ويجمع سياسيون ومراقبون عرب على أن الضربات الي يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما هي إلا جرائم حرب تهدد السلم والأمن الدوليين، تتطلب أن يكون هناك تحرك دولي لكبح جماح “أنقرة”، كما أكدوا أنها تؤكد مرة تلو الأخرى على ما يحمله النظام التركي من أطماع تمتد من شمال سوريا وحلب وصولاً إلى بعض مناطق وسط العراق.
تركيا تختلق الذرائع للقيام بجرائمها
في هذا السياق، يقول الدكتور تيسير عبدالجبار الألوسي الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن قضية قصف المناطق الكردستانية سواء منها الجنوبية أم الغربية (شمال العراق وشمال شرق سوريا) حلقات متتابعة تشنها القوات التركية بين الفينة والأخرى.
ويؤكد “الألوسي” أنه في جميع الأحوال تختلق تركيا الذرائع لارتكاب ما يقع تحت طائلة تلك العمليات العسكرية، ولكن الأمر يجسد بتواصله واستمراره جرائم ممنهجة، من جرائم العدوان وجرائم الحرب وضد الإنسانية، مشيراً إلى أننا ندرك ما يجري بشأن التعرض للبنى التحتية واستهدافها المباشر، حتى أن الخدمات الحيوية من ماء وكهرباء قد جرى تعطيل مشروعاتها وحُرِم من الاستفادة منها مئات الألوف.
وقال الأكاديمي العراقي إن العالم يشهد كيف تم استهداف سدود ومحطات الماء والكهرباء في ظروف شحة الماء نفسه بسبب قطعه بالسدود التركية ومنع الحصص المعروفة بالقوانين والاتفاقات الدولية المعمول بها، لافتاً إلى أنه عدا هذا وذاك فإنّ المدنيين الكرد يتعرضون بسبب تلك الجرائم لمختلف الخسائر البشرية الباهظة بجانب الخسائر المادية الثقيلة.
تركيا تهدد السلم والأمن الدوليين
ويشير إلى أن كل ذلك يحدث والمنطقة مشتعلة بالحروب والأزمات كما يجري بين إسرائيل والفلسطينيين حاليا ويحاول العالم السيطرة على حرائق تهدد المنطقة والعالم بسببها؛ لتضيف تركيا باستمرارها قصف الكرد سببا آخر لهز الاستقرار وتهديد الأمن والسلم الدوليين.
وأضاف أن منظمات حقوقية وأممية كانت قد دانت الجرائم تلك وطالبت بوقف دائم للأعمال العسكرية العدوانية بما لا يسمح بتجديد إشعال أيٍّ من أشكال القتال والصراع بخلاف الرد التركي المتعنت الذي يلتقي بنهجه مع ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين ويسوِّق لتكرار الهجمات التي تقع تحت طائلة الجرائم الدولية الكبرى من جرائم عدوان وحرب وضد الإنسانية.
ويرى “الألوسي” أنه قد بات ضرورياً وحتمياً تدخل مجلس الأمن لكبح استمرار تلك الجرائم وكبح جماح منطقها وبدلا من الإيغال في العدوان وانتهاك السيادة والتعرض للمدنيين ينبغي تغيير المنطلقات التي تتسبب بإدامة الحرب بمعنى وقف الحرب فوراً والاعتراف بحق شعوب كردستان بتقرير مصيرها، وهو ما يلزم أن يمتلك دعماً من الأمم المتحدة بمنح العضوية لشعوب الأقسام الأربعة من كردستان بتمثيلها كونها من الشعوب والأمم بلا دولة وذلك وفق القانون الدولي ووفق إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.
دور النظامين العراقي والسوري
وبشأن تجدد القصف واستمراره، شدد المحلل السياسي العراقي على أنه لا بد من تفعيل أدوار دولتي العراق وسوريا في اللجوء السيادي لمجلس الأمن مع استقبال وفود كردستانية من طرف المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل والجهات الأممية المعنية بحماية الأمن والسلم الدوليين، كي يتم حسم الموقف مما يُرتكب تحت أنظار العالم؛ إذ لا يمكن الصمت أو تجرع ما يُرتكب بحق ملايين المدنيين الأبرياء تحت أية ذريعة مدّعاة من الطرف التركي.
