تتوالى التقارير عن التدخلات من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق في عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في مناطق سيطرتها بسوريا، بما في ذلك تحديد قوائم المستفيدين وفرض أسماء محسوبة على مسؤولين سوريين لتوظيفهم في هذه المنظمات التي ستواجه خطر التوقيف عن العمل في حال الرفض.
“مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا”، نقلت عن مصادر رفضت الكشف عنها، أن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق، أوقفت عدداً من موظفي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” عن العمل وأجبرت الوكالة على فصلهم تحت حجج أمنية، مشيرةً إلى أن هذه الأجهزة أوقفت خلال شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر الماضيين 6 موظفين من المنظمة في دمشق وحمص والمنطقة الشمالية، بدعوى أنهم يشكلون خطراً على أمن البلاد على خلفية وجود أقارب لهم بالمعارضة السورية.
وقال مسؤول قسم الإعلام في “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” فايز أبوعيد في تصريحات إعلامية، “إن النظام السوري يقيد عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في سوريا ويمنعها من القيام بأي نشاط دون الرجوع إليه، مضيفاً أن هيمنة النظام السوري وصلت إلى قطاع التوظيف في الوكالة التي من المفترض أن تكون أممية من حيث القرارات والمرجعية.
فرع فلسطين
وبحسب أبو عبيد، “فإن وكالة “الأونروا” ليست صاحبة قرار في تعيين موظفيها حيث تقوم الأجهزة الأمنية السورية بدراسة لأي موظف قبل السماح بتوظيفه، وتؤكد تقارير لجهات حقوقية فلسطينية عاملة في سوريا وخارجها أنه لوحظ في الآونة الأخيرة قيام “الأونروا” بتوظيف أشخاص غير فلسطينيين ويتبعون لجهات لها نفوذ داخل أجهزة الأمن وخاصة “فرع فلسطين” الذي أصبح يعين موظفين يتبعون له أكثر من المدير العام للوكالة.
وتقول تقارير حقوقية، إنه ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سبعينيات القرن الماضي وصولاً إلى حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، تعاني الأعمال المدنية في سوريا من رقابة صارمة من الأجهزة الأمنية، ويحتاج أي موظف لدراسة أمنية للعمل في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة بما في ذلك التعليم والاقتصاد والعمل الإنساني، إلا أن هذه الظاهرة تفاقمت بشكل أكبر بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011 ودخول منظمات إنسانية للعمل بالبلاد، وإطلاق يد ضباط بالأجهزة الأمنية للتدخل بعملها والاستفادة من خدماتها عبر توظيف أشخاص محسوبين عليهم في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها مناطق سيطرة حكومة دمشق.
مراقبة أنشطة “الأونروا” وتعيين موظفين
المحامي والمنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن دور الأجهزة الأمنية وتدخلها في عمل منظمة “الأونروا” ليس بجديد وهو موجود منذ سنوات طويلة وهناك تدخل يتم بصورة مباشرة من خلال “فرع فلسطين” الذي يقوم بمراقبة أنشطة الأونروا وموظفيها وتقييمهم أمنياً بصورة دائمة، مشيراً إلى أن موظف “الأونروا” الذي يتم تعيينه في مسابقة لشغل أية وظيفة يجب أن يحصل على موافقة أمنية”.
ويضيف أبو هاشم: “أن هناك طريقة أخرى للتدخل ومراقبة عمل الأونروا هي من خلال مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين وهي مؤسسة تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية ولكن أيضاً لها دور أمني من خلال مديرها عبر رفع تقارير عن منظمة الأونروا، إلى جانب التدخل في عملها حيث لا تستطيع المنظمة الذهاب لأي مهمة في أي منطقة من مناطق عملها في سوريا إلا بإذن وموافقة من قبل مؤسسة اللاجئين وبالتنسيق معها، مؤكداً أنه خلال الفترة الأخيرة بدأ التدخل بالتعيينات بالأونروا بصورة سافرة حيث تم تعيين العديد من الموظفين من الطائفة العلوية، رغم أنه يفترض أن تكون الأولوية للاجئين الفلسطينيين على اعتبار أن المنظمة هي لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومع ذلك يتم التدخل من “فرع فلسطين” وأجهزة أمنية أخرى تفرض تعيين موظفين من طرفها، وهذا الأمر يتم أحياناً عبر فصل موظفين فلسطينيين”.
وكانت تقارير إعلامية وحقوقية، قد كشفت عن عمليات فساد في عمل منظمات إنسانية دولية عاملة في سوريا، تشمل توظيف أشخاص غير مؤهلين وليسوا من أصحاب الكفاءات محسوبين على مسؤولين بحكومة دمشق إرضاءً لهؤلاء المسؤولين المدرج بعضهم على لوائح العقوبات الغربية كرئيس الأمن السياسي التابع لحكومة دمشق حسام لوقا الذي تم توظيف ابنته في أحد مكاتب الأمم المتحدة بسوريا، وفق ما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في وقت سابق من هذا العام، وذلك بعد أن كشفت وثائق مسربة عام 2016، أن الأمم المتحدة وظفت أقارب مسؤولين رفيعي المستوى بحكومة دمشق في منظمات إغاثية تابعة لها.
وبحسب المحامي والمنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم، فإن عمليات التدخل زادت بعد عام 2011، وأكثر من ذلك فإن ما يسمى ببرامج القروض الصغيرة المخصصة للاجئين الفلسطينيين تم السيطرة عليها من قبل الأجهزة الأمنية لدرجة أنه كان هناك في عام 2017 ضمن برامج القروض 1198 مستفيداً من غير الفلسطينيين، مقابل استفادة 288 فلسطينياً فقط أي ما يعادل 2.5 بالمئة”.
ويشدد أبو هاشم، على أن جميع ما سبق يضع الكثير من إشارات الاستفهام حول عمل الأونروا في سوريا، وما هي نسبة الحياد والموضوعية في عملها، كما أنها لم تعد تخدم مناطق فيها لاجئون فلسطينيون بسبب الضغط الأمني، كما هو حال 6 آلاف لاجئ فلسطيني بشمال سوريا ترفض تقديم المساعدات لهم أسوةً بأولئك المتواجدين بمناطق سيطرة النظام بسبب معارضة الأجهزة الأمنية، ومطالباً في الوقت نفسه بتصحيح الوضع القائم من خلال تدخل مسؤولي الأونروا لإعادتها إلى دورها كمنظمة دولية تقوم على مساعدة اللاجئين وليس على استغلال ظروفهم لتحقيق مصالح لها علاقة بالأجهزة الأمنية السورية”.
ويقول نشطاء فلسطينيون، إنه وبعد سنوات من استثمار النظام السوري في القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية والبقاء في السلطة، بدأ هذا النظام يفرض قيوداً شديدة على اللاجئين الفلسطينيين بعد اندلاع الأزمة في سوريا، رداً على انخراط بعض الفلسطينيين في الحراك المناهض له ومواقف الفصائل الفلسطينية التي لم تعلن بشكل صريح دعمه في مواجهة المعارضة أو ما يسميه “المؤامرة” على البلاد، حيث تعرضت أغلب المخيمات الفلسطينية لقصف وتدمير شبه كامل، كما رفضت حكومة دمشق إعادة سكان مخيم اليرموك بدمشق إليه إلا بعد سنوات وسمحت لبعضهم فقط وبموجب موافقات أمنية وبعد إجراءات معقدة، كما وثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا” اعتقال أكثر من 3 آلاف فلسطيني من قبل الأجهزة الأمنية السورية بما في ذلك نساء وأطفال منذ عام 2011.