تغيير الهيكلية وتحديد الصلاحيات.. تفاعل مع إقرار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا “دستورها”

أثار إقرار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا العقد الاجتماعي بحلته الجديدة، تفاعلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية والإعلامية بالمنطقة، على اعتبار أنه خطوة متقدمة تتضمن إقرار تغييرات في هيكلية الإدارة وتسميتها إلى الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا الذي يضم 7 مقاطعات.

واعتبر محللون أن ما يميز العقد الجديد، هو تناول وتحديد الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهيكلية وشكل الإدارة والعلاقة مع المركز في “جمهورية سوريا الديمقراطية” بشكل أكثر وضوحاً، والتأكيد على الحقوق الثقافية للمكونات واعتبار اللغات العربية والكردية والسريانية لغات رسمية في الإقليم.

تطوير الإدارة وتوحيد النظم

ويؤكد مسؤولو الإدارة الذاتية وأعضاء لجنة إعداد العقد، أنه بمثابة دستور يحدد العلاقة بين أفراد المجتمع وبين الإدارة والشعب وينظم هيكلية الإدارة ويحدد صلاحياتها وعلاقاتها مع الإدارات في الإقليم ككل، مشددين على أن صيغة العقد تقوم على تطوير الإدارة وتوحيد النظم والقوانين المعمول بها، على اعتبار أنه تم تحرير مناطق جديدة من تنظيم داعش الإرهابي بعد إقرار العقد السابق في عام 2014، فكان لابد من إقرار العقد الجديد.

عضو اللجنة المصغرة المكلفة بإعداد العقد الاجتماعي سيهانوك ديبو قال في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن المبدأ الأساسي للإدارة الذاتية هو اعتمادها على الكونفدرالية الديمقراطية من ناحية المؤسسات أي إضفاء الكثير من الخصوصية لكل مسألة ومنحها المزيد من الاستقلالية ضمن حيز التكامل الكلي لمؤسسات وهيئات وإدارات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.

وأضاف ديبو: “أن العلاقة بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمركز باتت أكثر وضوحاً وتحصيناً، هذا ما أكده العقد الاجتماعي بحلته الجديدة وهذه مسألة جداً مهمة، سواءً في مجال الدفاع الذي توجد بشأنه مادة تؤكد على أن جميع مقاطعات إقليم شمال وشرق سوريا على اعتباره جزءاً من الجغرافيا السورية وجمهورية سوريا الديمقراطية، يتحتم عليها أن تكون مدافعة في مسائل السيادة، سواءً الدفاع أو الاقتصاد أو السياسة، وواردة في العقد الاجتماعي كمسألة مؤكدة للتكامل مع المركز في هذه المجالات السيادية”.

وبحسب عضو اللجنة المصغرة المكلفة بإعداد العقد، ” فإنه تضمن التأكيد على خصوصية الإقليم ضمن مفهوم اللامركزية الديمقراطية، وهذه المسألة تمت مراعاتها بدقة، وعليه لا يمكن القول بأن الحلة الجديدة للعقد الاجتماعي تختلف عن العقد القديم بقدر أن العقد المصادق عليه مؤخراً من المجلس العام استند على العقد السابق سواءً لـ”الكانتونات” منذ العام 2014 الذي ضم “الجزيرة وكوباني وعفرين”، أو العقد الاجتماعي للفيدرالية لشمال وشرق سوريا عام 2016، أو بعض الدساتير التي تشهد بلدانها خطوات متقدمة في ترسيخ الديمقراطية في الحوكمة كحال الدستور في السويد ودساتير أخرى يمتاز نظام الحوكمة فيها باللامركزية، فهذه الأمور تم أخذها بعين الاعتبار، كما تم التركيز في مسائل التطوير على مزيد من الالتصاق بالشعب ومزيد من التعبير عن الإرادة المجتمعية بتبديد السلطة بحلتها المركزية، خاصةً بعد إنشاء أكثر من 10 مجالس تكون مكملة لعمل الهيئات فيما يتعلق بتحقيق الإرادة المجتمعية”

وينظر إلى العقد الاجتماعي بحسب محللين، إلى جانب تضمن بنود جديدة وإحداث تغييرات في هيكلية الإدارة، على أنه خطوة في اتجاه وضع أسس للحل السياسي في سوريا عبر الحوار السوري السوري الذي يضم الجميع دون إقصاء، على اعتبار أنه تضمن مواداً تتعلق بالحل السياسي والانتقال الديمقراطي والعلاقة مع المركز، والتأكيد على أن إقليم شمال وشرق سوريا جزء لا يتجزأ من جمهورية سوريا الديمقراطية.

