تقترب الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء جنوبي سوريا من إكمال 100 يوم على اندلاعها، ولاتزال متواصلة وفي زخم متصاعد، عبر حراك رفع المحتجون منذ أسبوعه الثاني سقف مطالبهم إلى الانتقال السياسي السلمي ورحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد عن السلطة، ويحظى بدعم شيوخ عقل طائفة الموحدين الدروز.
المتظاهرون يتجمعون بشكل يومي في ساحة “الكرامة” وسط مدينة السويداء وساحات البلدات والقرى التابعة لها، إلى جانب الخروج في التظاهرة المركزية في الساحة يوم الجمعة من كل أسبوع، للتأكيد على مطالب الحراك التي يتصدرها رحيل الأسد عن السلطة والانتقال السياسي بموجب قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار 2254، وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين.
وبعد طي التظاهرات السلمية بالمحافظة الجنوبية شهرها الثالث، وجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري بياناً عبر الفيديو للسوريين، جدد فيه التأكيد على سلمية الحراك ومشروعية مطالبه ورفض القمع والعنف بشكل أشكاله ومواصلة الاعتصام والاحتجاج حتى تحقيق المطالب.
وقال الشيخ الهجري في البيان، إن أبناء الجنوب السوري بذلوا الأرواح من أجل الوطن إلا أنه لم يتم ملاحظة ما يشير إلى مواطن الإحساس بالمسؤولية وطيب النوايا وكبح جماح معاناة السوريين التي اشتدت على خلفية سوء الإدارة وتكرار الفشل، لترتفع أصوات الأحرار في حوران سهلاً وجبلاً مع أبناء العشائر، حاملين مطالب مشروعة وأفكار محقة عبر حراك سلمي وطني عبر حرية تعبير كفلها الدستور من أجل الوصول إلى سوريا آمنة مستقرة.
وأعرب الشيخ الهجري عن استنكاره لما أسماه وسائل قمع تلجأ إليها جهات معروفة لإسكات صوت الحق في التعبير السلمي عن الحقوق المشروعة التي يتصدرها الحياة الكريمة، مندداً بتفشي ظاهرة العنف التي قال إنها تعبر عن فشل مرتكبيها ومزاجيتهم، عبر جميع أشكال الترهيب التي تزايدت في الآونة الأخيرة، معرباً في الوقت نفسه عن تأييده للحراك السلمي حتى تحقيق المطالب والوصول إلى وطن تفخر به الأجيال”.
رسائل لعدة جهات
وينظر إلى بيان الشيخ حكمت الهجري الذي لم يكن الأول من نوعه، على أنه يحمل رسائل إلى عدة جهات لعل أولها حكومة دمشق ورئيس النظام السوري بشار الأسد الذي يقول أغلب المحللين إن احتجاجات السويداء وضعته في إحراج كبير وخلطت أوراقه في هذا الوقت الذي يحاول فيه إعادة تعويم نفسه والخروج من العزلة السياسية المفروضة عليه منذ أكثر من عقد، ومحاولة إثبات أنه حقق انتصاراً، كما أنها تسلط الضوء على الأزمة المعيشية التي تعيشها مناطق سيطرة حكومة دمشق، المطالبة بالتدخل لإيجاد حلول لهذه الأزمات.
رفض العنف ونبذ الفتن
كما يتضمن البيان بحسب مراقبين، رسالة واضحة بمواصلة الحراك حتى تحقيق المطالب ورفض العنف الذي لن يقود إلا إلى مزيد من التوترات وتعقيد المشهد، والإشارة إلى انكشاف سياسة اللعب على إثارة الفتن وعدم جدواها في ظل وعي أبناء الجنوب وتوجيه بوصلتهم نحو الوصول إلى سوريا مستقرة لكل السوريين.
فساد السلطة
رئيس فرع السويداء بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان والعضو المؤسس للمبادرة الوطنية بجبل العرب سليمان الكفيري قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن بيان سماحة الشيخ حكمت الهجري له دلالات كثيرة وجاء بوقت الحاجة لرفع سوية الحراك الشعبي ليكون خطوة متقدمة في حياة البلاد، كما أن أهم ما فيه هو التمييز بين أن من يدرك معاناته ويعمل على الخلاص منها هو من يتميز بنور العقل، أما من يسكتون على الظلم والقمع فهم الجهلة، إلى جانب إشارته إلى الضائقة المادية التي عبثت بكل مقدرات البلاد والمأساة السياسية التي يعيشها الإنسان بفقدان حريته وكرامته، ومقابل ذلك هناك من ينهب خيرات البلاد وهم الفاسدون بالسلطة والعملاء الذين دفعت بهم لقيادة العمليات العسكرية ضد السوريين، فقامت باحتلال البلاد على شكل دول كتركيا في الشمال والشمال الغربي وإيران المنتشرة في كل بقاع الجغرافيا السورية وروسيا والولايات المتحدة وغيرهم الكثير من عصابات مسلحة همها الأساسي نهب ثروات البلاد”.
ويضيف الكفيري: “أن البيان ربط الفساد بالمجرمين والمساومين والذين يعملون لمصالحهم الشخصية سواءً كانت سياسية أو اقتصادية ولهم مشاريعهم التي ينجزوها على حساب السوريين، إلى جانب دعمه للحراك بالسويداء وانتفاضة السوريين بالجنوب عموماً وأنه حراك سلمي يريد التغيير الديمقراطي ويمثل السوريين جمعياً، لذلك حذر من مواجهة الحراك بأساليب غير أخلاقية، وأن جميع أساليب الحكومة بمواجهته مرفوضة وتعبر عن فشلها وعدم رغبتها بالتغيير، وشدد على رفض التغييب ومحاولات الفتنة”.
عدم التراجع عن الحراك
ويؤكد، أن ما ميز البيان توجهه لجميع السوريين لأن معاناتهم واحدة في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب تشديده على دعم استمرار الحراك ليأتي ذلك رداً على من يراهنون على تراجع الشيخ عن مواقفه الداعمة للاحتجاجات، إضافةً لتجديد المطالبة بتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بالتغيير السياسي، وأن الأوان قد آن لجلوس النظام التغيير السياسي الديمقراطي”.
ويقول نشطاء وجهات حقوقية من السويداء، إن حكومة دمشق متهمة بمحاولة دفع فصائل وجهات معينة تابعة لها لارتكاب أعمال عنف وإشاعة الفوضى وعمليات الاغتيال وتجارة المخدرات في المحافظة الجنوبية واللعب على وتر إثارة الفتن بين أبناء الجنوب السوري، من أجل إفشال الحراك الشعبي السلمي وإخراجه عن مساره والتشويش على مطالب المحتجين، وذلك بعد أن فشلت سياسة تجاهل الاحتجاجات على مدى ثلاثة أشهر والتعويل على ملل وتراجع المحتجين.
وعلى ضوء تزايد زخم الاحتجاجات الشعبية بالسويداء لتضم جميع فئات الشعب بما في ذلك أكاديميون وطلاب جامعات ونساء وحتى أعضاء سابقون في “حزب البعث”، وتوجه القائمين عليها نحو تشكيل هيئات لتنظيمها والإشراف عليها والحفاظ على سلميتها، ينتظر بحسب نشطاء من داخل المحافظة أن تأخذ هذه الاحتجاجات شكلاً وخطاً بيانياً مختلفاً خلال الفترة المقبلة، وإمكانية أن تمتد إلى مناطق سورية أخرى في ظل الأزمات التي تعانيها مناطق سيطرة حكومة دمشق.