تحت ستار الدعم لفلسطين.. إيران تلعب بورقة الحوثيين وأمريكا تتحرك

لا تتوقف العمليات التي تقوم بها جماعة الحوثيين اليمنية الموالية لإيران تجاه السفن التي تمر عند مضيق باب المندب والتي تكون في طريقها إلى إسرائيل، الأمر الذي رأى كثير من المراقبين أنه يأتي بإيعاز إيراني تحت ستار الدعم للشعب الفلسطيني في ظل تواصل العدوان على غزة كفرصة للنظام الإيراني يسعى من خلالها لتحقيق عديد من الأهداف.

ومنذ السابع من أكتوبر، أطلق الحوثيون مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على السعودية وحاولوا شن هجمات على ناقلات النفط السعودية، كما استهدفوا إسرائيل بصواريخ وطائرات بدون طيار، وحاولوا استهداف مدمرة أمريكية وفرقاطة فرنسية، واختطفوا سفينة الشهر الماضي ويحتجزون طاقمها المكون من 25 رهينة، إلى جانب تحذير أصدرته الجماعة بأن أية سفن ستعبر البحر الأحمر إلى إسرائيل سيتم مهاجمتها.

إيران توظف حرب غزة لصالحها

في هذا السياق، يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية إن إيران استغلت الحرب على قطاع غزة، وأيضاً قامت بتشغيل أذرعها في المنطقة، وخاصة الجبهة الأكثر تأثيراً الآن وهي الحوثيين في البحر الأحمر، والتي بدورها تستغلها الولايات المتحدة في المقابل كحدث لتحقيق بعض الأهداف في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي العودة مرة أخرى لفكرة لعبة “القط والفأر” بين طهران وواشنطن.

وأضاف “اليمني”، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن إيران لا نأخذ منها إلا التصريحات، لكنها في الخفاء تحرك أذرعها سواء الحشد الشعبي في العراق أو الميليشيات الموالية لها في سوريا أو حزب الله اللبناني، مؤكداً أنه إذا لم تهدأ الأجواء وتضغط واشنطن على الاحتلال لوقف عدوانه فإن الأمور ستتصاعد في المنطقة لا سيما مع المخاطر التي تطال حركة التجارة العالمية.

ولفت إلى أن النظام الإيراني يريد إثبات قوته وتأثيره في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة أمريكا والقوى الدولية، وهو في ذلك يوظف حرب غزة لتحريك أذرعه بداعي نصرة الشعب الفلسطيني، كما أن طهران رأت في جماعة الحوثيين بديلاً عن حزب الله، فهي لا تريد التضحية بالأخير، وترى أن الجماعة اليمنية يمكن أن تقوم بنفس المهمة، فالحوثيين أكثر سهولة في تحريكهم.

وتواجه التجارة العالمية في المنطقة تأثيرات غير مسبوقة، على نحو أدى إلى تعطيل طريق تجاري رئيسي يربط أوروبا وأمريكا الشمالية بآسيا عبر قناة السويس، حيث علقت شركة النفط الكبرى “بي.بي” كل عمليات النقل عبر البحر الأحمر، وبدأت كبرى شركات الشحن مثل “ميرسك” في تغيير مسار الشحنات التي تمر عادة عبر قناة السويس لتدور حول رأس الرجاء الصالح في الجزء الجنوبي من أفريقيا.

خيارات أمريكا ورسالة لإيران

وأمام تلك الهجمات، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخراً، عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، وتضم بالأساس بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا، ومهمتها تسيير دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بحسب ما صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارة إلى البحرين، والذي اتهم بشكل واضح وصريح إيران بالوقوف وراء هجمات الحوثيين.

 وفي هذا السياق، قال دبلوماسي أوروبي، لوكالة أنباء رويترز، إن “قوة العمل” التي تم إطلاقها تهدف إلى إرسال رسالة قوية إلى إيران ووكلائها، مضيفاً أنه “لا شك أن الحوثيين يتصرفون نيابة عن إيران”، علماً أن طهران في المقابل تنفي بشكل قاطع علاقتها بهجمات الجماعة اليمنية، إلا أنها في نفس الوقت تعلن دعمها لهم.

