العائدات من مخيم الهول بالرقة.. بين محاولات الدمج والصعوبات المعيشية

كنان إسماعيل – الرقة

 

منذ أن أصدرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قراراً في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2020 يسمح بخروج العائلات السورية من مخيم الهول بكفالة من شيوخ العشائر، خرجت العديد من الدفعات التي توجهت بالدرجة الأولى إلى دير الزور والرقة، بعد سنوات من المعاناة في المخيم الذي يضم الآلاف من عوائل عناصر تنظيم داعش الإرهابي.

قصص من المعاناة

“أم رقية” التي تسكن حالياً في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، كانت من بين الذين خرجوا من المخيم ضمن إحدى الدفعات بكفالة شيوخ العشائر وهي أم لأربعة أبناء، لا تزال تحمل معها الذكريات الأليمة وتبعات المعاناة من مخيم الهول، الذي قضت فيه سنوات من المآسي يسودها الخوف والعيش في خيمة لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء كما تصف في حديث لمنصة “تارجيت”، وتأمل في عيش حياة كريمة مع أسرتها، ونسيان آلام المخيم الذي يضم نساء وأطفال يحملون الفكر الإرهابي لداعش وتنتشر فيه أيضاً خلايا للتنظيم.

وتتحدث “أم رقية” عن مصاعب تواجهها بعد الخروج تتصدرها الأوضاع المعيشية واضطرارها للبحث عن عمل لتأمين معيشة أبنائها ودفع آجار المنزل الذي تسكنه، إلى جانب مسألة الحصول على الأوراق الثبوتية لها ولأبنائها من أجل الحصول على المستحقات من مازوت التدفئة والمساعدات الغذائية وغيرها، معربة عن أملها في أن تحصل على المساعدة من الجهات المختصة في هذا الشأن.

“أم محمد 28 عاماً” وهي واحدة من بين الذين خرجوا ضمن الدفعة الأخيرة من مخيم الهول قبل أكثر من ثلاثة أشهر، تروي هي الأخرى لمنصة “تارجيت” الإعلامية، قصصاً عن المعاناة وعدم الاستقرار وفقدان الشعور بالأمن في المخيم، في ظل انتشار القتل والاغتيالات، إلا أن وجودها الآن ضمن المدينة وبين السكان يعطيها شعوراً بالأمان وأملاً ببدء حياة جديدة بعيداً عن الفكر الإرهابي والمعاناة، رغم المصاعب الحياتية والمعيشية المتمثلة بتقبل المجتمع والقدرة على الاندماج خاصة بين الأطفال الذين نشأوا وترعرعوا وسط الخيام وبالقرب من عوائل داعش.

وتضيف أنها لا تفقد الأمل في الجهود المبذولة من قبل الإدارة الذاتية التي تكفلت بإجراءات خروجهم من المخيم في أن تستمر في إعادة دمجهم في المجتمع وتقديم الدعم والمساعدة لهم. وتطالب أم محمد المجتمع المحلي والجهات المعنية بالنظر في أمرهم وتقديم العون والمساعدة لهم في ظل ظروفهم المعيشية الصعبة التي تتفاقم بسبب غياب المعيل.

وتتشارك “أم مريم” وهي من بين اللواتي خرجن من مخيم الهول، وتعيش في مدينة الرقة، المعاناة ذاتها مع “أم رقية و “أم محمد” سواءً قبل الخروج من حيث فقدان الأمان وانتشار عمليات الاغتيال والفكر الإرهابي لاسيما بين أغلب نساء تنظيم داعش، أو بعد الخروج من حيث تقبل المجتمع وإمكانية بدء حياة جديدة وسط مجتمع مختلف كلياً عما كان سائداً في المخيم الذي قضت فيه وفق ما تروي أربع سنوات مريرة بعيدة عن الحياة الطبيعية، إلا أن معاناتها لم تنته في ظل مصاعب تأمين لقمة العيش وفقدان المعيل وشبه غياب للمنظمات الإغاثية.

ويضم مخيم الهول الذي تأسس في عام 1991 لإيواء لاجئين عراقيين ويعد الأخطر على مستوى العالم ويمثل “قنبلة موقوتة” وفق تصنيف جهات حقوقية، نحو 60 ألف شخص من أطفال ونساء عناصر تنظيم داعش الإرهابي بما في ذلك سوريين وعراقيين ومن جنسيات أجنبية.

“أم رقية وأم محمد وأم مريم”، هن جزء من عشرات الحالات في محافظتي الرقة ودير الزور شرقي سوريا، تحاول الجهات المختصة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والمنظمات الإنسانية، وضع برنامج ممنهج لإعادة دمجهن وأطفالهن بالمجتمع وبدء حياة جديدة، حيث تقدم هذه الجهات الدعم لهن وتنشئ مراكز للرعاية الاجتماعية وتقديم الخدمات، إلى جانب الجهود المبذولة لإعادة الدمج.

 

مؤتمر لإعادة الدمج المجتمعي

ولمواجهة كل هذه الصعوبات ولتذليل العقبات أمام اندماج العائدين من مخيم الهول بالمجتمع المحلي، عقد مجلس الرقة المدني قبل أيام مؤتمر “إعادة الدمج المجتمعي للعائدين من مخيم الهول”، الذي ضم عشرات الشخصيات والمختصين لمناقشة وضع هذه العائلات وتحديد السبل لإعادة دمجها لتكون جزءاً فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً في المجتمع”.

الرئيس المشترك للجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني جهاد حسن، قال في تصريحات لمنصة تارجيت بعد المؤتمر: “إن فكرة عقد مؤتمر إعادة الدمج المجتمعي للعائدين من مخيم الهول جاءت بناءً على تشخيص الواقع المعاش من جانب العائدات في المجتمع الرقاوي، مضيفاً أنه تم إنشاء مركز خاص بالعائدات من “الهول” تحت اسم “مركز الرعاية الاجتماعية” وهو المركز الأول من نوعه في شمال وشرق سوريا وعلى الصعيد الإقليمي، وتأسس بدعم مباشر من المجلس المدني والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للتنسيق مع الجهات والمنظمات الدولية ومؤسسات الإدارة الذاتية لأخذ هذه الفئة بعين الاعتبار ومعاملتها كأفراد في المجتمع”.

وأشار حسن، إلى أنه ومن خلال هذا المركز تم عقد شراكة مع برنامج الخدمات الأساسية التابع للخارجية الأمريكية، من أجل تمكين وتدريب لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل للقيام بهذا المشروع على أكمل وجه، وأضاف: ” أن من ضمن الاتفاقيات التي حصلت بيننا إطلاق مؤتمر تحت شعار نحو مجتمع أكثر تماسكاً، الغاية منه هو الدمج السليم للعائدين من مخيم الهول في المجتمع دون تمييز، وتقديم الدعم لهم من خلال مخاطبة الجهات الدولية والمنظمات المحلية والمنظمات المحلية لدعمها بالتوازي مع المجتمع في تقبلهم، لذلك الغاية من هذا المؤتمر الخروج برؤى استراتيجية واضحة وصب كل المنح والمشاريع في منحة واحدة ويكون الدعم بشكل متكامل نفسي واقتصادي إلى جانب الاستقرار لتعزيز عملية الدمج”.

قد يعجبك ايضا