كنان اسماعيل-الرقة
يبدأ الخمسيني محمد العيسى يومه بمحاولات إصلاح الخيمة التي يسكنها مع عائلته في مخيم تل السمن في ريف الرقة شمال شرقي سوريا، بعد أن أمضى ليلة عصيبة كما يروي، بسبب البرد القارس والأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة، حاله كحال آلاف المهجرين من منطقة تل أبيض/ كري سبي، حيث لم تعد تلك الخيمة المهترئة تقي من برد الشتاء ولا حر الصيف، ولم يعد يجدي معها “الترقيع” بعد أن استهلكت.
يتحدث الرجل الذي هُجر من قرية “حجازية” بريف تل أبيض/ كري سبي إبان الهجوم التركي على المنطقة في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، عن الصعوبات والمعاناة الكبيرة التي يواجهونها في مخيم تل السمن في ظل نقص المساعدات وشح وسائل التدفئة مع دخول فصل الشتاء، قياساً بفترة الاستقرار والأمان قبل التهجير.
وتقول أم إبراهيم المهجرة من إحدى قرى ريف تل أبيض/ كري سبي في مخيم تل السمن في حديث لمنصة “تارجيت” بإن أوضاعهم في المخيم “صعبة” في ظل الافتقاد للمراكز الطبية والأدوية حيث يضطر القاطنون لشراء الأدوية من الخارج بأسعار باهظة، وسط غياب شبه كامل للمنظمات الإغاثية خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن أم إبراهيم تقول إنها تفضل كل هذه المعاناة على العودة إلى قريتها حيث فقد زوجها حياته خلال هجوم تركيا والفصائل “الإرهابية” التابعة لها على المنطقة كما وصفتها.
ويأوي مخيم تل السمن شمالي الرقة، الذي أنشأته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في كانون الأول/ديسمبر عام 2019، أكثر من 6600 مهجراً موزعين على نحو 1280 عائلة من منطقة تل أبيض/كري سبي غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، ولا تزال حتى الآن تتوافد عائلات مهجرة إلى المخيم وفق ما يؤكد المسؤولون عنه بسبب استمرار القصف من قبل تركيا والفصائل التابعة لها على المناطق المحاذية للمناطق المحتلة بريف الرقة، وذلك رغم وصوله إلى الطاقة الاستيعابية الكاملة ونقص المساعدات المقدمة من المنظمات الإغاثية ما عدا المقدمة من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بإمكانيات ضعيفة.
وعدا عن أن تركيا تمنع عودة هؤلاء إلى مناطقهم في إطار ما تقول تقارير حقوقية إنها خطة ممنهجة لتغيير ديمغرافية المنطقة عبر توطين آخرين من مناطق أخرى مكانهم إلى جانب عناصر الفصائل التابعة لها، يجد المهجرون أنفسهم مضطرين لتحمل كل هذه المعاناة والمصاعب في المخيم، قياساً بالضريبة الأكبر التي سيدفعونها في حال السماح لهم بالعودة، في ظل التقارير عن الانتهاكات التي تمارس بحق السكان الأصليين هناك من قبل الفصائل من قتل وتعذيب واختطاف وسرقة للممتلكات وغيرها.
انتشار للأمراض
من جانبه، أكد الرئيس المشترك لمخيم تل السمن محمد علي خلال تصريحات عبر الهاتف لـ”تارجيت” بأن معاناة النازحين تتفاقم مع كل شتاء على خلفية قلة الدعم واهتراء الخيم وسرعة انتشار الأمراض مثل اللاشمانيا والحمى الحادة بسبب القرب الكبير بين الخيم، حيث لا تتجاوز المسافة مترين على الأكثر على قوله، إلى جانب عدم توفر الأدوية واقتصار الرعاية الصحية على نقطة صحية متنقلة من الساعة تعمل خمس ساعات يومياً فقط، وهي تابعة لإحدى المنظمات، لافتاً إلى أنه في بداية إنشاء المخيم كان يوجد دعم من قبل المنظمات لكن الآن لا يتلقى القاطنون سوى 30% من الدعم الذي كانوا يتلقونه سابقاً خاصةً بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
شح كبير في المساعدات الإنسانية
وبحسب علي يوجد في المخيم 58 كوميناً و6 قطاعات وأنشأ في منطقة ذات طبيعة صحراوية ما فرض على المهجرين نظاماً معيشياً صعباً خلال فصل الشتاء، حيث أن نظام تغيير الأثاث والألبسة كل عامين للقاطنين الذي كانت تطبقه الأمم المتحدة لم يعد موجوداً، داعياً الجهات المختصة لدعم إدارة المخيم من أجل توسعته وافتتاح قطاعات جديدة وتأمين خيام بدلاً عن تلك المهترئة وللحالات الطارئة للاستجابة لأي عملية تهجير جديدة، والتي باتت تتكرر في ظل استمرار القصف والهجمات التركية.
ورغم النداءات التي يطلقها المهجرون في مخيم تل السمن والتحذيرات من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية مع كل دخول لفصل الشتاء، تتكرر معاناة القاطنين بالمخيم مع أول هطول للأمطار، حيث يجدون أنفسهم وكأنهم في العراء في ظل قلة وسائل التدفئة وشح المساعدات وما يتبع ذلك من أمراض موسمية ومعدية وأمراض سوء التغذية خاصةً بين الأطفال وغيرها من التبعات، التي يلقون باللوم بالدرجة الأولى فيها على المجتمع الدولي الذي يطالبونه بضرورة تحمل مسؤولياته وإنهاء احتلال تركيا لأرضهم وإعادتهم لمنازلهم، ووقف الانتهاكات بحق المدنيين السوريين.
وتقول تقارير حقوقية، إن الهجوم التركي عام 2019، أدى لتهجير نحو 175 ألف شخص من المنطقة الممتدة بين رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، والتي كان يتحدث الرئيس التركي رجب أردوغان عن إقامة “منطقة آمنة” فيها، كما تؤكد تقارير حقوقية أن استمرار الانتهاكات بحق السكان الأصليين في المناطق المحتلة وأولئك الذين سمح لهم بالعودة، من قتل واختطاف وتعذيب ومصادرة ممتلكات، إلى جانب توطين الآلاف من المرحلين من تركيا خاصةً في تل أبيض، تندرج في إطار مخطط التغيير الديمغرافي المعمول عليه على امتداد المناطق المحتلة بالشمال السوري منذ 2018، حيث تم توثيق انخفاض نسبة الكرد في عفرين وحدها بعد الاحتلال بأقل من 30% بالمئة من نسبة السكان قياساً بأكثر من 90 في المئة قبل الاحتلال.