تلقي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرة حكومة دمشق بظلالها على المشهد العام هناك بدءاً من تراجع كبير بالإنتاج الصناعي والتضخم وانهيار الليرة السورية مروراً بتدني مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية وصولاً إلى اعتراف دمشق بتلك الأزمة بعد فترات من الإنكار والبدء بالبحث عن مصادر للقطع الأجنبي لمنع انهيار الاقتصاد.
رئيس النظام السوري بشار الأسد، أصدر قبل أيام مرسوماً تشريعياً، أجاز بموجبه لمن يرغب من المكلفين المدعوين للخدمة الاحتياطية الذين بلغوا سن الأربعين ولم يلتحقوا بعد، دفع بدل نقدي عن الخدمة قيمته 4800 دولار أمريكي أو ما يعادله بالليرة السورية.
وأجاز المرسوم بحسب ما نقلت وكالة أنباء “سانا” الرسمية، لمن التحق بالخدمة الاحتياطية وبلغ سن الـ40 ومازال يؤدي خدمته، دفع البدل النقدي المذكور، على أن يتم حسم مبلغ 200 دولار أمريكي أو ما يعادله بالليرة السورية عن كل شهر أداه في الخدمة الاحتياطية.
وأثار إصدار المرسوم موجة غضب واستنكار وسخرية في آن واحد بين السوريين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن حكومة دمشق تمنع التداول بالعملات الأجنبية داخل البلاد وفي المؤسسات الرسمية وتفرض غرامات على المتداولين تصل لملايين الليرات، في حين أنها تجيز لنفسها التعامل بالدولار الأمريكي، إضافةً إلى اعتبار كثيرين أن دمشق لا تزال تتجاهل معاناة السوريين وتتجاهل المسببات الأساسية للأزمة التي تعيشها البلاد وتتجنب البحث فيها أو حتى طرح حلول تنهي الواقع المأساوي وتواصل السعي لتحقيق عوائد مالية، بموازاة استمرار ضباط وعناصر في قواتها بفرض الضرائب والإتاوات على المدنيين.
“ابتزاز الشعب وتحقيق مكاسب”
ويقول الكاتب والمحلل السياسي سامر الخليوي: “إن هذا المرسوم هو من أجل زيادة ابتزاز الشعب السوري واستغلاله بكافة الطرق الممكنة بالرغم من المعاناة الشديدة التي يعيشها السوريون، وكل الأموال التي يحصلها النظام السوري لا تذهب بالمطلق إلى خزينة الدولة وإنما إلى “العصابة الحاكمة” ومن معها، يضاف إلى ذلك أن بشار الأسد يريد أن يشير إلى أنه الرئيس ويصدر المراسيم التي تخدم الشعب مع علمه أن كل الشعب السوري المؤيد منه والمعارض يعلم أنه لا يمتلك من أمره شيئاً سوى إذلال الشعب ونهبه والتضحية بكل شيء من أجل البقاء في المنصب”.
ويشير الخليوي خلال تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، “إلى أن الأمر لن يقتصر على هذا الحد بل سوف يستمر بشار الأسد في إصدار المراسيم في كافة المجالات من أجل نهب الشعب السوري الذي يعاني من مشكلات عديدة وليست اقتصادية فقط، معتبراً أنه لن يتم حل أي مشكلة طالما بقي بشار في الحكم بل سوف تزداد المشكلات وتتفاقم كما لاحظنا خلال السنوات الأخيرة، وحلها لن يكون إلا برحيل هذه الطغمة الحاكمة”، على حد تعبيره.
ويذهب كثير من المحللين والمراقبين، إلى أن المرسوم وما سبقه من مراسيم تتعلق بدفع بدائل نقدية عن التجنيد الإجباري، تكشف عن وصول الأزمة المالية ونفاد القطع الأجنبي إلى مراحل قياسية في مناطق سيطرة حكومة دمشق، وأن الأخيرة بدأت تتخوف بشكل فعلي من تدهور مفاجئ لليرة السورية ينهار معه اقتصاد البلاد بشكل يصعب السيطرة عليه، وما يتبع ذلك من توقف للمؤسسات، واحتمالية اندلاع حراك شعبي شامل، وبالتالي تسعى لتأمين مردود اقتصادي لخزينة الدولة من الشريحة التي يستهدفها المرسوم على اعتبار أنها من كبار السن المستعدين للدفع المادي مقابل عدم الذهاب للخدمة، وخاصةً من كان منهم خارج البلاد ويحتاج لاستخراج أوراق رسمية.
فقدان الثقة بالمؤسسة العسكرية
وإلى جانب ذلك، تظهر هذه المراسيم بحسب المحللين، عزوف السوريين عن الالتحاق بالتجنيد الإجباري في ظل فقدان الثقة بالمؤسسة العسكرية لاسيما بعد اندلاع الأزمة عام 2011 والاتهامات الموجهة لها بالمسؤولية عن قتل مئات آلاف السوريين ودمار أجزاء كبيرة من البلاد، والاقتناع أن هذه المؤسسة انحرفت عن الهدف الذي أسست من أجله والمتمثل بحماية أمن وحدود البلاد إلى حماية السلطات، في ظل عدم اتخاذها أي مواقف أو تحريك ساكن إزاء احتلال العديد من الدول كتركيا وإيران لأجزاء من سوريا وسيطرة قوى وفصائل على مناطق واسعة منها، بموازاة استمرار القصف الإسرائيلي منذ سنوات.
وتتحدث أغلب التقارير الإعلامية، عن أن حكومة دمشق تعيش أكثر فتراتها مأزوميةً سياسياً واقتصادياً ومالياً، رغم انفتاح بعض الدول العربية والإقليمية على تطبيع العلاقات معها، والذي شهد مساره تعرقلاً في أوقات لاحقة في ظل وضوح عدم قدرتها على تنفيذ الشروط المطلوبة منها وهو ما بدا واضحاً في تراجع الكثير من الشركات الإماراتية عن الاستثمار في سوريا خاصةً بالمجال العقاري وإحجام أبوظبي عن المضي في الدعم المالي لدمشق وفق ما كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية قبل أشهر، وعليه فإن حكومة دمشق تعمل على تأمين بدائل للحصول على الأموال خاصةً بعد عدم ظهور أي نتائج من الناحية الاقتصادية لزيارة الأسد إلى الصين والتي كان يعول عليها كثيراً وفق ما روجت وسائل الإعلام التابعة لدمشق والمقربة منها في الفترة التي أعقبت الزيارة.