مخاوف من سيطرة مطلقة.. حكومة دمشق توقع اتفاقيات جديدة مع إيران

هيڤي سليم

بعد عشرات الاتفاقيات ومذكرات والتفاهم السابقة، وقعت حكومة دمشق وإيران اتفاقيات جديدة في المجال التجاري والمصرفي وإعادة تأهيل مصافي نفط سورية، خلال زيارة لوفد من حكومة دمشق برئاسة رئيس الوزراء حسين عرنوس إلى العاصمة الإيرانية طهران مؤخراً.

وقالت وكالة أنباء “سانا” التابعة لحكومة دمشق ووسائل إعلام إيرانية، إنه تم توقيع اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملتين الوطنيتين وإعادة تأهيل مصافي نفط سورية إلى جانب مذكرات تفاهم ضريبية وجمركية وللتعاون بين المصرفين المركزيين السوري والإيراني، وفي مجال السياحة والأثار والمتاحف والرياضة وغيرها، مشيرةً إلى أن الاتفاقيات جاءت في إطار استئناف اجتماعات اللجنة العليا المشتركة السورية الإيرانية بعد توقف لسنوات، برئاسة رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس ونائب الرئيس الإيراني محمد مخبر.

وجاءت زيارة وفد حكومة دمشق الوزاري إلى طهران وتوقيع الاتفاقيات، بعد أقل من أسبوع على إقرار “مجلس الشعب” السوري مشروع قرار استثمار الأملاك المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب قرار قضائي مبرم، ومنح أحقية التصرف بهذه الأملاك وإمكانية نقلها لجهة معينة، لرئيس الوزراء حسين عرنوس، ما اعتبرته جهات سورية حقوقية ومعارضة حينها إطلاق ليد إيران في مؤسسات الدولة السورية، على اعتبار أن عرنوس يوصف بأنه أبرز رجالات إيران في حكومة دمشق.

الأكاديمية وعضوة اللجنة الدستورية السورية الدكتورة سميرة مبيض، قالت في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن إيران سعت منذ سنوات لوضع مشاريع استثمارية في سوريا لتضمن تواجدها في عمليات إعادة الإعمار من جهة وتعويض الديون التي تكلفتها عبر عمليات الدعم المسلح لمنظومة بشار الأسد من جهة أخرى، حيث وجهت اهتمامها الأساسي نحو الثروات النفطية والسعي للحصول على منفذ على البحر المتوسط”.

وأضافت، “أن المساعي الإيرانية جمدت بحكم تعطل العملية السياسية في سوريا وعدم إمكانية التقدم بعملية إعادة الإعمار والنشاطات الاقتصادية، وارتبط هذا الجمود إلى جانب العقوبات الاقتصادية على بشار الأسد نتيجة الانتهاكات التي ارتكبها بحق الشعب السوري، بوجود مناطق واسعة تضم الجزء الأعظم من مقدرات سوريا خارج سيطرة منظومة بشار الأسد وهي بالتالي خارج أي اتفاقيات اقتصادية يعقدها.

استراتيجية إيرانية طويلة الأمد

ويرى محللون، أن الجانب الاقتصادي وبرامج الاستثمار الإيراني في سوريا، هي جزء من استراتيجية إيرانية طويلة الأمد، سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، تهدف لتعميق وتوسيع النفوذ، حيث تؤكد تقارير أنه تم منح الشركات الإيرانية سيطرة شبه مطلقة على الكثير من القطاعات على رأسها الصحي وتأهيل البنى التحتية كالطرق والجسور، إلى جانب توثيق شراء طهران عبر “سماسرة” تابعين لها مئات العقارات في جميع أنحاء سوريا خاصةً ريفي دمشق الشمالي والجنوبي وريف حمص الغربي ودير الزور.

