحصار الذي تفرضه قوات حكومة دمشق على المنطقة.
وتتفاقم معاناة مئات آلاف المدنيين بريف حلب الشمالي بما في ذلك مهجرون من منطقة عفرين المحتلة، في ظل الحصار المفروض من قبل “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات حكومة دمشق منذ سنوات والذي تم تشديده خلال الأسابيع الأخيرة بشكل كبير، حيث يتم منع دخول حتى المواد الأساسية والغذائية والأدوية إلى المنطقة إلى جانب حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب.
سوزدار الأخت لطفلين آخرين، والبنت لعائلة مهجرة من قرية “ترندة” المحاذية لمدينة عفرين شمال غربي سوريا، بعد احتلال المنطقة من قبل تركيا والفصائل التابعة لها في آذار عام 2018 ، وتنحدر والدتها من ناحية شيه/ شيخ الحديد أقصى ريف عفرين الغربي، فقدت حياتها كما تروي عائلتها بعد أن عانت من ارتفاع بدرجة الحرارة لمدة عشرين يوماً في ظل فقدان الأدوية والرعاية الطبية، قبل أن يتم نقلها إلى أحد مستشفيات مدينة حلب وتفقد حياتها هناك مطلع الشهر الحالي.
مزكين نبو، والدة الطفلة سوزدار، تحدثت لمنصة “تارجيت” الإعلامية، عن الظروف التي سبقت وفاة ابنتها، والمعاناة التي يكابدونها في المخيم في ظل الحصار والطقس البارد وشح وسائل التدفئة، وقالت “كانت ابنتي منذ شهر مريضة، ونحن نحتار عليها وهنا ليس هناك مشافي ولا مازوت ولا كهرباء ودخلنا محدود جداً ونحن في ضائقة كبيرة، وتعرضت ابنتي لبرد شديد كونه كان هناك أمطار غزيرة”.
وأردفت “نحن دوماً نقول إننا سنعود لمنازلنا في عفرين، اليوم أو غداً، ولكن الشعب هنا ضائع” وتتساءل في سياق حديثه وملامح الحزن باديةٌ على وجهها “ماذا تريد منا أيها العدو؟ (تقصد تركيا) لقد حرقت فلذة أكبادنا أقسم أن الوضع لا يحتمل وكل هذا حدث بسبب الفقر، لو كنا في منازلنا لما مات أطفالنا، وتسرد بالحديث وتقول “كان لدي ابنة وحيدة وكانت غالية على قلبي ولدي ابنان اثنان أيضاً، الله يرحم أمواتنا وأموات الجميع ويرحمنا الله في هذه الدنيا”.
وفقد طفلان حياتهما، مطلع العام الجاري في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، جراء البرد الشديد وعدم كفاية مادة مازوت التدفئة الموزع وتأخر توزيعه حتى شباط/ فبراير جراء حصار قوات حكومة دمشق، إلى جانب نقص الرعاية الطبية وفقدان الأدوية، ما أثار موجة تنديد واسعة من قبل جهات حقوقية وإنسانية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، طالبت برفع الحصار وتجنيب آلاف المدنيين كوارث إنسانية وصحية.
وتضيف مزكين نبو في حديثها لمنصتنا “يجب أن نساعد بعضنا، هذا حرام، لا يجوز كلنا بنفس القيمة، هنا لا يوجد شيء نحن هنا فقط من أجل العودة إلى عفرين، وهذا الشعب يتحمل كل الذي يحصل، ابنتي كان عمرها 4 سنوات وكانت غالية جداً على قلوبنا، أتمنى ألا يحرق الله قلب أحد على فلذة كبده لأنه ليس بالأمر السهل بتاتاً، اللعنة عليك يا أردوغان، الله لا يرضى عنك”.
ويتواجد في مناطق ريف حلب الشمالي، التي يطلق عليها السكان المحليون اسم “الشهباء” خمسة مخيمات هي “الشهباء والعودة وسردم وبرخودان وعفرين”، تضم المهجرين من منطقة عفرين المحتلة شمال غربي سويا، كما يعيش في بلدات المنطقة وأبرزها دير جمال وتل رفعت وفافين، حوالي 24 ألف عائلة، وفق إحصائيات غير رسمية، تعاني جميعها من أزمات متلاحقة جراء الحصار المتواصل من قبل قوات حكومة دمشق، والهجمات والقصف المتكرر من قبل الاحتلال التركي والفصائل التابعة له، وسط حديث عن اتفاق بين الجانبين في هذا الشأن، على اعتبار أن الحصار تزامن مع بدء تركيا هجماتها على المنطقة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022، وفي ظل استمرار الغياب شبه التام للمنظمات الإنسانية عن المنطقة.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد وثق مطلع الشهر الجاري، استياءً شعبياً كبيراً في ريف حلب الشمالي وحيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، على خلفية منع قوات حكومة دمشق والقوات الروسية دخول المحروقات والمواد الأساسية إلى المنطقة منذ أسابيع، ما تسبب بتعليق الدوام المدرسي وتخفيض ساعات تشغيل المولدات الكهربائية، والمخاوف من توقف بعض الأفران، وذلك بعد أن دعت منظمة العفو الدولية مطلع العام الجاري، قوات حكومة دمشق لرفع الحصار الذي وصفته بالوحشي عن ريف حلب الشمالي وحيي الشيخ مقصود والأشرفية ذات الغالبية الكردية، والذي أكدت أنه يعيق وصول المساعدات لآلاف المدنيين هناك.