من جهته، يقول الإعلامي والمحلل السياسي الأمريكي مايكل مورجان، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن هجمات الحوثيين تشكل خطراً كبيراً بالنسبة للقوات والمصالح الأمريكية في المنطقة وكذلك المصالح الإسرائيلية، وبالرغم من أن واشنطن كان يهمها ألا يحصل ذلك، لكن ليس من المرجح أن يكون هناك رد رادع من جهتها على هجمات الحوثيين.

وعن اعتقاده بأنه لن يكون هناد رد رادع على الحوثيين، يوضح “مورجان” أن الولايات المتحدة لا ترغب في تأجيج الصراع بالمنطقة في الوقت الحالي، ويشعل فتيل حرب أوسع، وهذا ما لا تريده واشنطن، ولهذا رأينا ضغوطات أمريكية على إسرائيل لكي تنهي الحرب أو للحد من الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

واعتبر “مورجان” أن أمريكا في موقف لا تحسد عليه، فبقدر ما لديها رغبة في الرد على الحوثيين، لكنها لا تستطيع القيام بذلك خشية تأجيج الصراع بشكل كبير، معرباً عن اعتقاده بأن الجماعة اليمنية تقوم بمثل هذه الأفعال لتوسيع الصراع، كطعم من قبل الحوثيين المدعومين من إيران لجر أمريكا والدول الغربية إلى صلب الصراع الدائر في المنطقة.

جماعة عميلة لإيران

وتتصدر مسألة الرد على الحوثيين اهتمامات كثير من كتاب الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، من هؤلاء الكاتب جورج رومان الذي أكد في مقال رأي بمجلة “ذا هيل” أنه يجب الرد الآن على الحوثيين والتي وصفها بالجماعة العميلة لإيران، لافتاً إلى أنها سيطرت على العاصمة اليمنية “صنعاء” عام 2014، وقد زودها الحرس الثوري بالتدريب والتكنولوجيا وترسانة الصواريخ المتطورة والألغام البحرية والطائرات المسيرة، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية الأمريكي.

ولفت “رومان” إلى أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يزود الحوثيين بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة حول السفن التي يتم استهدافها، مشدداً على أن هذا الوضع غير مقبول، وأنه لا يجب أن يسمح لهذه الجماعة المعادية للغرب بإطلاق المقذوفات حسب رغبتها، وأن تضع مضيق باب المندب كما لو كان رهينة لديها، وهو الذي يمر منه 10% من التجارة العالمية في العام.

وأكد الكاتب الأمريكي على أنه ينبغي استهداف الأصول والبنية التحتية البحرية للحوثيين، مثل الموانئ وأحواض بناء السفن ومستودعات الإمدادات، مع الحرص على تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، كما يجب أن يتم إنهاء وقف إطلاق النار بين الإمارات والسعودية مع الجماعة، وأن تكون هناك تحركات لإنهاء هيمنتها على اليمن.

الموقف الإسرائيلي

ومع الهجمات المتكررة لجماعة الحوثيين، أكد قادة إسرائيل وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في اتصالات مع الجانب الأمريكي وكذلك ألمانيا أنه إذا لم تتحرك الدول الغربية لوقف تلك الهجمات فإن تل أبيب يمكن أن ترد عسكرياً على جماعة “أنصار الله”، وهو السلوك الذي تتبعه تل أبيب مع الهجمات القادمة من لبنان وسوريا.

وتعليقاً على ذلك، يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه لا يتصور أن تقوم إسرائيل بضربات عسكرية ضد جماعة الحوثيين، علماً أنه لو كانت تريد لفعلت ذلك دون العودة لأحد كما نفذت من قبل ضربات بالمسيرات في سوريا والعراق واليمن نفسها.

وأضاف “الرقب” أن الهدف من الحديث الإسرائيلي عن إمكانية شن ضربات عسكرية ضد جماعة الحوثيين كان دفع أمريكا والدول الغربية إلى تشكيل هذا التحالف المعروف بـ”قوة العمل”، معتبراً أنها قوة تهدف فقط إلى الردع والتخويف للحوثيين، لكنها لن تدخل في صدام عسكري مباشر مع الجماعة، لأن واشنطن تخشى بشكل كبير فتح جبهة جديدة ومن ثم توسيع نطاق الحرب على نحو لا تريده.

قد يعجبك ايضا