وجدد “الألوسي” الذي يقود التجمع العربي لنصرة القضية الكردية التأكيد على عمق تضامنه مع الكرد وكردستان ضد كل ما يُرتكب بحق شعب مقسم منذ مطلع القرن الماضي بوعود مازالت تواصل تمييع القضية من جهة ومنح استمرار تلك الجرائم فرصاً مضافة من جهة أخرى، مؤكداً كذلك على أهمية نقل المجريات إلى أروقة أممية وفق القانون الدولي؛ كونها أعمالاً عدوانية ترتكب جرائم خطيرة تهدد الأمن والسلم الدوليين وتعبر عن وحشية رفضها ويرفضها المجتمع الدولي وقوانينه.
يذكر أنه في يوم عيد الميلاد المجيد فقط، استهدف الاحتلال التركي 18 موقعاً مدنياً مختلفاً للبنية التحتية بـ 32 غارة جوية شملت على سبيل المثال محطة بنزين ومصانع تنتج المواد الغذائية ومواد البناء والمنتجات الزراعية وصوامح حبوب ومطحنة، وهي الضربات التي تأتي لثاني مرة في 3 أشهر، حيث تسببت ضربات أخرى مطلع أكتوبر في قطع المياه والكهرباء عن حوالي مليون شخص على الأقل في شمال وشرق سوريا.
وقد تركزت الضربات التركية، التي أدت إلى سقوط قتلى ومصابين بعضهم بجروح خطيرة، على مدينة قامشلو وطالت كذلك مدن كوباني وعامودا وتربسبيه، وركزت بصفة أساسية على البنى التحتية، كما ركزت الضربات هذه المرة على المصانع ووحدات غسيل كلوي ومحطات وقود، وكذلك مصانع لإنتاج المواد الغذائية والزراعية.
أطماع أردوغان في سوريا والعراق
بدوره، يقول الدكتور صلاح عبدالله الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الشعبي العربي، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه مما لا شك فيه أن النظام التركي برئاسة أردوغان له طموحات كبيرة في المنطقة العربية، فهو أولاً روج لعودة الخلافة العثمانية ويتصرف على أن تلك المنطقة كان جزء تابعاً لتركيا، متناسياً التغييرات التي حدثت.
وأضاف أنه كجزء من هذا المخطط بات يتدخل في سوريا مستغلاً الخلافات والاضطرابات التي وقعت في أعقاب الربيع العربي، واستغلها للتدخل في شمال سوريا، ويريد أولاً ضرب الكرد في سوريا وفصل المسافة بينهم وبين كرد تركيا، أما الهدف الثاني فإن الرئيس التركي يطمع في شمال سوريا حتى حلب، ويرى أنه يمكن الاستيلاء عليها، أي أنه يريد ضم هذه المنطقة حتى حلب إلى الأراضي التركية وليس الأمر مجرد توسيع نفوذ.
ويرى الدكتور صلاح عبدالله أن الأمر ينطبق كذلك على بعض المناطق في العراق، وبدأ يلعب هناك على ورقة التركمان، إذ يرى أنهم جزء من تركيا، وبالتالي هو يخطط أنه إذا حدثت أية اضطرابات في العراق، فإنه يمكن الاستيلاء على بعض المناطق كذلك من الأراضي العراقية، وبالتالي يريد السيطرة على شمال سوريا وحلب والتمدد حتى الوصول إلى مناطق التركمان وسط العراق.
وتدعي تركيا أن تلك الضربات تأتي رداً على هجمات لحزب العمال الكردستاني، رغم تأكيد كل السياسيين والعسكريين في شمال وشرق سوريا على أنهم ليس لهم علاقة بالحزب، مؤكدين أن النظام التركي يصدر أزماته للخارج، في وقت خرجت احتجاجات في المناطق المستهدفة تندد بتلك الهجمات والاعتداءات التي لا تتصنف إلا كجرائم حرب.
وفي استكمال للجريمة، تقوم الميليشيات الموالية للنظام التركي أو ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، بتنفيذ قصف على طول خطوط التماس الفاصلة بين المناطق التي تحتلها “أنقرة” وبقية مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تعرضت عدة قرى حول منبج والشهباء للقصف الذي يطال كذلك أهدافاً مدنية.