حراك دبلوماسي.. وفد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يزور كتالونيا

في إطار حراكها المكثف مؤخراً في القارة الأوروبية والذي يندرج وفق ما يقول مسؤولوها في سياق محاولات إحداث اختراق في ملف الحل السياسي للأزمة السورية بجهود السوريين أنفسهم، وطرح مشروع الإدارة الذاتية كأحد أنسب الخيارات كنموذج يمكن الاقتداء به لإنهاء هذه الأزمة، زار وفد من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا إقليم كتالونيا الإسباني والتقى رئيس الحكومة الكتالونية بيرا أراكونيس في مدينة برشلونة.

وأكد أراكونيس خلال اللقاء مع وفد الإدارة الذاتية الذي ضم الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية بدران جيا كرد وممثل الإدارة في أوروبا عبد الكريم عمر والرئيسة المشتركة للحزب السرياني نظيرة كورية، دعم حكومته الكامل والمتواصل للإدارة الذاتية على كافة المستويات السياسية والإنسانية والاقتصادية والتنموية، مشيداً بالدور الذي لعبته في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي وضرورة الاستمرار بدعمها للحفاظ على الأمن والاستقرار في شمال وشرق سوريا.

وشدد أراكونيس على المضي قدماً في تعزيز علاقات التعاون الثنائي بين الحكومة الكتالونية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، معرباً عن استعداد حكومته لأن تكون صوت شعوب المنطقة لإيصال قضيتها إلى المنابر الدولية.

كما زار وفد الإدارة الذاتية البرلمان الكتالوني والتقى عدداً من الأعضاء، وتم التباحث بشأن عدد من القضايا على رأسها جهود إيجاد حل للأزمة السورية ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي وضرورة التعاون الدولي لإنهاء ملف عناصر التنظيم المحتجزين في سجون شمال وشرق سوريا وعوائلهم في المخيمات.

التعاون لترسيخ الديمقراطية

من جانبه، أعرب جيا كرد عن امتنان الإدارة الذاتية لموقف الحكومة الكتالونية وشعب الإقليم وأثنى على دورهم في دعم قضية شعوب شمال وشرق سوريا ومساعيهم لإرساء الأمن والاستقرار فيها، مؤكداً أن الخطوة التي اتخذها البرلمان الكتالوني بالاعتراف بالإدارة الذاتية دليل على عمق الروابط بين الطرفين، منوهاً في الوقت نفسه إلى القواسم المشتركة بين شعبي شمال وشرق سوريا وكتالونيا من حيث النضال والعمل من أجل ترسيخ قيم العدالة والحرية والديمقراطية

ولفت الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، إلى التحديات التي تواجهها الإدارة في ظل استمرار هجمات الاحتلال التركي على المنطقة، التي قال إنها تركز بشكل أساسي على تدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية وتستهدف المدنيين وسبل عيشهم، لذلك فهي تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القوانين الدولية، داعياً المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته ووضع حد لهذه الجرائم، ودعم مساعي الإدارة وحلفائها لتثبيت الأمن والاستقرار بالمنطقة.

تحركات إيجابية

باحث دراسات السلام وحل النزاعات الدكتور زارا صالح، قال في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: إن الزيارة تأتي في إطار المساعي التي تبذلها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عبر ممثليها في الخارج والداخل من أجل الحصول على اعتراف سياسي بمشروع الإدارة من خلال الحكومة والبرلمان الكتالوني الذي كان أول من اعترف بالإدارة الذاتية وله علاقات جيدة على كافة المستويات معها، معتبراً أن هذه المساعي ستنعكس إيجابياً على قضية الحصول على دعم سياسي واعتراف، على اعتبار أنه حتى الدول التي هي داعمة لقوات سوريا الديمقراطية وشريك معها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي لم تعترف حتى الآن بشكل رسمي بهذا المشروع”.

