إدلب – محمد زينو
تتفاقم المعاناة الاقتصادية والمعيشية للسكان في الشمال السوري جراء الانخفاض المتسارع والمستمر لليرة التركية التي فرض التعامل بها في تلك المناطق منذ عام 2020، من قبل تركيا والفصائل المسيطرة هناك، في إطار ما قالوا إنه محاولة لمواجهة الانخفاض المتواصل لسعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، رغم أن تقارير حقوقية تؤكد أن الإجراء يندرج ضمن مخطط تتريك المنطقة.
وواصلت الليرة التركية سقوطها المدوي ووصلت إلى مستويات منخفضة قياسية أمام العملات الأجنبية خلال الأشهر الأخيرة مسجلة خلال كانون الأول/ ديسمبر الجاري 29 ليرة للدولار الأمريكي الواحد بانخفاض يعادل 35 في المئة من قيمتها منذ مطلع العام الجاري، وانساق هذا الانخفاض على الأوضاع المعيشية في مناطق شمال غربي سوريا، حيث يشتكي السكان هناك من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وعدم كفاية الرواتب واليوميات لتأمين الاحتياجات الأساسية، على اعتبار أنها ثابتة وتحتسب بالعملة التركية في حين ترتبط الأسعار بالدولار.
ويؤكد السكان في الشمال السوري، أن الأسباب التي قادت لفرض التعامل بالليرة التركية لم تعد موجودة على اعتبار أن هذه العملة تسجل بشكل يومي انخفاضاً أمام العملات الأجنبية، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية في تركيا، كما يشتكي أبناء المنطقة من اهتراء عدد كبير من الأوراق النقدية التركية من جميع الفئات وما يتبع ذلك من صعوبات في تصريفها.
ياسر الزين، وهو أحد العمال المياومين في إدلب قال في حديث لمنصة “تارجيت” الإعلامية أن “العملة التركية هي عملة أهل تركيا مو عملتنا نحن، يعني ما فرقت معنا العملة السورية أو العملة التركية، الثنتين أضرب من بعض، دخل ثابت للمواطن ما في، مشان إذا ارتفع الدولار قدام العملة التركية يستفاد (يستفيد)، والعملة التركية ما توفي مع حدا (لا تكفي)”.
انخفاض الأجور واهتراء الأوراق النقدية
بينما يقول فراس مرعي، وهو من سكان منطقة إدلب لـ”تارجيت” بأن “دخول العملة التركية سبب ذل للعامل والأجور تعبت، العامل أيام العملة السورية كانت أجرته بالأسبوع 15 ألف، تساوي 30 دولار، اليوم أسبوعيتو 500 ليرة تركية يعني بتساوي أقل من عشرة دولار”، وذكر بأنهم يلاقون صعوبة بتدوال الليرة التركية كونه مهترئة على حد وصفه واقترح بأنه يتم وضع حد أدنى للأجور للعاملين وتبديل العملة الحالية لتحسين الوضع الاقتصادي.
ولم تنجح الحكومة التي شكلها الرئيس التركي رجب أردوغان بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثالثة في أيار/ مايو الماضي، وكلف فيها محمد شيمشك كوزير للمالية، والتي توصف بأنها حكومة اقتصادية بحتة، في وقف نزيف الليرة التركية واستمرار ارتفاع التضخم، رغم إعلانها عن خطة لمواجهة ذلك، في ظل تقارير عن أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وصل لمرحلة يصعب السيطرة عليها مع استمرار التضخم وارتفاع الأسعار.
بدوره، أكد أحمد حجازي، وهو أحد سكان إدلب، أن دخول العملة التركية إلى الشمال السوري تسبب بخسائر وأزمات كبيرة للمدنيين، والسبب أن التاجر يشتري البضائع بالدولار ويبيعها بالليرة التركية، في حين أن العامل يأخذ أجره بالعملة التركية ويتأثر بارتفاع الدولار، مطالباً بتحديد حد أدنى لأجور العمال ومراقبة تداول العملة بالمنطقة.
أحمد السيد، وهو صاحب محل صرافة في إدلب، أوضح من جانبه لمنصتنا بأن التعامل بالعملة التركية له تأثير على السكان بالمنطقة، وخاصةً لليد العاملة، حيث أن العامل يأخذ آجاره بالليرة التركية التي تواصل الانخفاض، مشيراً إلى أن الصرافين يعانون من موضوع اهتراء الأوراق النقدية، ومطالباً بضرورة ضبط السوق ومعالجة قضية اهتراء الأوراق النقدية.
سياسات اقتصادية “خاطئة” لأردوغان
ويرجع خبراء اقتصاديون وتقارير اقتصادية، أسباب الانهيار المستمر والمتسارع لليرة التركية، إلى السياسات الاقتصادية “الخاطئة” للرئيس التركي رجب أردوغان، وإصراره خلال السنوات الأخيرة على خفض أسعار الفائدة رغم اتجاه كل دول العالم إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، واستمرار تدخلاته بعمل المصرف المركزي، رغم أنه عاد وتراجع عن هذه السياسات بعد إعادة انتخابه وتشكيل حكومة جديدة، حيث رفع سعر الفائدة من أكثر من 8 في المئة إلى أربعين في المئة في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أن ذلك لم يجد نفعاً بعد ارتفاع التضخم بشكل كبير وارتفاع أسعار المواد الأساسية وازدياد معدل الفقر، وهروب أغلب الاستثمارات الأجنبية التي لم تعد ترى في تركيا مكاناً مناسباً للاستثمار في ظل تدخلات السلطات بالأعمال الاقتصادية والتضييق الممارس على المستثمرين، إلى جانب إحجام أي مستثمرين جدد عن الدخول إلى السوق التركية.
وتوجه انتقادات كبيرة من قبل جهات حقوقية عديدة، للسياسات التركية وفرض التعامل بالليرة التركية في مناطق الشمال السوري، على اعتبار أنها تندرج في إطار مخططات تتريك المنطقة، وتؤسس لوجود تركي طويل الأمد هناك، أكثر من كونها إجراءات اقتصادية أو خدمية تقدم للسكان هناك، وسط استمرار المطالبة بضرورة التوصل إلى حل سياسي نهائي للأزمة السورية يقود لحلحلة الأزمة الاقتصادية والتعامل بعملة وطنية موحدة.