كنان إسماعيل – الرقة
يرى ناشطون سياسيون ومحامون وحقوقيون من مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، أن النهوض الاقتصادي لمنطقتهم وتحسين مستوى المعيشة والدخل وفتح مجال الاستثمارات فيها، مرتبط أولاً بالاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية واستثناء المنطقة من العقوبات المفروضة على حكومة دمشق، وبحل سياسي سوري شامل ينهي الأزمة المتفاقمة.
وتعيش سوريا منذ أكثر من 12 عاماً من أزمة سياسية وحرب طاحنة انعكست على جميع مجالات الحياة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، حيث بات اقتصاد البلاد من أسوا الاقتصادات في العالم وفي حكم المنهار بعدما وصل سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية إلى مستويات متدنية قياسية، وسط تأكيدات أن مفاتيح إنهاء كل هذه الأزمات مرتبط بحل سياسي حقيقي وشامل.
الناشط السياسي فرهاد باقر، يقول في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية بإن الواقع الاقتصادي بحاجة إلى حل نهائي للملف السوري عبر تطبيق القرار الأممي 2254، بتوافق القوى الأساسية والدولية، من أجل ما وصفه بـ”إنقاذ الشعب السوري وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصةً بعد أن أثبت الحل العسكري عدم جدواه” ومشيراً في نفس الحين إلى أن السوريين دفعوا فاتورة باهظة على مدى 13 عاماً، على حد تعبيره.
عقوبات قيصر فاقمت الأزمة
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا لاسيما في مناطق سيطرة حكومة دمشق بشكل أكبر منذ عام 2020 بعد تطبيق الولايات المتحدة عقوبات قيصر على دمشق، وسط انهيار بسعر صرف الليرة وارتفاع في التضخم، حيث صنف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا قبل أيام، سوريا في المرتبة الثالثة بين الدول العربية بأعلى نسبة تضخم غذائي، وقدرة السكان على تأمين الغذاء وتحمل تكاليف المعيشة، مرجعاً السبب إلى الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد وتراجع قيمة العملة المحلية وتبعات فايروس “كورونا” وتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان وما تبع ذلك من تعطل التجارة بين البلدين.
من جانبه، يرى المحامي حسين الملا، أن مناطق شمال وشرق سوريا قد تضررت بشكل كبير جراء عقوبات قيصر التي فرضت على سوريا، ويقول “إنه كان من المأمول استثناء هذه المناطق من العقوبات، لأن الاستقرار السياسي في المنطقة يؤدي بالضرورة إلى استقرار اقتصادي واجتماعي ويزيد من فرص الاستثمار وإزالة العوائق أمام الشركات العالمية والدول المتعاملة وضخ الأموال إلى المنطقة”.
وأُقر قانون قيصر للعقوبات ضد سوريا من قبل الكونغرس الأمريكي في عام 2019 ليدخل حيز التنفيذ في حزيران/ يونيو عام 2020، على خلفية تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبت بحق المدنيين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لقوات حكومة دمشق، وتضمن القانون عقوبات على مسؤولين ومؤسسات بحكومة دمشق وأي أفراد وكيانات تسهل المعاملات التجارية معها، إلى حين الانخراط في حل سياسي حقيقي وفق القرار الأممي 2254.
تداعيات سلبية خطيرة
المحامي عبدالله العريان، وهو من أبناء مدينة الرقة أيضاً، يشدد خلال تصرحات لمنصة “تارجيت” على أن الاقتصاد هو محرك السياسة الأول، وأنه “لا حياة إن لم يكن هناك اقتصاد”، ويسترسل بحديثه بالقول “إن المجتمع الدولي شريك في الحالة الاقتصادية التي وصل إليها المجتمع السوري، نتيجة عدم إيجاد حل سياسي للأزمة وغياب أي رؤية للحل، الذي اعتبر أنه لا يمكن أن يكون جزئياً، لأن سوريا دولة معترف بها بالأمم المتحدة ولها حدود محددة، وعليه يجب التوصل لمقاربة سياسية واقتصادية للحل”.
ويضيف العريان في حديثه لمنصتنا أن الأزمة السورية أثرت على جميع السوريين مماد ليفقد المجتمع أهم مكوناته من شباب وقوى فكرية وعمال وحاملي الشهادات العليا، مطالباً بضرورة إيجاد تعريف جديد للدولة وتعريف جديد للقائمة الاقتصادية، من أجل الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي، على حد وصفه.
ومنذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزمات من العقوبات على حكومة دمشق كان آخرها “قانون الكبتاغون” الذي يشمل أشخاص وكيانات متهمة بالتورط بتجارة المخدرات في سوريا ويستهدف محاربة عمليات تجارة وتهريب المواد المخدرة، سبقه عدة عقوبات أخرى أبرزها “قيصر”، حيث تصر الدول الغربية على ضرورة انخراط دمشق في مفاوضات حقيقية وفق القرار الأممي 2254 تقود إلى حل سياسي نهائي يشارك فيه جميع السوريين، من أجل رفع هذه العقوبات والسماح بإعادة الإعمار وضح الأموال من أجل ذلك.
وتتهم حكومة دمشق، باتباع سياسة التسويف والمماطلة والتعويل على الحل الأمني والعسكري لإعادة فرض سيطرتها وسلطتها على الأراضي السورية، وتجاهل جميع الدعوات المطالبة بالانخراط بمفاوضات سياسية عبر حوار سوري – سوري، على اعتبار أنها لا تعير اهتماماً لمعاناة السوريين خاصةً في مناطق سيطرتها، وتراهن على عامل الوقت من أجل إعادة إنتاج وتعويم نفسها.