وأشار صالح، “إلى أن هذه التحركات إيجابية رغم صعوبة المهمة، حيث أن مشروع الإدارة الذاتية بالمناطق الكردية وشمال وشرق سوريا، هو حالة استثنائية نظراً إلى أن سوريا حالياً مقسمة إلى أربع مناطق في كل واحدة منها إدارة مختلفة، وعليه فإن الإطار الرسمي والسيادي تقريباً غير موجود رغم أن النظام يعتبر هو الممثل لكن عملياً سوريا مقسمة”

وأردف: “أن مسألة الاعتراف السياسي صعبة في الوقت الحالي لكن هذا ممكن في إطار الحل السياسي النهائي لمستقبل سوريا، إلى جانب عامل الدول الكبرى “روسيا وأمريكا” والدول الإقليمية كتركيا وإيران ودول الخليج وإسرائيل، التي سيكون لها تأثير في موضوع الحل والاعتراف وفقاً لمصالحها، إلا أنه أكد أن مساعي الإدارة الذاتية هي خطوات جيدة يمكن الاستفادة منها عبر طرح نموذج الفيدرالية أو الحكم اللامركزي في سوريا من خلال الاقتداء بنموذج الإدارة الذاتية كمشروع للحل على أساس تشاركي، حيث يعتبر مشروعاً مناسباً من حيث الفكرة للتعددية في سوريا ومنع عودة سيطرة حزب أو طائفة أو قومية على السلطة على غرار “حزب البعث” الذي يسيطر على كل شيء”.

وكان البرلمان الكتالوني قد صوت في العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021 بالأغلبية لصالح الاعتراف بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ككيان سياسي مستقل، كما وافق خلال جلسة التصويت 111 نائباً بالبرلمان على إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الإدارة الذاتية، وذلك بعد زيارة وفد برلماني كتالوني في حزيران/ يونيو من نفس العام لمناطق شمال وشرق سوريا والاطلاع على مشروع الإدارة الذاتية.

حشد الجهود للقضاء على الإرهاب

وخلال الأشهر الأخيرة كثفت وفود من الإدارة الذاتية حراكها الدبلوماسي في عدد من العواصم الأوروبية في إطار حشد الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب وإرساء الاستقرار في سوريا وإيجاد حلول للأزمة السورية التي تجاوزت عامها الثاني عشر، حيث زار وفد من الإدارة خلال شهري آذار/ مارس وأيلول/ سبتمبر الماضيين كلاً من البرلمان الألماني ومجلس الشيوخ الفرنسي، وجرى التباحث بمجمل تلك القضايا، إلى جانب ملف عناصر تنظيم داعش المحتجزين في سجون شمال وشرق سوريا وعوائلهم في مخيمات المنطقة وخاصة مخيم الهول الذي يضم عشرات آلاف الأشخاص وبات يوصف بالقنبلة الموقوتة في ظل النشاط المتزايد لخلايا داعش فيه والمخاوف من انتشار الفكر الإرهابي للتنظيم بين الأطفال هناك، كلما تأخرت الدول باستعادة رعاياها.

وبحسب باحث دراسات السلام وحل النزاعات الدكتور زارا صالح، “فإن الإدارة الذاتية مطالبة أيضاً بتقديم مشروع ديمقراطي حقيقي وتقديم نموذج يكون مناسباً للحل في سوريا خلال جولاتها الدبلوماسية ومن خلال الخدمات أيضاً، من أجل الحصول على الاعتراف السياسي والدعم الاقتصادي والاستثمارات في ظل الحصار المفروض على مناطق شمال وشرق سوريا”.

وتطرح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا منذ تأسيسها في عام 2018 مشروع اللامركزية كنموذج لسوريا تعددية ديمقراطية لكل السوريين بعيداً عن الحكم المركزي الاستبدادي، والاعتراف بالحقوق القومية لكل السوريين على أساس تشاركي، كما تؤكد على أن حل الأزمة لن يكون إلا سياسياً وبأيدي السوريين أنفسهم عبر حوار يشارك فيه الجميع دون إقصاء لأي طرف، وبعيداً عن العنف والعسكرة ولغة التخوين، كما عبر مسؤولوها مراراً عن الاستعداد للتحاور مع جميع الأطراف السورية الوطنية المؤمنة بالحل السياسي والتشاركية.

قد يعجبك ايضا