وتعتبر الأكاديمية سميرة مبيض، “أنه ورغم محاولات الجامعة العربية وإيران لإعادة تدوير بشار الأسد منذ عدة أشهر، إلا أن هذا المسار فشل لكونه لم يتسم بأدنى مقومات تحقيق مصالح السوريين وضمان أمنهم، مشيرةً إلى أن تكرار المحاولات من جانب إيران يهدف لتجاوز هذه المعوقات أو إيجاد بدائل، لكن ذلك يبقى منوطاً بتقدم الحل السياسي في سوريا وإيجاد صيغة تضمن الاستقرار لجميع الأطراف كونه الركيزة الأهم للتنمية الاقتصادية”، على حد تعبيرها.

ديون بمليارات الدولارات

وكانت وكالات أنباء ووسائل إعلام، قد تداولت في أيار/ مايو الماضي، وثيقة مسربة من وزارة الخارجية الإيرانية تكشف حجم الديون الإيرانية على حكومة دمشق والبالغة 50 مليار دولار أمريكي، وأن ما تم إنفاقه في سوريا خلال 8 سنوات من الأزمة بلغ 11 مليار دولار ما بين دعم عسكري وفواتير نفط، وذلك بعد حديث الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني حشمت الله بيشه في وقت سابق، عن أن ديون طهران على دمشق بلغت 30 مليار دولار.

واعتبر مراقبون، أن تسريب الوثيقة جاء مقصوداً وحمل رسائل إلى عدة جهات على رأسها حكومة دمشق، للتأكيد على أن إيران لن تسمح بالمساس بمصالحها الاقتصادية في سوريا وأنها الأولى بعقود إعادة الإعمار والاستثمار، خاصةً أن التسريب جاء بعد أيام من إعلان عودة حكومة دمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية والمخاوف الإيرانية من تحجيم دورها في سوريا، وإثر زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق التي تقول تقارير إنها حملت طابعاً سياسياً واقتصادياً وتضمنها التشديد على مصالح طهران في البلاد.

وكانت حكومة دمشق قد وقعت في 2017 عقوداً اقتصادية كبيرة مع إيران وكيانات مقربة من “الحرس الثوري” الإيراني في قطاعي الاتصالات والتعدين خلال زيارة لوفد منها إلى طهران برئاسة رئيس الوزراء السابق عماد خميس، حيث قالت وسائل إعلام إيرانية في حينها، إن سوريا ستعطي لإيران 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية وألف هكتار لإنشاء مرافئ للنفط والغاز، ما اعتبرته جهات سورية معارضة إفساحاً للمجال أمام إيران لنهب ثروات البلاد، والسماح لـ”الحرس الثوري” بمراقبة وثيقة الاتصالات السورية، على اعتبار أنه يتحكم بدرجة كبيرة بقطاع  الاتصالات بإيران، ويدير امبراطورية صناعية تستفيد من أي اتفاقيات تعقدها الحكومة الإيرانية.

ويقول معارضون سوريون، إن استمرار توقيع الاتفاقيات التجارية والاستثمارية وحجم الدين الكبير لإيران على حكومة دمشق، جعل الأخيرة مسلوبة الإرادة وقرارها مرهون بقرار طهران، وأطلق يد الأخيرة بشكل واسع وغير مسبوق للتحكم بقطاعات وثروات ومؤسسات الدولة، في ظل إفلاس دمشق والأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها وعدم قدرتها على سداد تلك الديون.

يشار، إلى أن إيران تحتفظ في سوريا إلى جانب الآلاف من قادة وعناصر “الحرس الثوري” الإيراني، بعشرات الآلاف من عناصر الفصائل التابعة لها والبالغ عددها سبعين فصيلاً وفق توثيقات حقوقية تنتشر بجميع أنحاء البلاد وبشكل أساسي في دير الزور ريفها الشرقي وحلب وحمص وريفها الغربي وريف دمشق الجنوبي، وأبرزها فصائل “زينبيون الباكستاني وفاطميون الأفغاني ولواء أبو الفضل العباس وحركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي” وغيرها، إلى جانب جماعة حزب الله اللبناني، وتتهم هذه الفصائل بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السوريين، وبالمسؤولية عن عمليات تجارة وتهريب المخدرات داخل البلاد وعبر الحدود.

قد يعجبك ايضا