قبل أيام وافق البرلمان التركي على التمديد لبقاء قواته في ليبيا حتى عام 2026، في خطوة تؤكد من جديد أن النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان ماض في مخططاته التوسعية وتدخلاته التي لا تتوقف في شؤون الدول العربية، مستعيناً في ذلك بتيارات الإسلام السياسي على نحو يرسخ حالة الانقسام والاستقطاب دخل الدولة الليبية التي تعاني منذ عام 2011.
وفي 2 يناير من عام 2020 أرسلت تركيا قواتها إلى ليبيا وتحديداً إلى المنطقة الغربية في ضوء مذكرات تفاهم واتفاقيات أمنية مع حكومة طرابلس، المعبرة عن حكم الميليشيات وتيارات متشددة، ثم تم تمديد مهامها في 21 يونيو 2021 لـ18 شهراً إضافياً، ويأتي التمديد هذه المرة لمدة 24 شهراً بداية من 2 يناير 2024.
استمرار لسياسات النظام التركي التدخلية
وتعليقاً على قرار البرلمان التركي، يقول الدكتور حسين الشارف الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن قرار البرلمان التركي يؤكد أن أنقرة ستظل ماضية في نفس سياساتها التوسعية الاستعمارية طالما وجد على رأس السلطة فيها رجب طيب أردوغان، الذي كل ما يعنيه السيطرة على ثروات الليبيين في إطار اتفاقيات أبرمها مع حكومات في طرابلس تفتقد إلى الشرعية القانونية.
وأضاف “الشارف” أن الرئيس التركي مدد من قبل لقواته في سوريا والعراق تحت مزاعم أنه يحارب الإرهاب أو يواجه مخاطر محتملة على الأمن القومي لبلاده، لكن ماذا عن ليبيا؟ ما الذي أتى به إلى بلادنا، هل هناك حدود مشتركة تهدد أمنه القومي؟، مؤكدا أن “أردوغان” لا يدافع عن قضية وإنما يريد فرض أجندة توسعية تقوم على أفكار العثمانية الجديدة.
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي أن “أردوغان” بمثل هذا القرار يؤكد أنه لا صحة لكل ما يقال بأن النظام التركي قام باستدارة للخلف، وأنه يعيد تصحيح علاقاته بالمنطقة، بل هو مستمر في نفس السياسات التي درج عليها، ويسعى لتنفيذ بنود أجندته القائمة على التدخل غير المشروع في شؤون الدول الأخرى.
ويشير الدكتور حسين الشارف إلى أن التدخل التركي في ليبيا ارتبط بإرسال قوات وتقديم الذخيرة والتحالف مع الميليشيات والإرهابيين وإرسال المرتزقة وجلبهم من سوريا، وكل هذه الأدوات فاقمت الأوضاع والأزمة في ليبيا، معرباً عن استغرابه من صمت المجتمع الدولي إزاء ما تقوم به أنقرة من ممارسات وتدخلات غير قانونية في شأن عديد من الدول بينها ليبيا.
رفض في الشرق الليبي يمتد إلى مصر
ودأب النظام التركي على تقديم الدعم لتيارات الإسلام السياسي في ليبيا والتي رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية في يونيو من عام 2014، وشكلت حكومة في العاصمة طرابلس غرب البلاد وأقرت استمرار البرلمان المنقضية ولايته، ومن ثم حدث الانقسام بين الشرق والغرب، حتى تدخلت الأمم المتحدة وصاغت اتفاقاً سياسياً بموجبه تم تشكيل حكومة وأقرت شرعية مجلس النواب المنتخب، أما المجلس المنتهي فقد استمر تحت صيغة استشارية بمسمى “المجلس الأعلى للدولة”.
الإشكالية أتت من عدم حصول حكومة طرابلس على ثقة مجلس النواب، وتحولت إلى حكومة خاضعة لسيطرة الميليشيات وتيارات الإخوان والإسلام السياسي وحظيت بدعم تركي، وعندما شن الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، المعبر عن الشرق الليبي، عملية عسكرية ضد الميليشيات عام 2019 تدخلت تركيا عبر اتفاقية مع حكومة العاصمة، وهي الاتفاقية التي عارضتها مصر بشدة واعتبرتها تهديداً لأمنها القومي.
بدوره، يقول محمد فتحي الشريف رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الموقف التركي مرفوض، وهذا التمديد يخلق حالة واسعة من الغضب لا سيما في شرق ليبيا الذي يرفض على الدوام كافة التدخلات التركية في الشأن الليبي والتي وصلت خلال السنوات الأخيرة إلى مرحلة الدعم العسكري المباشر للميليشيات، وليس مجرد دعم سياسي.
وأكد “الشريف” أن مصر بالتأكيد غير متقبلة لفكرة التواجد التركي بصفة عامة داخل الأراضي الليبية، انطلاقاً من محددات واضحة وثابتة تقوم على رفض التدخلات في شؤون الدول العربية بكافة أشكالها، والقاهرة لطالما أكدت وأعلنت هذا الموقف مراراً، ولن يتغير الموقف المصري حتى لو كانت هناك عودة للعلاقات مع أنقرة.
ويرى مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات أن تقارب مصر مع تركيا لا يعني أبداً أن الأولى تقبل بسياسات الثانية، وإنما الأمر يقوم على فكرة ترحيل الخلافات، أي خلق مساحة أولاً من التفاهم تتيح إمكانية الجلوس والتباحث حول القضايا الخلافية والتي على رأسها ليبيا، ثم تأتي سوريا، فهذه الملفات في واقع الأمر هي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
قرار يعني مزيداً من الاستقطاب والانقسام
حول قرار التمديد، يقول أيضاً عبدالستار حتيتة الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن ليبيا كان بها جبهتين متصارعتين، الواقع يقول إن إحداهما انتصرت وأخرى هزمت، جبهة في الغرب وأخرى في الشرق، وتركيا تريد القول لجبهة الشرق إنها انتصرت مع جبهتها الغربية وها هي تمدد وجودها العسكري.
واعتبر “حتيتة” أن القرار التركي يحمل قدراً من الحرب النفسية تجاه الشرق الليبي، فهي تريد الإيعاز من خلال قرار التمديد هذا بأنها انتصرت، وبالتالي على الطرف الشرقي القبول بالأمر الواقع، مضيفاً أن هذا القرار من شأنه مزيداً من الانقسام والاستقطاب السياسي وتعزيز حالة التباعد بين شرق ليبيا وغربها.
ولفت الكاتب الصحفي المصري إلى أن النظام التركي الآن له وجود عسكري في قاعدة الوطية ومعيتيقة والخمس والقرضابية، وبالتالي فإن أنقرة تواصل نفس سياساتها، وهو أمر سيكون له انعكاساته على العملية السياسية في ليبيا المتعثرة، والتي لا يتصور أن تشهد أي تطور أو نقلة ما خلال الفترة المقبلة في ظل قناعة كل طرف بأن يبقى الحال على ما هو عليه.