استيلاء على أملاك المعارضين.. حكومة دمشق تقر قانون استثمار الأموال المصادرة

تكثف حكومة دمشق خلال هذه الفترة من إصدار القوانين التي في مجملها اقتصادية أو تصب في الجانب الاقتصادي، وتهدف للحصول على الأموال ورفد الخزينة بالمزيد منها، وكأن هناك توجه ممنهج نحو الداخل السوري من أجل هذا الغرض بعد ما يمكن تسميته بالفشل في تحصيل الأموال من الخارج لا سيما الدول الخليجية.

فبالتزامن مع إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً تشريعياً يتيح لمن لم يلتحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن الأربعين دفع بدل نقدي قيمته 4800 دولار أمريكي أو ما يعادله بالليرة السورية، أقر “مجلس الشعب” السوري مشروع قرار يتضمن استثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب قرار قضائي مبرم، والتي تعود ملكيتها في الغالب لمعارضين لحكومة دمشق أو محادين لم يدعموها بشكل علني وصريح.

وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، قد أفادت الأسبوع الماضي أن “مجلس الشعب” أقر بالأكثرية مشروع القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي وأصبح قانوناً، حيث تتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المذكورة ما عدا تلك الواقعة خارج المخططات التنظيمية، التي تتولى استثمارها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، مشيرةً إلى أن رئيس الحكومة يتحكم بملكية الأموال المصادرة بحيث يمكنه نقلها إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل بناءً على طلب الوزير المختص، دون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل يؤول إلى الخزينة العامة في حال النقل إلى الجهات ذات الطابع الاقتصادي”.

إطلاق يد إيران بمؤسسات الدولة

ورغم تصريحات مسؤولين بالحكومة وجهات مقربة منها، أن القانون يهدف لاستثمار هذه الأملاك بما يرفد خزينة الدولة بعوائد مالية، إلا أن القرار أثار موجة استنكار وجدل كبير في الأوساط السورية، حيث اعتبرته جهات حقوقية محاولة من دمشق للاستيلاء على مئات وآلاف الممتلكات التي تعود لمعارضين أو محايدين لم يعلنوا بشكل صريح دعمهم لها وصدر بحقهم حكم قضائي، كنوع من العقاب لهم على مواقفهم السياسية أي أن القرار يحمل أبعاداً سياسية، في حين قالت أطراف معارضة إنه إطلاق ليد إيران في مؤسسات الدولة على اعتبار أنه وضع أحقية التصرف بالأملاك بيد رئيس الوزراء الذي هو أداة بيد إيران.

الأزمة الاقتصادية

وإلى جانب ذلك تعتبر الجهات الحقوقية ومحللون، أن القرار يسلط الضوء على الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها حكومة دمشق، وتوجهها نحو الداخل السوري لتحصيل الأموال في ظل استمرار تدهور الأوضاع هناك الذي يدل عليه ارتفاع التضخم واستمرار انهيار الليرة والحديث عن بدء نفاد القطع الأجنبي، وتراجع الدعم الخارجي في ظل تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا وإعلان إيران علانية أنها لن تقدم أي دعم جديد دون مقابل، إلى جانب عدم ظهور أي نتائج لزيارة بشار الأسد إلى الصين وللتطبيع العربي والعودة إلى جامعة الدول العربية.

المحامي السوري المستقل عادل الهادي، يقول في هذا السياق: “إن قرار إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب قرار قضائي، هو أحدث صيغة لنهب أموال المواطنين تعتمدها الحكومة السورية عن طريق تمرير القانون عبر مجلس الشعب الذي لا يمثل مصالح الشعب بل هو أداة بيد أجهزة القمع السورية لضرب مصالح السوريين والتضييق عليهم عن طريق الاستيلاء غير المشروع على ممتلكاتهم خاصةً أن الأملاك المصادرة هي لمواطنين تم معاقبتهم بسبب التعبير عن رأيهم الذي كفله لهم الدستور السوري الصادر عام 2012”.

وأردف الهادي خلال تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “أن القانون يشرع مخالفة أحكام الدستور ويشرع القمع ويجعل هذه الحكومة وكامل المنظومة الحاكمة خارج نطاق الشرعية الدستورية والشعبية، معتبراً في الوقت نفسه أن جميع إجراءات القمع التي ترتكبها الحكومة لن تثني السوريين عن المطالبة بحقوقهم وحريتهم، وأن القانون لن يخدم المنظومة الحاكمة في كم الأفواه”، على حد تعبيره.

وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها حكومة دمشق قرارات تتعلق بالملكية، حيث سبق وأن أصدرت في نيسان/ أبريل 2018 القرار رقم 10 القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر في المناطق التي دمرت خلال الحرب، ويمهل المالك ثلاثين يوماً لإثبات ملكيته للعقارات المستهدفة، وفي حال عدم استطاعته تسحب منه ملكية العقار، ما اعتبرته جهات سورية حقوقية ومعارضة محاولة من دمشق للاستيلاء على هذه الممتلكات في ظل وجود الآلاف من أصحابها بالخارج وبعضهم لا يستطيع العودة حالياً، إضافةً إلى أن الكثير الأوراق والثبوتيات فقدت خلال سنوات الحرب، ويحتاج استخراج جديدة إلى وقت طويل.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في حينها، إن القانون مخالف للتشريعات والقوانين الدولية وسيحرم كثيراً من السوريين من العودة إلى منازلهم، وسيؤثر على قدرة اللاجئين والنازحين على العودة إلى البلاد، لافتةً إلى افتقار نحو 70% من اللاجئين إلى وثائق التعريف الأساسية.

قد يعجبك ايضا