المضي نحو بناء مستقبل سوريا

رئيس منظمة “كرد بلا حدود” كادار بيري، قال من جانبه في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن أهمية العقد تأتي في كل ما هو جديد لسد الثغرات في العقد السابق، وربما في المستقبل يكون هناك تعديلات أخرى، حيث أن من يريد تطوير نفسه يرجع دائماً إلى تجديد العقد الاجتماعي، فعلى سبيل المثال دول كبرى كفرنسا مازالت تقوم بتغيير بعض القوانين وهي أقدم جمهورية بالعالم، كما أن أهمية العقد تبرز من ناحية توحيد المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في إقليم واحد، إذ كانت في العقد السابق بعض نقاط الخلاف فيما يتعلق بعفرين ومنبج، وعليه فتوحيد هذه المناطق هو خطوة جيدة نحو الأمام”.

وأضاف بيري، “أن إقرار العقد في هذا التوقيت هو رسالة لكل الأطراف، بأن هذه الإدارة ماضية نحو الأمام في بناء مستقبل سوريا والسوريين حتى لو كان هناك تعنت من قبل النظام الذي يريد أن يعيد كل شيء إلى ما قبل العام 2011، وكأن شيئاً لم يكن وهذا هو المحال بحد ذاته، حيث أن هذا النظام يجعل نفسه خارج التطورات في سوريا”.

ويقول القائمون على إقرار العقد الاجتماعي، إنها كانت خطوة ضرورية فرضتها التغيرات والظروف، على اعتبار وجود ثغرات في العقد السابق، وتحرير مناطق جديدة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فكان لا بد من تجديده، لتضمينه مواداً أخرى، كما أن تعدد المكونات في المنطقة يفرض وضع قوانين تجدد التأكيد على الحريات والحقوق والواجبات وتنظم العلاقة بين الإدارة والشعب.

وأشار رئيس منظمة “كرد بلا حدود”، إلى أن هناك نقطتين في العقد يلفتان النظر، أولهما هو أن سوريا يعيش فيها عدة شعوب وليس شعب واحد، وهذا إقرار بحقوق الشعب الكردي والسرياني في سوريا، بأنهم يعيشون على أرضهم التاريخية، وثانيهما هو إحداث محكمة حماية العقد الاجتماعي، أو ما يشبه المحكمة الدستورية فهذه أيضاً نقطة جيدة وفيها عدة رسائل، أهمها شكل سوريا التي نطمح لها في المستقبل، بأن تكون دولة فيدرالية بعيداً عن المركزية، وعن تحكم طغمة حاكمة أو شخص بالبلاد وبمصير الشعوب القاطنة فيها”.

ويعتبر مراقبون، أن تضمن بنود العقد وديباجته، التأكيد على وحدة الأراضي السورية وأن إقليم شمال وشرق سوريا جزء لا يتجزأ منها، والقبول بالحوار الوطني ودستور توافقي يتم التوصل إليه بشكل توافقي وإمكانية تغيير وتعديل العقد بناءً على المصلحة الوطنية، يفند الاتهامات التي تطلقها حكومة دمشق وأطراف سورية معارضة على الإدارة الذاتية بأنها تريد فرض سلطة أمر واقع وتقسيم البلاد.

وبحسب المراقبين، تكمن أهمية الخطوة أيضاً، في أنها أنجزت في ظل تحديات وصعوبات تواجهها الإدارة الذاتية ومناطقها يتصدرها استمرار تهديدات تنظيم داعش الإرهابي رغم القضاء عليه عسكرياً على يد قوات سوريا الديمقراطية عام 2019 وتبعاته، بما في ذلك عناصره المحتجزون بالسجون وعوائلهم في المخيمات وما يمثلونه من مخاطر، إلى جانب الهجمات التركية المتواصلة والحصار المفروض على المنطقة، وتعمق الأزمة السورية بشكل أكبر من جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية.

قد يعجبك ايضا